للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَامَ وَسَطَهَا» لَا يُنَافِي كَوْنُهُ الصَّدْرَ بَلْ الصَّدْرُ وَسَطٌ بِاعْتِبَارِ تَوَسُّطِ الْأَعْضَاءِ إذْ فَوْقَهُ يَدَاهُ وَرَأْسُهُ وَتَحْتَهُ بَطْنُهُ وَفَخِذَاهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَقَفَ كَمَا قُلْنَا إلَّا أَنَّهُ مَالَ إلَى الْعَوْرَةِ فِي حَقِّهَا فَظَنَّ الرَّاوِي ذَلِكَ لِتَقَارُبِ الْمَحَلَّيْنِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

(قَوْلُهُ، وَلَمْ يُصَلُّوا رُكْبَانًا) ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ وَجْهٍ لِوُجُودِ التَّحْرِيمَةِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ الْقِيَامَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ احْتِيَاطًا وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيَامِ فَإِذَا تَرَكَ الْقِيَامَ انْعَدَمَتْ أَصْلًا فَلَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ رُكْنَهَا الْقِيَامُ فَقَطْ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ النُّزُولُ لِطِينٍ وَمَطَرٍ جَازَ الرُّكُوبُ فِيهَا وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَا تَجُوزُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، وَلَوْ كَانَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ مَرِيضًا فَصَلَّى قَاعِدًا وَصَلَّى النَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا مَا أَجْزَأَهُمْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُجْزِئُ الْإِمَامَ، وَلَا يُجْزِئُ الْمَأْمُومَ بِنَاءً عَلَى اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ.

(قَوْلُهُ وَلَا فِي مَسْجِدٍ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد مَرْفُوعًا «مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا أَجْرَ لَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ» أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ الْإِمَامُ مَعَ بَعْضِ الْقَوْمِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ الْبَاقُونَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَيِّتُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ وَالْقَوْمُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ خِلَافًا لِمَا أَوْرَدَهُ النَّسَفِيُّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ فِي الْكَرَاهَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَتَوَابِعِهَا مِنْ النَّوَافِلِ وَالذِّكْرِ وَتَدْرِيسِ الْعِلْمِ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِاحْتِمَالِ تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَوْفَقُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمَيِّتَ وَبَعْضَ الْقَوْمِ إذَا كَانَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْبَاقُونَ فِيهِ لَا كَرَاهَةَ اتِّفَاقًا مَمْنُوعٌ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْحَدِيثَ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي مَسْجِدٍ ظَرْفًا لِلصَّلَاةِ وَالْمَيِّتِ وَحِينَئِذٍ فَلِلْكَرَاهَةِ شَرْطَانِ كَوْنُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَوْنُ الْمَيِّتِ فِيهِ فَإِذَا فُقِدَ أَحَدُهُمَا فَلَا كَرَاهَةَ، الثَّانِي أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلصَّلَاةِ فَقَطْ فَلَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ كُلُّهُمْ خَارِجَهُ، الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلْمَيِّتِ فَقَطْ وَحِينَئِذٍ حَيْثُ كَانَ خَارِجَهُ فَلَا كَرَاهَةَ، وَمَا اخْتَارُوهُ كَمَا نَقَلْنَاهُ لَمْ يُوَافِقْ وَاحِدًا مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا بِالْكَرَاهَةِ إذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ: الْمُصَلِّي أَوْ الْمَيِّتُ، كَمَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَتُكْرَهُ سَوَاءً كَانَ الْمَيِّتُ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ دَلِيلٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ بِعَيْنِهِ قَالُوا بِالْكَرَاهَةِ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا أَيًّا كَانَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الصَّلَاةِ رَاكِبًا، وَهِيَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مَعَ أَنَّ فِيهِ إيهَامًا؛ لِأَنَّ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ أَصْلًا، وَفِي الْمَعْطُوفِ هِيَ صَحِيحَةٌ وَالْأُخْرَى أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ نَهْيًا غَيْرَ مَصْرُوفٍ، وَلَا قَرَنَ الْفِعْلَ بِوَعِيدٍ بِظَنِّيٍّ بَلْ سَلَبَ الْأَجْرَ، وَسَلْبُ الْأَجْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ لِجَوَازِ الْإِبَاحَةِ ثُمَّ قَرَّرَ تَقْرِيرًا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِالْجَوَازِ فِي الْمَسْجِدِ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ خَارِجُهُ، وَهُوَ مَعْنَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ اهـ.

لَكِنْ تَتَرَجَّحُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي

ــ

[منحة الخالق]

الْإِمَامُ وَكَلَامُ الْوَاقِعَاتِ مُشِيرٌ إلَى مَا ذَكَرْنَا وَحِينَئِذٍ فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْمَسْبُوقِ بِالْأَرْبَعِ بِأَنْ حَضَرَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ لَا يُمْكِنُهُ التَّكْبِيرُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ، وَلَمْ يَبْقَ لِلْإِمَامِ تَكْبِيرٌ لِيُتَابِعَهُ فِيهِ فَتَفُوتُهُ الصَّلَاةُ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ فِيهِ نَظَرٌ) أَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا لِذَاتِهِ إلَّا الْقِيَامُ، وَأَمَّا التَّكْبِيرَاتُ فَإِنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَرْكَانًا إلَّا أَنَّ مَعْنَى الِانْتِقَالِ لَا يُفَارِقُهَا فَهِيَ مَقْصُودَةٌ لِغَيْرِهَا.

[الصَّلَاة عَلَيَّ الْمَيِّت فِي الْمَسْجِدِ]

(قَوْلُهُ مَمْنُوعٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ بِأَنَّ نَفْيَ الْكَرَاهَةِ اتِّفَاقًا فِي حَقِّ مَنْ كَانَ خَارِجًا وَإِثْبَاتَهَا فِيمَنْ كَانَ دَاخِلًا وَهَذَا لَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِهَا فِي حَقِّ الْخَارِجِ بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ وَهَذَا فِقْهٌ حَسَنٌ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ.

وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ الْمُؤَلِّفَ بَنَى الْمَنْعَ عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَهُ بِمَا لَمْ يُبْنَ لَهُ نَعَمْ يَظْهَرُ التَّوْفِيقُ عَلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ لَكِنْ تُرَجَّحُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ كَوْنِهِ، مِثْلُ «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ» ثُمَّ نُقِلَ عَنْ مُفْتِي الْحَنَفِيَّةِ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ قُطْبِ الدِّينِ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ أَنَّهُ أَفْتَى بِالْجَوَازِ وَعَدَمِ الْكَرَاهَةِ كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهَا فِي الْمُحِيطِ لِتَظَافُرِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ سَلَفًا وَخَلَفًا عَلَى ذَلِكَ دَلِيلًا يُؤَدِّي إلَى تَأْثِيمِ السَّلَفِ، وَقَدْ رَأَيْت رِسَالَةً لِلْمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي مُؤَدَّاهَا ذَلِكَ أَيْضًا لَكِنْ رَدَّ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَلَى قُطْبِ الدِّينِ بِأَنَّهُ لَا يُفْتَى بِخِلَافِ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّهُ جَدِيرٌ بِالتَّرْجِيحِ لِمَا شَاهَدْنَا فِي عَصْرِنَا مِنْ نُفَسَاءَ مَاتَتْ فَوُضِعَتْ فِي بَابِ الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ فَخَرَجَ مِنْهَا دَمٌ ضَمَّخَ الْعَتَبَةَ فَالِاحْتِيَاطُ عَدَمُ الْإِدْخَالِ، وَلَعَلَّ أَهْلَ الْحَرَمَيْنِ عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِنَا. اهـ.

وَلِلْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ رِسَالَةٌ خَاصَّةٌ نَقَلَ فِيهَا الْكَرَاهَةَ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَحَقَّقَ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>