لَبِنَةٌ فَقَتَلَ رَجُلًا يَتَحَقَّقُ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ وَلَا قَصْدَ فِيهِ اهـ.
وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ عَرَضًا هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَيَّدَ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ الرَّمْيَ مُعْتَبَرٌ فِي الْخَطَإِ فِي الْفِعْلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَوْ سَقَطَ مِنْهُ خَشَبَةٌ أَوْ لَبِنَةٌ فَقَتَلَ رَجُلًا هَذَا خَطَأٌ فِي الْفِعْلِ وَلَا رَمْيَ. وَقَوْلُهُ كَنَائِمٍ انْقَلَبَ عَلَى رَجُلٍ تَفْسِيرٌ لِمَا جَرَى مَجْرَى الْخَطَإِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِخَطَإٍ حَقِيقَةً وَلَمَّا وُجِدَ فِعْلُهُ حَقِيقَةً وَجَبَ عَلَيْهِ مَا أَتْلَفَهُ كَفِعْلِ الطِّفْلِ فَجَعَلَهُ كَالْخَطَإِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ كَالْمُخْطِئِ وَإِنَّمَا كَانَ حُكْمُ الْمُخْطِئِ مَا ذَكَرَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] ، وَقَدْ قَضَى بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي ثَلَاثِ سِنِينَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَصَارَ إجْمَاعًا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا الْكَفَّارَةُ) أَيْ مُوجِبُ الْقَتْلِ بِسَبَبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا الْكَفَّارَةُ أَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ فَلِأَنَّهُ سَبَبُ التَّلَفِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِالْحَفْرِ فَجُعِلَ كَالدَّافِعِ الْمُلْقِي فِيهِ فَتَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ صِيَانَةً لِلْأَنْفُسِ فَتَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِهَذَا الطَّرِيقِ دُونَ الْقَتْلِ بِالْخَطَإِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَخْفِيفًا عَنْهُ كَمَا فِي الْخَطَإِ بَلْ أَوْلَى لِعَدَمِ الْقَتْلِ مِنْهُ مُبَاشَرَةً وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيهِ، وَفِي الْأَصْلِ لَوْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ فَوَطِئَ دَابَّتَهُ إنْسَانٌ فَقَتَلَهُ، وَفِي الْيَنَابِيعِ أَوْ سَقَطَ مِنْ سَطْحٍ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ هَذَا كُلُّهُ قَتْلُ خَطَإٍ وَمُبَاشَرَةٍ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْكَفَّارَةُ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فِي حَقِّ الْقَادِرِ وَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْقَادِرِ، وَلَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَلَا إطْعَامَ فِيهِ فَتُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ وَقْتَ الْأَدَاءِ لَا وَقْتَ الْوُجُوبِ اهـ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكُلُّ يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ إلَّا هَذَا) أَيْ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ الَّتِي تَقَدَّمَ مِنْ عَمْدٍ وَشِبْهِهِ وَخَطَإٍ وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَاهُ يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ إلَّا الْقَتْلَ بِسَبَبٍ، فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ كَمَا لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مُلْحَقٌ بِالْخَطَإِ فِي أَحْكَامِهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشِبْهُ الْعَمْدِ فِي النَّفْسِ عَمْدٌ فِيمَا سِوَاهَا) ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ مَا دُونَ النَّفْس لَا يَخْتَصُّ بِآلَةٍ دُونَ آلَةٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ شِبْهُ الْعَمْدِ بِخِلَافِ النَّفْسِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ عَمَّةَ الرُّبَيِّعِ لَطَمَتْ جَارِيَةً فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَهَا فَطَلَبُوا إلَيْهِمْ الْعَفْوَ فَأَبَوْا وَالْأَرْشَ فَأَبَوْا إلَّا الْقِصَاصَ وَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ فَرَضِيَ الْقَوْمُ فَعَفَوْا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» ، وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَنَّنَا عَلِمْنَا أَنَّ اللَّطْمَةَ لَوْ أَتَتْ عَلَى النَّفْسِ لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ وَرَأَيْنَاهَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَدْ أَوْجَبَتْهُ بِحُكْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ النَّفْسِ شِبْهَ عَمْدٍ فَهُوَ عَمْدٌ فِيمَا دُونَهَا وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ شِبْهَ عَمْدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ]
لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ شَرَعَ فِي تَفْصِيلِ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ مِنْ الْقَتْلِ وَمَا لَا يُوجِبُهُ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ عَمْدًا) لِمَا بَيَّنَّا وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مَحْقُونَ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ لِيَدْفَعَ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ، فَيَسْتَدْعِي الْكَمَالَ فِي الْجِنَايَةِ، فَلَا يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ الْمُسْتَأْمَنِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَفِيهِ الْبَحْثُ مِنْ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ أَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَذَلِكَ يُنَافِي وَصْفَ الْقِصَاصِ بِالْوُجُوبِ الثَّانِي أَنَّ حَقْنَ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ يَزُولُ بِالِارْتِدَادِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى الثَّالِثُ أَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِمُسْلِمٍ قَتَلَ ابْنَهُ الْمُسْلِمَ، فَإِنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِيهِ، وَلَا قِصَاصَ الرَّابِعُ أَنَّ قَيْدَ التَّأْبِيدِ لِثُبُوتِ الْمُسَاوَاةِ، وَإِذَا قَتَلَ الْمُسْتَأْمَنُ مُسْلِمًا وَجَبَ الْقِصَاصُ وَلَا مُسَاوَاةَ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُودِ ثُبُوتُ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَفْوِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقْنِ عَلَى التَّأْبِيدِ مَا هُوَ بِحَسَبِ الْأَصْلِ وَالِارْتِدَادُ عَارِضٌ لَا يُعْتَبَرُ وَرُجُوعُ الْحَرْبِيِّ أَصْلٌ لَا عَارِضٌ وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْقِصَاصَ ثَابِتٌ لَكِنَّهُ انْقَلَبَ لِشُبْهَةِ الْأُبُوَّةِ وَعَنْ الرَّابِعِ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ إلَى نُقْصَانٍ غَيْرُ مَانِعٍ عَنْ الِاسْتِيفَاءِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَفِي الْكَافِي الْقِصَاصُ وَاجِبٌ بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا شُبْهَةُ الْمِلْكِ وَلَا شُبْهَةُ الْحُرِّيَّةِ يَعْنِي بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute