بِالسُّكُوتِ بِأَنْ رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي) يَثْبُتُ الْإِذْنُ لِلْعَبْدِ بِسُكُوتِ الْمَوْلَى عِنْدَمَا يَرَاهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَلَمْ يَتَقَدَّمْ قَرِينَةٌ بِنَفْيِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ عَيْنًا مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى أَوْ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَيْعًا صَحِيحًا وَفَاسِدًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ إنْ رَآهُ يَبِيعُ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ الْمَالِكِ فَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا وَكَذَا الْمُرْتَهِنُ إذَا رَأَى الرَّاهِنَ يَبِيعُ فَسَكَتَ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ رِضًا وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ كَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ فَهِمَ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَقَاضِي خان وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَوْلُ قَاضِي خان لَا يَصِيرُ إذْنًا أَيْ فِي حَقِّ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ الَّذِي صَادَفَهُ السُّكُوتُ وَيَصِيرُ إذْنًا فِيمَا بَعْدَهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْمُرْتَهِنِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَالْإِذْنُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ كَمَا إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ عِنْدَنَا إلَّا فِي الْبَيْعِ الَّذِي صَادَفَهُ السُّكُوتُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ رَأَى الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ يَشْتَرِي الْخَمْرَ أَوْ الْخِنْزِيرَ فَسَكَتَ يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ هَذَا الشِّرَاءُ فَكَذَا هُنَا فَكَيْفَ يَجُوزُ حَمْلُ كَلَامِ قَاضِي خان عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إذَا نَظَرَ الرَّجُلُ إلَى عَبْدِهِ وَهُوَ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ ذَلِكَ يَصِيرُ الْعَبْدُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَإِذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَالَ الْمَوْلَى وَفِي قَاضِي خان إذْنُ الصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ وَأَبُوهُ يَأْبَى صَحَّ إذْنُ الْقَاضِي إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا. اهـ.
فَهِمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ أَنَّ سُكُوتَ الْقَاضِي إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي لَا يَكُونُ إذْنًا بِخِلَافِ سُكُوتِ الْمَوْلَى كَمَا فَهِمَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ لَا يَكُونُ إذْنًا فِي الَّذِي سَكَتَ عِنْدَهُ وَيَكُونُ إذْنًا فِي الَّذِي بَعْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ أَمَرَهُ الْمَوْلَى أَنْ يَبِيعَ مَتَاعَ غَيْرِهِ يَصِيرُ مَأْذُونًا.
[رَأَى عَبْدَهُ يَشْتَرِي شَيْئًا وَيَبِيعُ فِي حَانُوتِهِ فَسَكَتَ]
وَلَوْ رَأَى عَبْدَهُ يَشْتَرِي شَيْئًا وَيَبِيعُ فِي حَانُوتِهِ فَسَكَتَ حَتَّى بَاعَ مَتَاعًا كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ كَانَ إذْنًا وَلَا يَنْفُذُ عَلَى الْمَوْلَى بَيْعُ الْعَبْدِ ذَلِكَ الْمَتَاعَ وَلَوْ رَأَى الْمَوْلَى عَبْدَهُ يَشْتَرِي شَيْئًا بِدَرَاهِمِ الْمَوْلَى أَوْ دَنَانِيرِهِ فَلَمْ يَنْهَهُ يَصِيرُ إذْنًا، فَإِنْ كَانَ هَذَا لِثَمَنٍ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَرُدَّهُ وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِالِاسْتِرْدَادِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا دَفَعَ إلَى عَبْدِهِ مَالًا لِيَبِيعَهُ فَبَاعَهُ، وَالْمَوْلَى يَرَاهُ وَلَمْ يَنْهَهُ كَانَ إذْنًا وَيَجُوزُ ذَلِكَ الْبَيْعُ عَلَى صَاحِبِ الْمَتَاعِ وَاخْتَلَفُوا فِي عُهْدَةِ الْبَيْعِ قِيلَ يَرْجِعُ إلَى الْآمِرِ وَقِيلَ إلَى الْعَبْدِ وَفِي الْمُحِيطِ، وَإِنْ لَمْ يَرَهُ الْمَوْلَى جَازَ الْبَيْعُ، وَالْعُهْدَةُ عَلَى صَاحِبِ الْمَتَاعِ؛ لِأَنَّ عُهْدَةَ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ مَتَى تَوَكَّلَ عَنْ غَيْرِهِ يَكُونُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَرَآهُ يَتَصَرَّفُ فَلَمْ يَنْهَهُ، فَإِنْ لَحِقَهُ دَيْنٌ فَهُوَ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِذْنَ لَا يُنَافِي خِيَارَ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مَعَ خِيَارِ الْبَائِعِ يَجْتَمِعَانِ وَيَفْتَرِقَانِ فَمَنْ بَاعَ عَبْدًا مَأْذُونًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَقِيَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَلَمْ يَكُنْ إذْنُ الْبَائِعِ مُنَافِيًا خِيَارَهُ فَبَقِيَ خِيَارُهُ وَأَمَّا الْإِذْنُ مَعَ خِيَارِ الْمُشْتَرِي لَا يَجْتَمِعَانِ، فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى مَأْذُونًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَطَلَ الْإِذْنُ، وَإِنْ أَذِنَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ سَقَطَ خِيَارُهُ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ اكْتَسَبَ شَيْئًا فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ اكْتَسَبَ بَعْدَ الْقَبْضِ طَابَ وَقَبْلَ الْقَبْضِ يَتَصَدَّقُ بِهِ قِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ الْإِمَامِ الْكَسْبُ لِلْبَائِعِ اهـ.
وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ لَا يَثْبُتُ الْإِذْنُ بِسُكُوتِ الْمَوْلَى فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ يَحْتَمِلُ الرِّضَا، وَالرَّدَّ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ كَمَا لَوْ رَأَى أَجْنَبِيًّا يَبِيعُ مَالَهُ فَسَكَتَ وَلَمْ يَنْهَهُ أَوْ رَأَى الْقَاضِي الصَّبِيَّ، وَالْمَعْتُوهَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلِيٌّ أَوْ عَبْدَهُمَا وَكَذَا إذَا رَأَى الْعَبْدَ يَتَزَوَّجُ أَوْ الْأَمَةَ تَتَزَوَّجُ وَكَذَا لَوْ تَلِفَ مَالُ غَيْرِهِ وَهُوَ يَنْظُرُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إذْنًا قُلْنَا هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى عَادَاتِ النَّاسِ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ مَنْ لَا يَرْضَى بِتَصَرُّفِ عَبْدِهِ يَنْهَاهُ وَيُؤَيِّدُهُ، فَإِذَا سَكَتَ دَلَّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ وَصَارَ إذْنًا لَهُ لِأَجْلِ دَفْعِ الضَّرَرِ فَصَارَ كَسُكُوتِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عِنْدَ أَمْرٍ يُعَايِنُهُ وَكَسُكُوتِ الْبِكْرِ، وَالشَّفِيعِ، وَالْمَوْلَى الْعَدِيمِ عِنْدَمَا يَرَى مَالَهُ يُقْسَمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ إجَازَةً حَصَلَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ وَبِخِلَافِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي مَالِهِمَا فَلَا يَكُونُ سُكُوتُهُ إذْنًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ، فَإِنْ قِيلَ عَيْنُ هَذَا التَّصَرُّفِ الَّذِي يَرَاهُ يَبِيعُ فِيهِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ غَيْرُهُ أُجِيبَ بِأَنَّ الضَّرَرَ فِي التَّصَرُّفِ الَّذِي يَرَاهُ يَبِيعُهُ مُحَقَّقٌ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ بَائِعِهِ فِي الْحَالِ فَلَا يَثْبُتُ وَفِي غَيْرِهِ لَيْسَ مُحَقَّقًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ قَدْ يَلْحَقُهُ وَقَدْ لَا يَلْحَقُهُ فَصَحَّ فِيهِ النَّهْيُ قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ قَرِينَةٌ تَنْفِيهِ.
قَالَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute