للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَمْتَنِعُ مَخَافَةَ الضَّمَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ نَفْسِهِ أَمَّا الْجِهَادُ بُنِيَ عَلَى إتْلَافِ النَّفْسِ فَيَمْتَنِعُ حَذَارِ الضَّمَانِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ دَمٌ مُفْرَجٌ» أَيْ مُهْدَرٌ فَمَعْنَاهُ لَيْسَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَكَلَا مِنَّا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ قَيَّدَ بِالتَّتَرُّسِ عِنْدَ الْمُحَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا فَتَحَ بَلْدَةً وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِيهَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا لَا يَحِلُّ قَتْلُ أَحَدٍ مِنْهُمْ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ ذَلِكَ الْمُسْلِمَ أَوْ الذِّمِّيَّ وَلَوْ أَخْرَجَ وَاحِدًا مِنْ عَرْضِ النَّاسِ حَلَّ إذَا قَتَلَ الْبَاقِيَ لِجَوَازِ كَوْنِ الْمُخْرَجِ هُوَ ذَلِكَ فَصَارَ فِي كَوْنِ الْمُسْلِمِ فِي الْبَاقِينَ شَكٌّ بِخِلَافِ الْحَالَةِ الْأُولَى، فَإِنَّ كَوْنَ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ فِيهِمْ مَعْلُومٌ بِالْفَرْضِ فَوَقَعَ الْفَرْقُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي سَفِينَةٍ فَاحْتَرَقَتْ السَّفِينَةُ، فَإِنْ كَانَ غَلَبَةُ ظَنِّهِمْ أَنَّهُمْ لَوْ أَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْبَحْرِ تَخَلَّصُوا بِالسِّبَاحَةِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَطْرَحُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الْبَحْرِ لِيَتَخَلَّصُوا مِنْ الْهَلَاكِ الْقَطْعِيِّ، وَإِنْ اسْتَوَى الْجَانِبَانِ إنْ أَقَامُوا احْتَرَقُوا، وَإِنْ أَوْقَعُوا أَنْفُسَهُمْ غَرِقُوا فَهُمْ بِالْخِيَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِاسْتِوَاءِ الْجَانِبَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُلْقُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ إهْلَاكًا بِفِعْلِهِمْ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَنُهِينَا عَنْ إخْرَاجِ مُصْحَفٍ وَامْرَأَةٍ فِي سَرِيَّةٍ يُخَافُ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَهُنَّ عَلَى الضَّيَاعِ، وَالْفَضِيحَةِ وَتَعْرِيضَ الْمَصَاحِفِ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ، فَإِنَّهُمْ يَسْتَخِفُّونَ بِهَا مُغَايَظَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ» وَمَا فِي الْكِتَابِ هُوَ الْأَصَحُّ، وَالْأَحْوَطُ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي إخْرَاجِ الْمُصْحَفِ مُطْلَقًا أَطْلَقَ الْمَرْأَةَ فَشَمِلَ الشَّابَّةَ، وَالْعَجُوزَ لِلْمُدَاوَاةِ أَوْ غَيْرِهَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقَيَّدَ بِالسَّرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي الْإِخْرَاجِ إذَا كَانَ جَيْشًا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ السَّلَامَةُ، وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ وَفِي الْمُغْرِبِ وَلَمْ يَرِدْ فِي تَحْدِيدِ السَّرِيَّةِ نَصٌّ وَمَحْصُولُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ أَنَّ التِّسْعَةَ وَمَا فَوْقَهَا سَرِيَّةٌ، وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ، وَالثَّلَاثَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ طَلِيعَةٌ لَا سَرِيَّةٌ. اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَقَلُّ السَّرِيَّةِ مِائَتَانِ وَأَقَلُّ الْجَيْشِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَقَلُّ السَّرِيَّةِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَأَقَلُّ الْجَيْشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَفِي الْمَبْسُوطِ السَّرِيَّةُ عَدَدٌ قَلِيلٌ يَسِيرُونَ بِاللَّيْلِ وَيَكْمُنُونَ بِالنَّهَارِ. اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي كَوْنُ الْعَسْكَرِ الْعَظِيمِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «لَنْ تُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ» وَهُوَ أَكْثَرُ مَا رُوِيَ فِيهِ اهـ.

وَظَاهِرُ مَفْهُومِ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ فِي الْجَيْشِ لَا يُكْرَهُ إخْرَاجُ الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا وَخَصُّوهُ بِالْعَجَائِزِ لِلطِّبِّ، وَالْمُدَاوَاةِ، وَالسَّقْيِ وَيُكْرَهُ إخْرَاجُ الشَّوَابِّ لَوْ اُحْتِيجَ إلَى الْمُبَاضَعَةِ فَالْأَوْلَى إخْرَاجُ الْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ، وَالْأَوْلَى عَدَمُ إخْرَاجِهِنَّ أَصْلًا خَوْفًا مِنْ الْفِتَنِ وَلَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْقِتَالَ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ضَعْفِهِمْ وَأَرَادَ بِالْمُصْحَفِ مَا يَجِبُ تَعْظِيمُهُ وَيَحْرُمُ الِاسْتِخْفَافُ بِهِ فَيُكْرَهُ إخْرَاجُ كُتُبِ الْفِقْهِ، وَالْحَدِيثِ فِي سِرِّيَّةٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَ بِالْإِخْرَاجِ فِي السَّرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا دَخَلَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ الْمُصْحَفَ إذَا كَانُوا قَوْمًا يُوفُونَ بِالْعَهْدِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّعَرُّضِ وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي أَهْلِ الثُّغُورِ الَّتِي تَلِي أَرْضَ الْعَدُوِّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَّخِذُوا فِيهَا النِّسَاءَ وَأَنْ يَكُونَ فِيهَا الذَّرَارِيُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ تِلْكَ الثُّغُورِ وَبَيْنَ أَرْضِ الْعَدُوِّ أَرْضُ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانَ الرِّجَالُ يَقْدِرُونَ عَلَى الدَّفْعِ عَنْهُمْ وَإِلَّا فَلَا يَنْبَغِي.

(قَوْلُهُ: وَغَدْرٍ وَغُلُولٍ وَمُثْلَةٍ) أَيْ نُهِينَا عَنْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا» وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مُحَرَّمَةٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْغَدْرُ، وَالْخِيَانَةُ وَنَقْضُ الْعَهْدِ، وَالْغُلُولُ السَّرِقَةُ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَالْمُثْلَةُ الْمَرْوِيَّةُ فِي قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ مَنْسُوخَةٌ بِالنَّهْيِ الْمُتَأَخِّرِ هُوَ الْمَنْقُولُ يُقَالُ: مَثَلْت بِالرَّجُلِ بِوَزْنِ ضَرَبْت أَمْثُلُ بِهِ بِوَزْنِ أَنْصُرُ مَثَلًا إذَا سَوَّدْتُ وَجْهَهُ وَقَطَعْتُ أَنْفَهُ وَنَحْوَهُ ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا مَنْ جَنَى عَلَى جَمَاعَةٍ جِنَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةً لَيْسَ فِيهَا قَتْلٌ بِأَنْ قَطَعَ أَنْفَ رَجُلٍ وَأُذُنَيْ رَجُلٍ وَفَقَأَ عَيْنَيْ آخَرَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُلْقُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَاءِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة هَذَا إذَا لَمْ تُصِبْ النَّارُ بَدَنَهُمْ أَمَّا إذَا أَصَابَتْ، فَإِنَّهُمْ يُلْقُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَاءِ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَدْنَى رَاحَةً.

[إخْرَاجِ مُصْحَفٍ وَامْرَأَةٍ فِي سَرِيَّةٍ يُخَافُ عَلَيْهَا]

(قَوْلُهُ: وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ نُسْخَةَ الْخَانِيَّةِ الَّتِي وَقَعَتْ لِصَاحِبِ الْفَتْحِ فِيهَا سَقَطَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَقَلُّ السَّرِيَّةِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَأَقَلُّ الْعَسْكَرِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ مَعَ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَلِذَا قَالَ فِي الشرنبلالية الَّذِي رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ نَصُّهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَقَلُّ السَّرِيَّةِ مِائَةٌ وَأَقَلُّ الْجَيْشِ أَرْبَعُمِائَةٍ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَقَلُّ السَّرِيَّةِ مِائَةٌ وَأَقَلُّ الْجَيْشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ. اهـ.

وَقَوْلُ ابْنِ زِيَادٍ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ نَصَّ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ بَعْدَمَا قَالَ وَعَنْ أَبُو حَنِيفَةَ أَقَلُّ السَّرِيَّةِ مِائَةٌ. اهـ.

قُلْت وَمَا نَقَلَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>