للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ نَظَرًا إلَى شَفَقَةِ الْأُبُوَّةِ اهـ.

فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ لَمْ يَصِحَّ عَقْدُهُ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا بِأَكْثَرَ فِي الصَّغِيرِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلَا مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ فِيهِمَا سَوَاءٌ كَانَ عَدَمُ الْكَفَاءَةِ بِسَبَبِ الْفِسْقِ أَوْ لَا حَتَّى لَوْ زَوَّجَ بِنْتَه مِنْ فَقِيرٍ أَوْ مُحْتَرِفٍ حِرْفَةً دَنِيئَةً وَلَمْ يَكُنْ كُفُؤًا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ فَقَصَرَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ كَلَامَهُمْ عَلَى الْفَاسِدِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي، وَذَكَرَ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى أَنَّ الْأَبَ إذَا زَوَّجَ بِنْتَهُ الصَّغِيرَةَ مِمَّنْ يُنْكِرُ أَنَّهُ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ فَإِذَا هُوَ مُدْمِنٌ لَهُ وَقَالَتْ بَعْدَمَا كَبُرَتْ لَا أَرْضَى بِالنِّكَاحِ إنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ الْأَبُ بِشُرْبِهِ وَكَانَ غَلَبَةُ أَهْلِ بَيْتِهِ صَالِحِينَ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا زَوَّجَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ كُفْءٌ اهـ.

وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْأَبَ لَوْ عَرَفَهُ بِشُرْبِهِ فَالنِّكَاحُ نَافِذٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مِنْهُ سُوءُ اخْتِيَارٍ بِيَقِينٍ لَكِنْ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَحَقُّقِهِ كَوْنُ الْأَبِ مَعْرُوفًا لِلنَّاسِ بِهِ فَقَدْ يَتَّصِفُ بِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا يَشْتَهِرُ بِهِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا ذَكَرُوهُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفَرَّقَ بَيْنَ عِلْمِهِ وَعَدَمِهِ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ عُلِمَ أَنَّهُ تَأَمَّلَ غَايَةَ التَّأَمُّلِ وَعَرَفَ هَذَا الْعَقْدَ مَصْلَحَةً فِي حَقِّهَا أَمَّا هَاهُنَا ظَنَّهُ كُفُؤًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَأَمَّلُ. اهـ.

وَقَدْ وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْفَتَاوَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ بَاطِلٌ وَهُوَ الْحَقُّ وَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي قَوْلِهِمْ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ أَيْ يَبْطُلُ. ثَمَّ اعْلَمْ، أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِمَا إذَا عَلِمَهُ فَاسِقًا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا زَوَّجَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كُفْءٌ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ بِكُفْءٍ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ زَوَّجَ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ مِنْ رَجُلٍ ظَنَّهُ حُرَّ الْأَصْلِ وَكَانَ مُعْتَقًا فَهُوَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ وَقَيَّدَ بِتَزْوِيجِهِ طِفْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَوَّجَ أَمَةً طِفْلَهُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ مِلْكُهُمَا وَلَا مَقْصُودَ آخَرَ بَاطِنٌ يُصْرَفُ النَّظَرُ إلَيْهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي قَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمَا عَدَمُ الصِّحَّةِ وَعَلَيْهِ اُبْتُنِيَ الْفَرْعُ الْمَعْرُوفُ، وَلَوْ زَوَّجَ الْعَمُّ الصَّغِيرَةَ حُرَّةَ الْجَدِّ مِنْ مُعْتَقِ الْجَدِّ فَكَبُرَتْ وَأَجَازَتْ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ مَوْقُوفًا إذْ لَا مُجِيزَ لَهُ فَإِنَّ الْعَمَّ وَنَحْوَهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ التَّزْوِيجُ لِغَيْرِ الْكُفْءِ وَلِذَا ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِمَهْرٍ مُسَمًّى وَمَرَّةً بِغَيْرِ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي التَّسْمِيَةِ نُقْصَانٌ فَاحِشٌ وَلَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ الْأَوَّلُ يَصِحُّ الثَّانِي اهـ.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ

ــ

[منحة الخالق]

لَا يَجُوزُ عَقْدُهُ اتِّفَاقًا.

(قَوْلُهُ فَقَصَرَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ إلَخْ) أَقَرَّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُحَقِّقِ مِنْ أَنَّهُ يَظْهَرُ سُوءُ اخْتِيَارِهِ بِمُجَرَّدِ تَزْوِيجِهِ ابْنَتَهُ لِلْفَاسِقِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِمْ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْرُوفًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ظُهُورِ سُوءِ اخْتِيَارِهِ بِذَلِكَ كَوْنُهُ مَشْهُورًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ قَرِيبًا فِي دَفْعِ الْمُنَافَاةِ وَلَعَلَّهُ قَصَدَ بِمَا سَيَأْتِي التَّعْرِيضُ لِمَا فِي الْفَتْحِ أَيْضًا وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ التَّحْقِيقُ أَنَّ الْأَبَ تَارَةً يُعْرَفُ بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهُ مُطْلَقًا أَوْ لَا فَيَصِحُّ مُطْلَقًا وَلَوْ مِنْ فَاسِقٍ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ صَاحِيًا إذْ لَوْ كَانَ فِعْلُهُ ذَلِكَ آيَةَ سُوءِ اخْتِيَارِهِ لَزِمَ إحَالَةُ الْمَسْأَلَةِ فَتَدَبَّرْهُ اهـ.

فَقَوْلُهُ " إذْ لَوْ كَانَ " رَدٌّ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُحَقِّقِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ عَدَمُ تَصَوُّرِ صِحَّةِ تَزْوِيجِ الْأَبِ وَالْجَدِّ بِغَيْرِ الْكُفْءِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْفَتَاوَى مِمَّا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ قَرِيبًا.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْفَتَاوَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ الَّتِي ذَكَرَهَا أَصْحَابُ الْفَتَاوَى. (قَوْلُهُ إنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ) لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُمْ النِّكَاحُ بَاطِلٌ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ رَدِّهَا وَذَلِكَ لَا يُفِيدُ بُطْلَانَهُ مِنْ أَصْلِهِ، نَعَمْ يَرُدُّ مَا قَالَهُ عَلَى عِبَارَةِ الْقُنْيَةِ الْآتِيَةِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا رَدَّ الْبِنْتِ أَمَّا عَلَى مَا مَرَّ فَلَا، وَقَدْ رَأَيْته كَذَلِكَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ والولوالجية وَالتَّجْنِيسِ وَالْبَزَّازِيَّةِ فَكُلُّهُمْ ذَكَرُوا الْبُطْلَانَ بَعْدَ الرَّدِّ وَهَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ؟ لَمْ أَرَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِمَا إذَا عَلِمَهُ فَاسِقًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ.

وَالْحَاصِلُ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعَدَمِ كَفَاءَتِهِ ثُمَّ عَلِمَ فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْ سَيَبْطُلُ وَإِنْ عَلِمَ بِهَا يَنْظُرُ، إنْ عَلِمَ سُوءَ تَدْبِيرِهِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَهُوَ صَحِيحٌ نَافِذٌ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْمُتُونِ هَذَا، وَقَدْ قَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ امْرَأَةٌ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلٍ وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ حُرٌّ إلَخْ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْحُكْمَ مُخْتَلِفٌ بَيْنَ مَا إذَا زَوَّجَ الْكَبِيرَةَ بِرِضَاهَا عَلَى ظَنِّ الْكَفَاءَةِ فَلَا خِيَارَ عِنْدَ ظُهُورِ عَدَمِهَا وَفِيمَا إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ عَلَى ذَلِكَ الظَّنِّ فَظَهَرَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ أَيْ سَيَبْطُلُ، وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضٌ خِلَافَ ذَلِكَ. اهـ.

وَكَانَ مُرَادُهُ بِالْبَعْضِ الْعَلَّامَةَ الْمَقْدِسِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الرَّمْزِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْمَنْقُولَةَ عَنْ الْفَتَاوَى قُلْتُ: وَهُوَ يُخَالِفُ مَا نَقَلْنَا آنِفًا أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَتْ مِنْ غَيْرِ شَرْطِهِمْ الْكَفَاءَةَ فَظَهَرَ غَيْرَ كُفْءٍ لَا اعْتِرَاضَ لَهُمْ، فَأَمَّا أَنْ يَخُصَّ هَذَا مِنْهُ أَوْ يَدْخُلَ هَذَا فِيهِ. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ إلَخْ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَإِنْ فَعَلَ غَيْرَهُمَا فَلَهُمَا أَنْ يَفْسَخَا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ وَهُوَ وَهْمٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الْكَمَالِ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا رَدَّهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي التَّلْوِيحِ فِي بَحْثِ الْعَوَارِضِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ لَهُ رِوَايَةٌ أَصْلًا

<<  <  ج: ص:  >  >>