للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقَاضِي لَهُمَا الْإِعَادَةُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي الْفَتَاوَى، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ قَوْلُهُ: فَإِنْ صَلَّى الْوَلِيُّ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدٌ بَعْدَهُ يَعْنِي سُلْطَانًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَقْدِيمِ حَقِّ الْوَلِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جُوِّزَ لَهُ الْإِعَادَةُ، وَلَمْ يُجَوَّزْ لِلسُّلْطَانِ إذَا صَلَّى الْوَلِيُّ فَافْهَمْ ذَلِكَ اهـ.

وَكَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى، وَقَدْ ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْأَوَّلَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَقَدَّمَ الْوَلِيُّ مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ حَضَرَ فَالْحَقُّ لَهُ فَكَانَتْ صَلَاةُ الْوَلِيِّ تَعَدِّيًا، وَالثَّانِي مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُ الْوَلِيِّ فَصَلَّى الْوَلِيُّ ثُمَّ جَاءَ الْمُقَدَّمُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ قَدْ سَقَطَ بِصَلَاةِ مَنْ لَهُ وِلَايَتُهَا - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ - ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمُجْتَبَى مَا يُفِيدُهُ قَالَ: فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ الْوَلِيُّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ أَحَدٌ بَعْدَهُ وَهَذَا إذَا كَانَ حَقُّ الصَّلَاةِ لَهُ بِأَنْ لَمْ يَحْضُرْ السُّلْطَانُ، وَأَمَّا إذَا حَضَرَ وَصَلَّى عَلَيْهِ الْوَلِيُّ يُعِيدُ السُّلْطَانُ اهـ. .

(قَوْلُهُ: فَإِنْ دُفِنَ بِلَا صَلَاةٍ صُلِّيَ عَلَى قَبْرِهِ مَا لَمْ يَتَفَسَّخْ) ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى قَبْرِ امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ» أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ مَدْفُونًا بَعْدَ الْغُسْلِ أَوْ قَبْلَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَكِنْ صُحِّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الْقُدُورِيِّ وَصَاحِبِ التُّحْفَةِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِدُونِ الْغُسْلِ لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ، وَلَا يُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ لِتَضَمُّنِهِ أَمْرًا حَرَامًا، وَهُوَ نَبْشُ الْقَبْرِ فَسَقَطَتْ الصَّلَاةُ اهـ.

وَقَيَّدَ بِالدَّفْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَلَمْ يُهَلْ عَلَيْهِ التُّرَابُ فَإِنَّهُ يُخْرَجُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقُيِّدَ بِعَدَمِ التَّفَسُّخِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ التَّفَسُّخِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ شُرِعَتْ عَلَى بَدَنِ الْمَيِّتِ فَإِذَا تَفَسَّخَ لَمْ يَبْقَ بَدَنُهُ قَائِمًا، وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ بِمُدَّةٍ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ تَفَسُّخُهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَكْبَرُ الرَّأْيِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِمُدَّةٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي تَفَسُّخِهِ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَالْمَذْكُورُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ رَوَاهُ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ اهـ.

وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَبِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَيِّتِ فِي السِّمَنِ وَالْهُزَالِ وَبِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ فَيُحَكَّمُ فِيهِ غَالِبُ الرَّأْيِ، فَإِنْ قِيلَ رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنَّهُ صَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةٍ» فَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ دَعَا لَهُمْ قَالَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي الْفَتَاوَى) أَيْ مَا مَرَّ فِي الْقَوْلَةِ السَّابِقَةِ وَفِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتَاوَى هُوَ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى السُّلْطَانُ وَنَحْوُهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ حَقُّ الْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى مِنْهُ، وَلَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَهُمْ الْإِعَادَةَ إذَا صَلَّى الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّ أَوْلَوِيَّةَ السُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ لِوُجُوبِ تَعْظِيمِهِ وَلِأَنَّ فِي التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ ازْدِرَاءً بِهِ لَا لِكَوْنِ الْحَقِّ لَهُمْ بَلْ الْحَقُّ إنَّمَا هُوَ لِلْوَلِيِّ وَتَقَدُّمُهُمْ عَلَيْهِ لِعَارِضٍ فَإِذَا صَلَّى صَاحِبُ الْحَقِّ، وَلَمْ يُرَاعِ حُرْمَتَهُمْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ حَقُّ الْإِعَادَةِ وَمِثْلُ ذَلِكَ الِابْنُ مَعَ الْأَبِ فَإِنَّ الْحَقَّ لِلِابْنِ وَلَكِنَّهُ يُقَدِّمُ أَبَاهُ احْتِرَامًا لَهُ، وَلَا يَرِدُ إمَامُ الْحَيِّ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْوَلِيِّ مَنْدُوبٌ لَا وَاجِبٌ كَتَقْدِيمِ السُّلْطَانِ (قَوْلُهُ وَقَدْ ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَلِمَتَهُمْ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلسُّلْطَانِ عِنْدَ عَدَمِ حُضُورِهِ وَقَدْ عَلِمْت ثُبُوتَ الْخِلَافِ مَعَ حُضُورِهِ اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ حَمَلَ الْخِلَافَ بَيْنَ كَلَامَيْ النِّهَايَةِ وَالسِّرَاجِ عَلَى حَالَةِ حُضُورِهِ أَمَّا عِنْدَ عَدَمِهِ فَلَيْسَ مِمَّا الْخِلَافُ فِيهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ أَوْلَوِيَّةَ السُّلْطَانِ إنْ حَضَرَ، وَعَلَيْهِ فَمَا فِي الْمُجْتَبَى مِثْلُ مَا فِي النِّهَايَةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ كَلَامَ النِّهَايَةِ لَيْسَ خَاصًّا بِحَالَةِ حُضُورِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ عَنْ الْمَبْسُوطِ فِي الْجَوَابِ عَنْ دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ عَلَى جَوَازِ الْإِعَادَةِ حَيْثُ قَالَ لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ هُوَ الَّذِي حَضَرَ فَإِنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ وِلَايَةُ إسْقَاطِ حَقِّهِ، وَهُوَ تَأْوِيلُ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ الْحَقَّ كَانَ لَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: ٦] ، وَهَكَذَا تَأْوِيلُ فِعْلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ مَشْغُولًا بِتَسْوِيَةِ الْأُمُورِ وَتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ فَكَانُوا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَبْلَ حُضُورِهِ وَكَانَ الْحَقُّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْخَلِيفَةُ فَلَمَّا فَرَغَ صَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ أَحَدٌ بَعْدَهُ عَلَيْهِ. اهـ.

وَهَذَا يَشْكُلُ أَيْضًا عَلَى تَوْفِيقِ الْمُؤَلِّفِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَمْ يُصَلِّ أَحَدٌ قَبْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الصَّلَاةِ بَلْ جَمِيعُ مَنْ صَلَّى كَانَ أَجْنَبِيًّا وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا مَرَّ لَكِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ مِنْ أَقَارِبِهِ قَبْلَ الصِّدِّيقِ، وَهُوَ بَعِيدٌ تَأَمَّلْ ثُمَّ ظَاهِرُ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ عَنْ الْمَبْسُوطِ يُؤْذِنُ أَنَّ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا الصَّلَاةَ قَبْلَ الْوَلِيِّ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ لِمَا فِي الْفَتْحِ، وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ فَصَفَّهُمْ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا» دَلِيلٌ عَلَى أَنْ إنْ لَمْ يُصَلِّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْقَبْرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَلِيُّ، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِنَا فَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِادِّعَاءٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَلَّى عَلَيْهَا أَصْلًا، وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ مِنْ الصَّحَابَةِ. اهـ.

قُلْت: بَلْ لَا يَصِحُّ هَذَا الِادِّعَاءُ أَصْلًا فِي صَلَاتِهِمْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

[دُفِنَ الْمَيِّت بِلَا صَلَاةٍ]

(قَوْلُهُ بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةً) لَعَلَّهُ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ ثُمَّ رَاجَعْت الْبَدَائِعَ فَرَأَيْته كَذَلِكَ فَمَا هُنَا تَحْرِيفٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>