للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَوْقَاتِ فِي حَقِّهِ لَيْسَتْ سَوَاءً فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي اللَّيْلِ وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِيهِ إلَّا بِالْعَزِيمَةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَقِيبَ التَّسَبُّبِ هَذَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمُدَّةِ وَإِنْ بَيَّنَ مُدَّةً تَعَيَّنَ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ كَانَ حِينَ يُهَلُّ يُعْتَبَرُ بِالْأَهِلَّةِ وَإِلَّا فَالْأَيَّامِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ عَلَى صِيغَةِ الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يُبْصَرُ الْهِلَالُ، وَقَالَ أَرَادَ بِهِ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ اهـ.

قَالَ ابْنُ قَاضِي زَادَهْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ تَفْسِيرُ مَعْنَى حِينَ يُهَلُّ إذْ قَدْ عُلِمَ مَعْنَاهُ مِنْ التَّفْسِيرِ السَّابِقِ قَطْعًا، بَلْ مُرَادُهُ بِذَلِكَ بَيَانُ أَثَرِ قَوْلِهِ حِينَ يُهَلُّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ، بَلْ الْمُرَادُ مَعْنَاهُ الْعُرْفِيُّ وَهُوَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الشَّهْرِ اهـ.

يَعْنِي إذَا وَقَعَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ فِي لَيْلَةِ الْهِلَالِ أَوْ فِي يَوْمِهَا تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ بِالْأَهِلَّةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا مَضَى شَيْءٌ مِنْ الشَّهْرِ يُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ وَهُوَ أَنْ يُعْتَبَرَ كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الثَّانِي، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ بِالْأَيَّامِ وَيُكَمَّلُ مِنْ الْأَخِيرِ وَيَبْقَى غَيْرُهُ عَلَى الْأَصْلِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ بِالْأَهِلَّةِ فَكَذَا الْبَقِيَّةُ. اهـ.

[أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» قَالَ الْأَكْمَلُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ فِي الْفَاسِدَةِ مَعَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ خَالَفَ فِي ذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَرِهَ الْحَمَّامَ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ سَمَّاهُ شَرَّ بَيْتٍ» ، وَقَالَ عُثْمَانُ إنَّهُ بَيْتُ الشَّيْطَانِ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ كَرِهَهُ لِلنِّسَاءِ لَا لِلرِّجَالِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْحَمَّامَاتِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَفِي الْخُلَاصَةِ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا فِي قَرْيَةٍ فَوَقَعَ الْجَلَاءُ فِي الْقَرْيَةِ وَنَفَرَ النَّاسُ سَقَطَتْ الْأُجْرَةُ أَوْ نَفَرَ بَعْضُ النَّاسِ لَا تَسْقُطُ وَفِي الْمُحِيطِ إذَا كَانَ حَمَّامٌ لِلرِّجَالِ وَحَمَّامٌ لِلنِّسَاءِ فَأَجَّرَهُمَا جَمِيعًا وَسَمَّى حَمَّامًا جَازَ اسْتِحْسَانًا إذَا كَانَ بَابُ الْحَمَّامَيْنِ وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَابٌ عَلَى حِدَةٍ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ. اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا بِبَدَلٍ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ حَالَ جَرَيَانِ الْمَاءِ وَانْقِطَاعِهِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَفِي الْخَانِيَّةِ شَيْلُ الرَّمَادِ وَالسِّرْقِينِ وَتَفْرِيغُ مَوْضِعِ الْبَالُوعَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ شَرَطَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فَسَدَتْ. اهـ.

وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ امْتَلَأَ مَسِيلُ مَاءِ الْحَمَّامِ فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ تَفْرِيعُهُ، وَلَوْ امْتَلَأَتْ الْبَالُوعَةُ فَعَلَى الْآجِرِ تَفْرِيغُهَا وَالْفَرْقُ أَنَّ تَفْرِيغَ مَسِيلِ الْمَاءِ يُمْكِنُ مِنْ غَيْرِ نَقْضِ الْبِنَاءِ.

وَأَمَّا الْبَالُوعَةُ فَلَا يُمْكِنُ تَفْرِيغُهَا بِنَفْسِهِ إلَّا بِنَقْضِ شَيْءٍ مِنْ الْبِنَاءِ وَلَا يَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ نَقْضَ شَيْءٍ مِنْ الْبِنَاءِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ رَبُّ الْأَرْضِ فَجُعِلَ تَفْرِيغُهُ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَيْضًا اسْتَأْجَرَ حَمَّامَيْنِ سَنَةً فَانْهَدَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ تَرْكُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمَامِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا سَنَةً فَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ حَتَّى مَضَى شَهْرَانِ وَلَمْ يَنْتَفِعْ وَامْتَنَعَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبْضِ وَلَا يُخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ هُنَا تَفَرَّقَتْ فِي حَقِّ الْمَنَافِعِ فَلَا يُوجِبُ ثُبُوتَ الْخِيَارِ وَهُنَاكَ فِي الْقَبْضِ، وَإِذَا انْهَدَمَ الْحَمَّامُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ الْخِيَارُ، وَلَوْ انْهَدَمَ أَحَدُ الْحَمَّامَيْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالْبَاقِي لَازِمٌ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَفَرَّقَتْ بَعْدَ التَّمَامِ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا وَعَبْدًا لِيُقَوَّمَ عَلَيْهِ فَانْهَدَمَ الْحَمَّامُ بَعْدَ قَبْضِهِمَا فَلَهُ تَرْكُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْعَبْدِ فِيمَا اسْتَأْجَرَهُ لَهُ وَإِنْ هَلَكَ الْعَبْدُ، فَلَيْسَ لَهُ تَرْكُ الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الْعَبْدِ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي مَنْفَعَةِ الْحَمَّامِ اسْتَأْجَرَ الْحَمَّامَ وَدَخَلَ بِنَوْرَةٍ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ رَبِّ الْحَمَّامِ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا بِغَيْرِ قِدْرٍ وَاسْتَأْجَرَ الْقِدْرَ مِنْ آخَرَ فَانْكَسَرَ الْقِدْرُ بَعْدَ شَهْرٍ فَأُجْرَةُ الْحَمَّامِ لَازِمَةٌ دُونَ أُجْرَةِ الْقِدْرِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ قِدْرًا غَيْرَهُ وَيَسْتَعْمِلَهُ فِي الْحَمَّامِ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا شَهْرًا فَعَمِلَ فِيهِ مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَرُوِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ عَلَيْهِ أُجْرَةَ الشَّهْرِ الثَّانِي لِلْعُرْفِ.

[أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَجَّامِ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْحَجَّامِ) أَيْ جَازَ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَجَّامِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «احْتَجَمَ وَأَعْطَى أُجْرَتَهُ» وَبِهِ جَرَى التَّعَارُفُ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا فَانْعَقَدَ إجْمَاعًا، وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ لَا يَجُوزُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ عَسْبِ التَّيْسِ وَكَسْبِ الْحَجَّامِ وَقَفِيزِ الطَّحَّانِ» ، قُلْنَا هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لَهُ رَجُلٌ إنَّ لِي عِيَالًا وَغُلَامًا حَجَّامًا أَفَأُطْعِمُ عِيَالِي مِنْ كَسْبِهِ، قَالَ نَعَمْ» وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا الصِّحَّةَ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ لِعَدَمِ جَرَيَانِ عَقْدٍ فِيهِ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ مِنْ السُّحْتِ عَسْبَ التَّيْسِ وَمَهْرَ الْبَغِيِّ» ؛ وَلِأَنَّهُ عَمَلٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِحْبَالُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ وَلَا أَخْذُ الْمَالِ بِمُقَابَلَةِ الْمَاءِ وَهُوَ نَجِسٌ لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>