للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي هَذَا الْمَعْنَى فَالتَّخْصِيصُ بِالصَّغِيرَةِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي وَلَيْسَ لِلتَّزْوِيجِ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ حِيلَةٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَيَّدَ بِتَزْوِيجِ الْأَبِ أَيْ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَكِيلِ الْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ الْقَلِيلِ الَّذِي يَتَسَاهَلُ فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَيَّدْنَا الْأَبَ بِكَوْنِهِ صَاحِيًا؛ لِأَنَّ السَّكْرَانَ إذَا قَصَّرَ فِي مَهْرِ ابْنَتِهِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا وَالصَّاحِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ السَّكْرَانِ أَنَّهُ لَا يَتَأَمَّلُ إذْ لَيْسَ لَهُ رَأْيٌ كَامِلٌ فَيَبْقَى النُّقْصَانُ ضَرَرًا مَحْضًا وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الصَّاحِي أَنَّهُ يَتَأَمَّلُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَكَذَا السَّكْرَانُ إذَا زَوَّجَ مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَبِ مَنْ لَيْسَ بِسَكْرَانَ وَلَا عُرِفَ بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ وَأَطْلَقَ فِي غَيْرِ الْكُفْءِ فَشَمِلَ مَا إذَا زَوَّجَهَا مِنْ مَمْلُوكٍ نَفْسَهُ فَعِنْدَهُمَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقَيَّدَ بِالطِّفْلِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ زَوَّجَ الْكَبِيرَةَ مِنْ مَمْلُوكِهِ بِرِضَاهَا فَهُوَ جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْأَبِ بَلْ كُلُّ وَلِيٍّ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا غَيْرُهُ أَقْرَبَ مِنْهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَالطِّفْلُ الصَّبِيُّ وَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْجَمَاعَةُ يُقَالُ طِفْلَةٌ وَأَطْفَالٌ اهـ.

(فَصْلٌ) حَاصِلُهُ بَعْضُ مَسَائِلِ الْوَكِيلِ وَالْفُضُولِيِّ وَتَأْخِيرُهُمَا عَنْ الْوَلِيِّ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ أَصْلِيَّةٌ.

(قَوْلُهُ لِابْنِ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ نَفْسِهِ وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَ مُوَكِّلَتَهُ مِنْ نَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ مُعَبِّرٌ وَسَفِيرٌ وَالتَّمَانُعُ فِي الْحُقُوقِ دُونَ التَّعْبِيرِ وَلَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ حَتَّى رَجَعَتْ الْحُقُوقُ إلَيْهِ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَالَ لِأُمِّ حَكِيمِ ابْنَةِ فَارِضٍ أَتَجْعَلِينَ أَمْرَك إلَيَّ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ تَزَوَّجْتُك فَعَقَدَهُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ. .

وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَالَ لِرَجُلٍ أَتَرْضَى أَنْ أُزَوِّجَك فُلَانَةَ قَالَ نَعَمْ وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ أَتَرْضَيْنَ أَنْ أُزَوِّجَك فُلَانًا قَالَتْ نَعَمْ فَزَوَّجَ أَحَدَهُمَا صَاحِبَهُ» وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَمَا فِي الْغَايَةِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُمْ أَنَّهُ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ النَّقْضِ فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَوْ زَوَّجَ مُوَكِّلَتَهُ عَلَى عَبْدِ نَفْسِهِ يُطَالَبُ بِتَسْلِيمِهِ سَهْوٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ بِالْتِزَامِهِ حَيْثُ جَعَلَهُ مَهْرًا وَأَضَافَ الْعَقْدَ إلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِبِنْتِ الْعَمِّ الصَّغِيرَةَ فَيَكُونُ ابْنُ الْعَمِّ أَصِيلًا مِنْ جَانِبٍ وَوَلِيًّا مِنْ جَانِبٍ وَلَا يُرَادُ بِهَا الْكَبِيرَةُ هُنَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَكَّلَتْهُ فَهُوَ وَكِيلٌ دَاخِلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَإِلَّا فَهُوَ فُضُولِيٌّ سَيَأْتِي بُطْلَانُهُ إنْ لَمْ يَقْبَلْ عَنْهَا أَحَدٌ وَلَوْ أَجَازَتْهُ بَعْدَهُ وَالْمُرَادُ بِالْوَكِيلِ الْوَكِيلُ فِي أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ وَكَّلَتْهُ بِتَزْوِيجِهَا مِنْ رَجُلٍ فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا أَمَرَتْهُ بِالتَّزْوِيجِ مِنْ رَجُلٍ نَكِرَةٍ وَهُوَ مَعْرِفَةٌ بِالْخِطَابِ وَالْمَعْرِفَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ زَوِّجْ نَفْسِي مِمَّنْ شِئْت لَا يَمْلِكُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ، فَقَالَ لِلْمُوصَى لَهُ ضَعْ ثُلُثَ مَالِي حَيْثُ شِئْت كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَضَعَ عِنْدَ نَفْسِهِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّوْجَ مَجْهُولٌ وَجَهَالَةُ الزَّوْجِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الشَّرْطِ وَصَارَ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ فَيُعْتَبَرُ التَّفْوِيضُ مُطْلَقًا اهـ.

فَلَوْ وَكَّلَتْهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي أُمُورِهَا لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهَا مِنْ نَفْسِهِ بِالْأَوْلَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْوَكَالَةُ كَمَا تَثْبُتُ بِالصَّرِيحِ تَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ، وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ ابْنُ الْعَمِّ الْكَبِيرُ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَك مِنْ نَفْسِي فَسَكَتَتْ فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ جَازَ اهـ.

وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالْبِكْرِ وَقَيَّدَهَا بِالْبِكْرِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْوَلِيِّ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَأُطْلِقَ فِي الْوَكَالَةِ بِهِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عِنْدَهَا لِلصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا لِخَوْفِ الْإِنْكَارِ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفَ يُزَوِّجُهَا الْوَكِيلُ مِنْ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَكِيلِ الْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَه إلَخْ) قَالَ فِي الرَّمْزِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْأَبُ بِالزَّوْجِ كَأَنْ يُوَكِّلَهُ فِي تَحْصِيلِ زَوْجٍ لِبِنْتِهِ الصَّغِيرَةِ أَمَّا لَوْ كَانَ يَعْرِفُهُ خُصُوصًا بَعْدَ خُطْبَتِهِ، وَإِنَّمَا وَكَّلَ فِي مُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ إذَا زَوَّجَ الْوَكِيلُ لِغَيْرِ كُفْءٍ لَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَفِي هَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَا لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ طِفْلَهُ أَمَّا لَوْ عَيَّنَ لَهُ الْمِقْدَارَ الَّذِي هُوَ غَبْنٌ فَاحِشٌ فَيَصِحُّ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ الْقَلِيلِ إلَخْ) قَالَ فِي الرَّمْزِ يُفِيدُ ذَلِكَ تَقْيِيدَهُمْ بِالْفَاحِشِ فَفِيهِ اسْتِغْنَاءٌ عَنْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ.

[فَصْلٌ بَعْضُ مَسَائِلِ الْوَكِيلِ وَالْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاح]

(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ وَجَهَالَةُ الزَّوْجِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الشَّرْطِ إلَخْ) قَالَ فِي الرَّمْزِ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ مِنْ غَيْرِهِ أَيْضًا. اهـ.

قُلْتُ: لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوَلِيِّ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا الْوَلِيُّ إلَخْ، أَمَّا إذَا قَالَتْ وَأَنَا رَاضِيَةٌ بِمَا تَفْعَلُهُ أَنْتَ بَعْدَ قَوْلِهِ إنَّ أَقْوَامًا يَخْطُبُونَك أَوْ زَوِّجْنِي مِمَّنْ تَخْتَارُهُ وَنَحْوَهُ فَهُوَ اسْتِئْذَانٌ صَحِيحٌ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>