للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا وَالْكَفَّارَةُ كَاسْمِهَا سَاتِرَةٌ وَلَا ذَنْبَ لَهُمْ تَسْتُرُهُ؛ لِأَنَّهُمْ مَرْفُوعٌ عَنْهُمْ الْقَلَمُ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ يَعْنِي أَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَمَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ عِبَادَةٌ وَلَا عُقُوبَةٌ وَكَذَا سَبَبُ الْكَفَّارَةِ تَكُونُ دَائِرَةً بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لِكَوْنِ الْعُقُوبَةِ مُتَعَلِّقَةً بِالْحَظْرِ وَفِعْلُهُمْ لَا يُوصَفُ بِالْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِفِعْلٍ مَحْظُورٍ وَكُلُّ ذَلِكَ يُنْبِئُ عَنْ الْخِطَابِ وَهُمْ لَيْسُوا بِمُخَاطَبِينَ فَكَيْفَ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ]

(فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ) لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْجِنَايَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْآدَمِيِّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِهَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْآدَمِيِّ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ الْجَنِينُ بَيَانُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي أُصُولِهِ أَنَّ الْجَنِينَ مَا دَامَ مُجْتَنًّا فِي الْبَطْنِ لَيْسَ لَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْأُمِّ لَكِنَّهُ مُنْفَرِدٌ بِالْحَيَاةِ بَعْدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَفْسًا لَهُ ذِمَّةٌ فَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ أَهْلًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ لَهُ مِنْ عِتْقٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَبِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ أَهْلًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ عَلَيْهِ فَأَمَّا بَعْدَمَا يُولَدُ فَلَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ وَلِهَذَا لَوْ انْقَلَبَ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ أَتْلَفَهُ يَكُونُ ضَامِنًا لَهُ وَيَلْزَمُهُ مَهْرُ امْرَأَتِهِ بِعَقْدِ الْوَلِيِّ، جَنِينٌ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَهِيَ مَجْنُونٌ أَيْ مَسْتُورٌ مِنْ جَنَّهُ إذَا سَتَرَهُ مِنْ بَابِ طَلَبَ وَالْجَنِينُ اسْمٌ لِلْوَلَدِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ مَا دَامَ فِيهِ وَالْجَمْعُ أَجِنَّةٌ، فَإِذَا وُلِدَ يُسَمَّى وَلَيَدًا ثُمَّ رَضِيعًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا تَجِبُ غُرَّةُ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ) الْغُرَّةُ الْخِيَارُ غُرَّةُ الْمَالِ خِيَارُهُ كَالْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ الْبَخْتِ وَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ أَلْفَا دِرْهَمٍ وَقِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَ مَا يَجِبُ فِي الْجَنِينِ غُرَّةً؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مِقْدَارٍ ظَهَرَ فِي بَابِ الدِّيَةِ وَغُرَّةُ الشَّيْءِ أَوَّلُهُ كَمَا سُمِّيَ أَوَّلُ الشَّهْرِ غُرَّةً وَسُمِّيَ وَجْهُ الْإِنْسَانِ غُرَّةً؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ يَظْهَرُ مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ دِيَةُ الرَّجُلِ لَوْ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا وَفِي الْأُنْثَى دِيَةُ عُشْرِ الْمَرْأَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ دِرْهَمٍ.

وَلِهَذَا لَمْ يُبَيِّنْ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ فَالْعُشْرُ مِنْ دِيَتِهَا قَدْرُ نِصْفِ الْعُشْرِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ فِي الْجَنِينِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ جِنَايَةً وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ إلَّا نُقْصَانُ الْأُمِّ إنْ نَقَصَتْ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ كَمَالُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ بِضَرْبِهِ مَنَعَ حُدُوثَ الْحَيَاةِ فِيهِ فَيَكُونُ بِذَلِكَ كَالْمُزْهِقِ لِلرُّوحِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى وَجَبَتْ قِيمَةُ وَلَدِ الْمَغْرُورِ، فَإِنَّهُ مَنَعَ مِنْ حُدُوثِ الرِّقِّ فِيهِ وَكَذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْمُحْرِمِ قِيمَةُ بَيْضِ الصَّيْدِ فِي كَسْرِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ هُذَيْلٍ ضَرَبَتْ بَطْنَ امْرَأَةٍ بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ» كَذَا وَجَدْته بِخَطِّ شَيْخِي وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَتِهِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ أَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ بَعْدَ ذَلِكَ وَلِلرَّجُلِ الضَّارِبِ بِنْتٌ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ هَذِهِ الَّتِي وَلَدَتْ وَلَهَا إخْوَةٌ مِنْ أَبِيهَا وَأُمِّهَا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ دِيَةُ الْوَلَدِ الَّذِي وَقَعَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ تَرِثُ مِنْ ذَلِكَ أُمُّهُ السُّدُسَ وَمَا بَقِيَ فَلِأُخْتِ هَذَا الْوَلَدِ مِنْ أَبِيهِ وَعَلَى وَالِدِهِ كَفَّارَتَانِ فِي الْوَلَدِ الْوَاقِعِ حَيًّا وَكَفَّارَةٌ فِي أُمِّهِ وَالْوَلَدُ الَّذِي سَقَطَ مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةٌ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ خَمْسُمِائَةٍ وَيَكُونُ لِلْأُمِّ مِنْ ذَلِكَ السُّدُسُ أَيْضًا وَمَا بَقِيَ فَلِأُخْتِ هَذَا الْوَلَدِ مِنْ أَبِيهِ أَيْضًا فَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ ضَرَبَ بَطْنَهَا بِالسَّيْفِ عَمْدًا فَقَطَعَ الْبَطْنَ وَوَقَعَ أَحَدُ الْوَلَدَيْنِ حَيًّا وَبِهِ جِرَاحَةُ السَّيْفِ ثُمَّ مَاتَ وَوَقَعَ الْآخَرُ مَيِّتًا وَبِهِ جِرَاحَةُ السَّيْفِ أَيْضًا ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى الرَّجُلِ الْقَوَدُ فِي الْأُمِّ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ الْوَلَدِ الْحَيِّ وَغُرَّةُ الْجَنِينِ الْمَيِّتِ.

قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ امْرَأَةٌ قَالَ فِي السِّرَاجِيَّةِ فَشَمَلَ الْحُرَّةَ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً وَيَكُونُ بَدَلُ الْجَنِينِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَفِي الْكَافِي هَذَا إذَا تَبَيَّنَ خَلْقُهُ أَوْ بَعْضُ خَلْقِهِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَوْ كَانَتْ أَمَةً عُلِّقَتْ مِنْ سَيِّدِهَا وَالْكَفَّارَةُ فِي الْجَنِينِ تَجِبُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ تَجِبُ غُرَّتَانِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ وَالْآخَرُ خَرَجَ مَيِّتًا تَجِبُ غُرَّةٌ وَدِيَةٌ وَعَلَى الضَّارِبِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ ثُمَّ خَرَجَ الْجَنِينَانِ تَجِبُ دِيَةُ الْأُمِّ وَحْدَهَا إلَّا إذَا خَرَجَ الْجَنِينَانِ ثُمَّ مَاتَا تَجِبُ عَلَيْهِ ثَلَاثُ دِيَاتٍ فَاعْتُبِرَ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا جَنِينَانِ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْأُمِّ وَخَرَجَ الْآخَرُ بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ وَهُمَا مَيِّتَانِ تَجِبُ الْغُرَّةُ فِي الَّذِي خَرَجَ قَبْلَ مَوْتِ الْأُمِّ وَلَا يَرِثُ مِنْ دِيَةِ أُمِّهِ شَيْئًا وَتَرِثُ الْأُمُّ مِنْ دِيَتِهِ وَالْجَنِينُ الْآخَرُ وَهُوَ الَّذِي خَرَجَ بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهِ لَا يَرِثُ مِنْ أَحَدٍ وَلَا يُورَثُ عَنْهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الَّذِي خَرَجَ بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>