عَلَيْهِ وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي الْإِنْفَاقِ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ اهـ.
أَطْلَقَ النَّفَقَةَ فَشَمِلَ الْكِسْوَةَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ مَهْرَهُ إذَا زَوَّجَهُ السُّلْطَانُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَفِي مَالِهِ اهـ.
وَلَوْ أَبَى الْمُلْتَقِطُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ وَسَأَلَ الْقَاضِي أَخْذَهُ مِنْهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ وَالْأَوْلَى قَبُولُهُ بِالْبَيِّنَةِ إذَا عَلِمَ عَجْزَهُ عَنْهُ فَلَوْ قَبِلَهُ الْقَاضِي وَدَفَعَهُ إلَى آخَرَ وَأَمَرَهُ بِالْإِنْفَاقِ لِيَرْجِعَ ثُمَّ طَلَبَ الْأَوَّلَ رَدَّهُ خُيِّرَ الْقَاضِي كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُحِيطِ.
(قَوْلُهُ كَإِرْثِهِ وَجِنَايَتِهِ) فَإِنَّ إرْثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَجِنَايَتَهُ فِيهِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ فَلَوْ وَجَدَ اللَّقِيطُ قَتِيلًا فِي مَحَلَّةٍ كَانَ عَلَى أَهْلِ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ دِيَتُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَعَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ وَكَذَا إذَا قَتَلَهُ الْمُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَوْ قَتَلَهُ عَمْدًا فَالْخِيَارُ لِلْإِمَامِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالصُّلْحِ عَلَى الدِّيَةِ وَلَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ وَلَاءَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ كَعَقْلِهِ وَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ إذَا بَلَغَ إلَّا إذَا عَقَلَ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا وَوَلِيُّهُ السُّلْطَانُ فِي مَالِهِ وَنَفْسِهِ لِلْحَدِيثِ «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» فَيُزَوِّجُهُ وَيَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ دُونَ الْمُلْتَقِطِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ جَعَلَ الْإِمَامُ وَلَاءَ اللَّقِيطِ لِلْمُلْتَقِطِ جَازَ لَهُ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ.
[لَا يَأْخُذُ اللَّقِيطَ مِنْ الْمُلْتَقِطِ أَحَدٌ بِغَيْرِ رِضَاهُ]
(قَوْلُهُ وَلَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ أَحَدٌ) أَيْ لَا يَأْخُذُ اللَّقِيطَ مِنْ الْمُلْتَقِطِ أَحَدٌ بِغَيْرِ رِضَاهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ حَقُّ الْحِفْظِ لَهُ لِسَبْقِ يَدِهِ عَمَّمَهُ فَشَمِلَ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ فَلَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ إلَّا بِسَبَبٍ يُوجِبُ ذَلِكَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدْنَا بِالْجَبْرِ لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ بِاخْتِيَارِهِ جَازَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الثَّانِي لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّ نَفْسِهِ عَنْ اخْتِيَارٍ وَأَفَادَ بِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ أَنَّهُ لَوْ انْتَزَعَهُ أَحَدٌ فَاخْتَصَمَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي إلَى الْقَاضِي قَالَ فَإِنَّ الْقَاضِي يَدْفَعُهُ إلَى الْأَوَّلِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْتَزَعَ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِحِفْظِهِ كَمَا قَالُوا فِي الْحَاضِنَةِ وَكَمَا أَفَادَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِقَوْلِهِ إلَّا بِسَبَبٍ يُوجِبُ ذَلِكَ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى حَيْثُ شَاءَ اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ وَجَدَهُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ فَتَنَازَعَا فِي كَوْنِهِ عِنْدَ أَحَدِهِمَا قُضِيَ بِهِ لِلْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ لَهُ بِالْإِسْلَامِ فَكَانَ الْمُسْلِمُ أَوْلَى بِحِفْظِهِ وَلِأَنَّهُ يُعَلِّمُهُ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْكَافِرِ اهـ.
وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إذَا كَانَ مُتَعَدِّدًا فَإِنْ أَمْكَنَ التَّرْجِيحُ اخْتَصَّ بِهِ الرَّاجِحُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا اسْتَوَيَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّأْيُ فِيهِ إلَى الْقَاضِي وَفِي رَوْضِ الشَّافِعِيَّةِ يُشْتَرَطُ فِي الْمُلْتَقِطِ تَكْلِيفٌ وَحُرِّيَّةٌ وَرُشْدٌ وَإِسْلَامٌ وَعَدَالَةٌ فَلَا يَصِحُّ مِنْ عَبْدٍ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ تَقْرِيرِهِ وَيَكُونُ السَّيِّدُ الْمُلْتَقِطُ وَإِلَّا انْتَزَعَ مِنْ الْعَبْدِ وَلَا مِنْ مُكَاتَبٍ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَيُنْزَعُ مِنْ سَفِيهٍ وَفَاسِقٍ وَكَافِرٍ وَكَذَا مَنْ لَمْ يُخْتَبَرْ وَظَاهِرُهُ الْأَمَانَةُ فَإِنْ تَنَازَعَ فِيهِ مُلْتَقِطَانِ قَبْلَ أَخْذِهِ اخْتَارَ الْحَاكِمُ وَلَوْ غَيْرَهُمَا أَوْ بَعْدَ الْأَخْذِ وَهُمَا أَهْلٌ لِلِالْتِقَاطِ فَالسَّابِقُ بِالْأَخْذِ فَإِنْ اسْتَوَيَا قُدِّمَ الْغَنِيُّ وَظَاهِرُ الْعَدَالَةِ عَلَى فَقِيرٍ وَمَسْتُورٍ ثُمَّ يُقْرَعُ وَلَا يُقَدَّمُ مُسْلِمٌ عَلَى ذِمِّيٍّ فِي كَافِرٍ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ سَوَاءٌ فَيُقْرَعُ اهـ. وَلَمْ أَرَ مِثْلَ هَذَا الْبَيَانِ لِأَصْحَابِنَا.
(قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ وَاحِدٍ) اسْتِحْسَانًا لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُلْتَقِطَ وَغَيْرَهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقْبَلَ دَعْوَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْمُلْتَقِطِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إقْرَارٌ لِلصَّبِيِّ بِمَا يَنْفَعُهُ لِأَنَّهُ يَتَشَرَّفُ بِالنَّسَبِ وَيُعَيَّرُ بِعَدَمِهِ وَلَوْ ادَّعَاهُ الْمُلْتَقِطُ قِيلَ يَصِحُّ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ لَكِنَّ وَجْهَ الْقِيَاسِ هُنَا غَيْرُ وَجْهِ الْقِيَاسِ فِي دَعْوَى غَيْرِ الْمُلْتَقِطِ فَوَجْهُهُ فِي دَعْوَى غَيْرِ الْمُلْتَقِطِ تَضَمُّنُ إبْطَالِ حَقِّ الْمُلْتَقِطِ وَوَجْهُهُ فِي دَعْوَى الْمُلْتَقِطِ تَنَاقُضُ كَلَامِهِ وَتَمَامُهُ فِي النِّهَايَةِ وَأَفَادَ بِثُبُوتِ النَّسَبِ بِدَعْوَى غَيْرِ الْمُلْتَقِطِ أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِحِفْظِهِ مِنْ الْمُلْتَقِطِ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ عَمَّمَهُ فَشَمِلَ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: الْمَذْكُورُ فِي الْمَبْسُوطِ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَنْ نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جِيءَ لَهُ بِلَقِيطٍ فَقَالَ هُوَ حُرٌّ وَلَأَنْ أَكُونَ وَلِيت مِنْ أَمْرِهِ مِثْلَ الَّذِي وَلِيت أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا فَحَرَّضَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَأْخُذْهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُلْتَقِطِ إلَّا بِسَبَبٍ يُوجِبُ ذَلِكَ لِأَنَّ يَدَهُ سَبَقَتْ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَزِعَ مِنْهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَنْزِعَ مِنْهُ لَا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ فِيمَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي عَجْزَهُ عَنْ حِفْظِهِ بِنَفْسِهِ وَأَتَى بِهِ إلَيْهِ فَإِنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ مِثْلَ هَذَا الْبَيَانِ لِأَصْحَابِنَا) قَالَ فِي النَّهْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَوَجَبَ إنْ خَافَ الضَّيَاعَ أَيْ لَزِمَ وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُلْتَقِطِ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا فَلَا يَصِحُّ الْتِقَاطُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا عَدْلًا رَشِيدًا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْتِقَاطَ الْكَافِرِ صَحِيحٌ وَالْفَاسِقُ أَوْلَى وَأَنَّ الْعَبْدَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ يَصِحُّ الْتِقَاطُهُ أَيْضًا فَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ أَوْلَى.