ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَفِي الْمُبْتَغَى وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي التَّكْبِيرَاتِ إنْ شَاءَ ذَكَرَهُ بِالرَّفْعِ وَإِنْ شَاءَ ذَكَرَهُ بِالْجَزْمِ وَإِنْ كَرَّرَ التَّكْبِيرَ مِرَارًا فَالِاسْمُ الْكَرِيمُ مَرْفُوعٌ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَذِكْرُ أَكْبَرَ فِيمَا عَدَا الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ بِالرَّفْعِ وَفِي الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ذَكَرَهُ بِالرَّفْعِ وَإِنْ شَاءَ ذَكَرَهُ بِالْجَزْمِ.
(قَوْلُهُ: وَيَسْتَقْبِلُ بِهِمَا الْقِبْلَةَ) أَيْ بِالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِفِعْلِ الْمَلَكِ النَّازِلِ مِنْ السَّمَاءِ وَلِلتَّوَارُثِ عَنْ بِلَالٍ وَلَوْ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَيُكْرَهُ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَإِذَا انْتَهَى إلَى الصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ حَوَّلَ وَجْهَهُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً وَلَا يُحَوِّلُ قَدَمَيْهِ لِأَنَّهُ فِي حَالَةِ الذِّكْرِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّهَادَةِ لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِنَبِيِّهِ بِالرِّسَالَةِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبِلًا، فَأَمَّا الصَّلَاةُ وَالْفَلَاحُ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ وَأَحْسَنُ أَحْوَالِ الدَّاعِي أَنْ يَكُونَ مُقْبِلًا عَلَى الْمَدْعُوِّينَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ سُنِّيَّةِ الِاسْتِقْبَالِ مَا إذَا أَذَّنَ رَاكِبًا فَإِنَّهُ لَا يُسَنُّ الِاسْتِقْبَالُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَاشِيًا ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَكَلَّمُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْمُوَالَاةِ وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ مُعَظَّمٌ كَالْخُطْبَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ كُلَّ كَلَامٍ فَلَا يَحْمَدُ لَوْ عَطَسَ هُوَ وَلَا يُشَمِّتُ عَاطِسًا وَلَا يُسَلِّمُ وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ وَفِيهِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ لَا بَعْدَهُ وَلَا قَبْلَهُ فِي نَفْسِهِ وَكَذَا لَوْ سَلَّمَ عَلَى الْمُصَلِّي أَوْ الْقَارِئِ أَوْ الْخَطِيبِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمُتَغَوِّطَ لَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ عَلَيْهِ حَرَامٌ بِخِلَافِ مَنْ فِي الْحَمَّامِ إذَا كَانَ بِمِئْزَرٍ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان إذَا سَلَّمَ عَلَى الْقَاضِي وَالْمُدَرِّسِ قَالُوا: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ. اهـ.
وَمِثْلُهُ ذُكِرَ فِي سَلَامِ الْمُكَدِّي وَلَوْ تَكَلَّمَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِهِ اسْتَأْنَفَهُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ يَسِيرٍ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالتَّنَحْنُحُ فِي الْأَذَانِ مَكْرُوهٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لِتَحْصِيلِ الصَّوْتِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَكَذَا فِي الْإِقَامَةِ وَإِنْ قَدَّمَ فِي أَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ شَيْئًا بِأَنْ قَالَ أَوَّلًا أَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْأَوَّلَ. (قَوْلُهُ: وَيَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا بِالصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِفِعْلِ بِلَالٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، ثُمَّ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ وَحْدَهُ عَلَى الصَّحِيحِ لِكَوْنِهِ سُنَّةَ الْأَذَانِ فَلَا يَتْرُكُهُ خِلَافًا لِلْحَلْوَانِيِّ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الْأَذَانِ فَلَا يُخِلُّ الْمُنْفَرِدُ بِشَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى قَالُوا فِي الَّذِي يُؤَذِّنُ لِلْمَوْلُودِ يَنْبَغِي أَنْ يُحَوِّلَ. اهـ.
وَقَيَّدَ بِالْيَمِينِ وَالشِّمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحَوِّلُ وَرَاءَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ وَلَا أَمَامَهُ لِحُصُولِ الْإِعْلَامِ فِي الْجُمْلَةِ بِغَيْرِهَا مِنْ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ وَقَوْلُهُ بِالصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ يَعْنِي أَنَّهُ يَلْتَفِتُ يَمِينًا بِالصَّلَاةِ وَشِمَالًا بِالْفَلَاحِ وَهُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ بِالْيَمِينِ وَالشِّمَالِ وَالْفَلَاحَ كَذَلِكَ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ وَقَيَّدَ بِالِالْتِفَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحَوِّلُ قَدَمَيْهِ لِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ بِلَالٍ قَالَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَذَّنَّا أَوْ أَقَمْنَا أَنْ لَا نُزِيلَ أَقْدَامَنَا عَنْ مَوَاضِعِهَا» وَأَطْلَقَ فِي الِالْتِفَاتِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْأَذَانِ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْغُنْيَةِ أَنَّهُ يُحَوِّلُ فِي الْإِقَامَةِ أَيْضًا وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَا يُحَوِّلُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لِإِعْلَامِ الْحَاضِرِينَ بِخِلَافِ الْأَذَانِ فَإِنَّهُ إعْلَامٌ لِلْغَائِبِينَ، وَقِيلَ يُحَوِّلُ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ مُتَّسِعًا. (قَوْلُهُ: وَيَسْتَدِيرُ فِي صَوْمَعَتِهِ) يَعْنِي إنْ لَمْ يَتِمَّ الْإِعْلَامُ بِتَحْوِيلِ وَجْهِهِ مَعَ ثَبَاتِ قَدَمَيْهِ فَإِنَّهُ يَسْتَدِيرُ فِي الْمِئْذَنَةِ لِيَحْصُلَ التَّمَامُ وَالصَّوْمَعَةُ الْمَنَارَةُ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مُتَعَبَّدُ الرَّاهِبِ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِئْذَنَةٌ، لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَالَتْ كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ بِحَوْلِ الْمَسْجِدِ فَكَانَ بِلَالٌ يَأْتِي بِسَحَرٍ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ يَنْظُرُ إلَى الْفَجْرِ فَإِذَا رَآهُ أَذَّنَ وَفِي الْقُنْيَةِ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ فَتَعْوِي الْكِلَابُ فَلَهُ ضَرْبُهَا إنْ ظَنَّ أَنَّهَا تَمْتَنِعُ بِضَرْبِهِ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْخُلَاصَةِ.
وَمِنْ سَمِعَ الْأَذَانَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا؛ لِأَنَّ
ــ
[منحة الخالق]
[اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَة بِالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ]
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ كَوْنَهُ خَطَا بِالْقَوْمِ فَيُوَاجِهُهُمْ بِهِ لَا يَخُصُّ أَهْلَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ بَلْ يَعُمُّ الْجَمِيعَ وَحِينَئِذٍ فَاخْتِصَاصُ الْيَمِينِ بِالصَّلَاةِ وَالشِّمَالِ بِالْفَلَاحِ تَحَكُّمٌ، قَالَ الرَّمْلِيُّ لَكِنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ، كَذَا فِي الْغَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَا يُحَوِّلُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الثَّانِي أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِئْذَنَةٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَفِي أَوَائِلِ السُّيُوطِيّ: إنَّ أَوَّلَ مَنْ رَقِيَ مَنَارَةَ مِصْرَ لِلْأَذَانِ شُرَحْبِيلُ بْنُ عَامِرٍ الْمُرَادِيُّ وَفِي عِرَافَتِهِ بَنِي سَلِمَةَ الْمَنَائِرَ لِلْأَذَانِ بِأَمْرِ مُعَاوِيَةَ وَلَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ بِالسَّنَدِ إلَى أُمِّ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ كَانَ بَيْتِي أَطْوَلَ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ فَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ فَوْقَهُ مِنْ أَوَّلِ مَا أَذَّنَ إلَى أَنْ بَنَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يُؤَذِّنُ بَعْدُ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ، وَقَدْ رُفِعَ لَهُ شَيْءٌ فَوْقَ ظَهْرِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute