للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمَا تَحْتَهُ؛ وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ مَسْحٌ فَلَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْ مَسْحٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بَدَلٌ عَنْ غَسْلٍ وَالرَّأْسُ مَمْسُوحٌ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ التَّيَمُّمُ فِي الرَّأْسِ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِهَذَا زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْقُنْيَةِ مُسَافِرَانِ انْتَهَيَا إلَى مَاءِ فَزَعَمَ أَحَدُهُمَا نَجَاسَتَهُ فَتَيَمَّمَ وَزَعَمَ الْآخَرُ طَهَارَتَهُ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ مُتَوَضِّئٌ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ وَأَمَّهُمَا ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي صَلَاتِهِ فَذَهَبَ قَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ وَأَتَمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَلَاةَ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَقْتَدِ بِصَاحِبِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ صَاحِبَهُ مُحْدِثٌ، وَبِهِ أَفْتَى أَئِمَّةُ بَلْخٍ، وَهُوَ حَسَنٌ. اهـ.

(بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ) ذَكَرَهُ بَعْدَ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَهَارَةُ مَسْحٍ وَقَدَّمَهُ عَلَيْهِ لِثُبُوتِهِ بِالْكِتَابِ، وَهَذَا ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي وَالْمَسْحُ لُغَةً إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ وَاصْطِلَاحًا عِبَارَةٌ عَنْ رُخْصَةٍ مُقَدَّرَةٍ جُعِلَتْ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا وَالْخُفُّ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِلْمُتَّخَذِ مِنْ الْجِلْدِ السَّاتِرِ لِلْكَعْبَيْنِ فَصَاعِدًا وَمَا أُلْحِقَ بِهِ وَسُمِّيَ الْخُفُّ خُفًّا مِنْ الْخِفَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ خَفَّ بِهِ مِنْ الْغَسْلِ إلَى الْمَسْحِ ثُمَّ يَحْتَاجُ هُنَا إلَى مَعْرِفَةِ سِتَّةِ أَشْيَاءَ:

أَحَدُهُمَا: أَصْلُ الْمَسْحِ.

وَالثَّانِي: مَعْرِفَةُ مُدَّتِهِ.

وَالثَّالِثُ: مَعْرِفَةُ الْخُفِّ الَّذِي يَجُوزُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ.

وَالرَّابِعُ: مَعْرِفَةُ مَا يَنْتَقِضُ بِهِ الْمَسْحُ.

وَالْخَامِسُ: مَعْرِفَةُ حُكْمِهِ إذَا انْتَقَضَ.

وَالسَّادِسُ: مَعْرِفَةُ صُورَتِهِ.

وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ (صَحَّ) أَيْ جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالصِّحَّةُ فِي الْعِبَادَاتِ عَلَى مَا فِي التَّوْضِيحِ كَوْنُهَا بِحَيْثُ تُوجِبُ تَفْرِيغَ الذِّمَّةِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي مَفْهُومِهَا اعْتِبَارًا أَوَّلِيًّا إنَّمَا هُوَ الْمَقْصُودُ الدُّنْيَوِيُّ، وَهُوَ تَفْرِيغُ الذِّمَّةِ، وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُهَا الثَّوَابُ مَثَلًا، وَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأُخْرَوِيُّ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي مَفْهُومِهِ اعْتِبَارًا أَوَّلِيًّا وَالْوُجُوبُ كَوْنُ الْفِعْلِ بِحَيْثُ لَوْ أَتَى بِهِ يُثَابُ وَلَوْ تَرَكَهُ يُعَاقَبُ فَالْمُعْتَبَرُ فِي مَفْهُومِهِ اعْتِبَارًا أَوَّلِيًّا هُوَ الْمَقْصُودُ الْأُخْرَوِيُّ، وَإِنْ كَانَ يَتْبَعُهُ الْمَقْصُودُ الدُّنْيَوِيُّ كَتَفْرِيغِ الذِّمَّةِ وَنَحْوِهِ اهـ.

وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا هَلْ جَوَازُهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ أَوْ بِالسُّنَّةِ فَقِيلَ بِالْكِتَابِ عَمَلًا بِقِرَاءَةِ الْجَرِّ، فَإِنَّهَا لَمَّا عَارَضَتْ قِرَاءَةَ النَّصْبِ حُمِلَتْ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُتَخَفِّفًا وَحُمِلَتْ قِرَاءَةُ النَّصْبِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَخَفِّفًا وَاخْتَارَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَمْ يَثْبُتْ بِالْكِتَابِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: ٦] ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ جَوَازَهُ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْمَاسِحَ عَلَى الْخُفِّ لَيْسَ مَاسِحًا عَلَى الرِّجْلِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْخُفَّ اُعْتُبِرَ مَانِعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ وَمَا حَلَّ بِالْخُفِّ أُزِيلَ بِالْمَسْحِ فَهُوَ عَلَى الْخُفِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَحَمَلُوا قِرَاءَةَ الْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْمَغْسُولِ وَالْجَرُّ لِلْمُجَاوَرَةِ وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِجَوَازِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا حَتَّى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَا قُلْت بِالْمَسْحِ حَتَّى جَاءَنِي فِيهِ مِثْلُ ضَوْءِ النَّهَارِ وَعَنْهُ أَخَافُ الْكُفْرَ عَلَى مَنْ لَمْ يَرَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْآثَارَ الَّتِي جَاءَتْ فِيهِ فِي حَيِّزِ التَّوَاتُرِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ خَبَرُ الْمَسْحِ يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِهِ لِشُهْرَتِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ لَيْسَ فِي قَلْبِي شَيْءٌ مِنْ الْمَسْحِ فِيهِ أَرْبَعُونَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رَفَعُوا وَمَا وَقَفُوا وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَدْرَكْت سَبْعِينَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرَوْنَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَمَنْ لَمْ يَرَ الْمَسْحَ عَلَيْهِمَا جَائِزًا مِنْ الصَّحَابَةِ فَقَدْ صَحَّ رُجُوعُهُمْ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مُنْكِرَ الْمَسْحِ ضَالٌّ مُبْتَدِعٌ مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ سُئِلَ عَنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَقَالَ هُوَ أَنْ تُفَضِّلَ الشَّيْخَيْنِ وَتُحِبَّ الْخَتَنَيْنِ وَتَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْهُ وَاجِبًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ كَذَا قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ وَاجِبًا فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ لَوْ غَسَلَ بِهِ رِجْلَيْهِ لَا يَكْفِي وُضُوءَهُ وَلَوْ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ يَكْفِيهِ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ وَمِنْهَا مَا لَوْ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَمْسَحُ وَمِنْهَا إذَا خَافَ فَوْتَ الْوُقُوفِ

ــ

[منحة الخالق]

[بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

(قَوْلُهُ: وَاصْطِلَاحًا عِبَارَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ هُوَ إصَابَةُ الْيَدِ الْمُبْتَلَّةِ الْخُفَّ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فِي الْمَوْضِعِ الْمَخْصُوصِ فِي الْمُدَّةِ الشَّرْعِيَّةِ (قَوْلُهُ: هُوَ أَنْ تُفَضِّلَ الشَّيْخَيْنِ وَتُحِبَّ الْخَتَنَيْنِ) الْمُرَادُ مِنْ الشَّيْخَيْنِ سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمِنْ الْخَتَنَيْنِ سَيِّدُنَا عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْهُ) أَيْ الْمُصَنِّفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>