خِلَافِ الْمُفْتَى بِهِ، وَعَلِمْت أَنَّ تَقْلِيدَ الْكَافِرِ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ قَضَاؤُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ حَالَ كُفْرِهِ، وَفِي الْخِزَانَةِ إذَا عَمِيَ الْقَاضِي ثُمَّ أَبْصَرَ فَهُوَ عَلَى قَضَائِهِ اهـ.
التَّاسِعُ: فِي آدَابِهِ وَسَتَأْتِي.
الْعَاشِرُ: فِي مَحَاسِنِهِ مِنْهَا إنْصَافُ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ وَتَخْلِيصُ الْحُقُوقِ إلَى أَهْلِهَا وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ وَبِهِ أُمِرَ كُلُّ نَبِيٍّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} [المائدة: ٤٤] وَقَالَ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: ٤٩] وَالْحَاكِمُ نَائِبٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَرْضِهِ وَلَوْلَاهُ لَفَسَدَ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَهُ مُسَاوٍ مَذْكُورَةٌ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ.
قَوْلُهُ (أَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ) أَيْ أَهْلُ الْقَضَاءِ أَيْ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ أَوْ مَنْ تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُثْبِتُ الْوِلَايَةَ عَلَى الْغَيْرِ الشَّاهِدُ يُلْزِمَ الْحَاكِمَ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِ، وَالْحَاكِمُ الْخَصْمَ بِحُكْمِهِ فَكَانَا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْقَضَاءَ مَبْنِيٌّ عَلَى الشَّهَادَةِ لِيَلْزَمَ مِنْهُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُمَا يَرْجِعَانِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا عَدْلًا لَا أَنَّ حُكْمَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى حُكْمِهَا لَكِنَّ أَوْصَافَ الشَّهَادَةِ أَشْهَرُ عِنْدَ النَّاسِ فَعُرِفَ أَوْصَافُهُ بِأَوْصَافِهَا وَتَمَامُهُ فِي النِّهَايَةِ، فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ كَافِرٍ وَصَبِيٍّ فَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قُلِّدَ الْقَضَاءُ لِصَبِيٍّ، ثُمَّ أَدْرَكَ لَا يُقْضَى بِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى وَفِي الْأَجْنَاسِ قُلِّدَ الْقَضَاءَ الْكَافِرُ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ عَلَى قَضَائِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدٍ ثَانٍ اهـ.
وَفِيهَا قَبْلَهُ السُّلْطَانُ أَمَرَ عَبْدَهُ بِنَصْبِ الْقَاضِي فِي بَلْدَةٍ وَنُصِبَ يَصِحُّ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ السُّلْطَانِ، وَلَوْ حَكَمَ بِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ وَلَوْ جَمَعَ بِنَفْسِهِ بَعْدَ أَمْرِهِ أَوْ أَمْرِ غَيْرِهِ صَحَّ الْإِمَامُ أَذِنَ لِعَبْدِهِ بِالْقَضَاءِ فَقَضَى بَعْدَمَا عَتَقَ جَازَ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْإِذْنِ كَمَا لَوْ تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ فِي الرِّقِّ، ثُمَّ عَتَقَ. اهـ.
وَقَدَّمْنَا أَنَّ شَرَائِطَ الْقَاضِي ثَمَانِيَةٌ وَفِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ وَتَوْلِيَةُ الْأُطْرُوشِ الْأَصَحُّ جَوَازُهَا، وَفَسَّرَهُ الشَّارِحُ بِأَنْ يَسْمَعَ مَا قَوِيَ مِنْ الْأَصْوَاتِ، وَالْأَصَمُّ بِخِلَافِهِ وَهُوَ مَنْ لَا يَسْمَعُ أَلْبَتَّةَ، وَفِي الْقَامُوسِ قَوْمٌ طُرْشٌ وَالْأُطْرُوشُ الْأَصَمُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَمْ يَصِحَّ قَضَاؤُهُ، وَلَا يَرِدُ الْفَاسِقُ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا أَهْلٌ لَهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ صَحَّ وَإِنْ كَانَ يَأْثَمُ كَمَا سَيَأْتِي فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ قَضَاءُ الْعَدُوُّ عَلَى عَدُوِّهِ عَدَاوَةً دُنْيَوِيَّةً كَالشَّهَادَةِ، وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ إذَا قَضَى بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ لَا بِعِلْمِهِ فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ وَلَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا وَرَدَ عَلَيْهِ كِتَابُ الْقَاضِي، وَأَنَّهُ يَقْضِي لَهُ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَكَتَبْنَاهُ فِي فَوَائِدِ الْقَضَاءِ وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الشَّهَادَاتِ، وَلَوْ وَلَّى السُّلْطَانُ قَاضِيًا مُشْرِكًا عَلَى الْكُفَّارِ فَظَاهِرُ تَعْلِيلِ الْخُلَاصَةِ الصِّحَّةُ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ، وَسُئِلْت عَنْ تَوْلِيَةِ الْبَاشَاهْ بِالْقَاهِرَةِ قَاضِيًا لِيَحْكُمَ فِي حَادِثَةٍ خَاصَّةٍ مَعَ وُجُودِ قَاضِيهَا الْمُوَلَّى مِنْ السُّلْطَانِ فَأَجَبْتُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهِ تَقْلِيدُ الْقَضَاءِ، وَلِذَا لَوْ حَكَمَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ
قَوْلُهُ (وَالْفَاسِقُ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ كَمَا هُوَ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلَّدَ) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُمَا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَلَا يَنْبَغِي تَقْلِيدُهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ بَابِ الْأَمَانَةِ، وَالْفَاسِقُ لَا يُؤْتَمَنُ فِي أَمْرِ الدِّينِ لِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِهِ كَمَا لَا يَنْبَغِي قَبُولُ شَهَادَتِهِ، فَإِنْ قَبِلَهَا نَفَذَ الْحُكْمُ بِهَا وَفِي غَيْرِ مَوْضِعِ ذِكْرِ الْأَوْلَوِيَّةِ يَعْنِي الْأَوْلَى أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ وَإِنْ قُبِلَ جَازَ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنْ لَا يَحِلَّ أَنْ يُقْضَى بِهَا فَإِنْ قَضَى جَازَ وَنَفَذَ. اهـ.
وَمُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَأْثَمُ وَظَاهِرُ الْآيَةِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَبُولُهَا قَبْلَ تَعَرُّفِ حَالِهِ وَهِيَ قَوْلُهُ {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: ٦] وَقَوْلُهُمْ بِوُجُوبِ السُّؤَالِ عَنْ الشَّاهِدِ
ــ
[منحة الخالق]
[أَهْلُ الْقَضَاءِ]
(قَوْلُهُ فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ كَافِرٍ وَصَبِيٍّ) مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الْوَاقِعَاتِ (قَوْلُهُ قَلَّدَ الْقَضَاءَ الْكَافِرَ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ عَلَى قَضَائِهِ) هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ شَرَائِطَ الْقَاضِي ثَمَانِيَةٌ) الَّذِي قَدَّمَهُ تِسْعَةٌ، وَقَدْ نَظَمَهَا السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ فَقَالَ
شُرُوطُ الْقَضَاءِ تِسْعٌ عَلَيْك بِحِفْظِهَا ... لِتُحْرِزَ سَبْقًا فِي طِلَابِك لِلْعُلَا
بُلُوغٌ وَإِسْلَامٌ وَعَقْلٌ وَمَنْطِقٌ ... فَصِيحٌ بِهِ فَصْلُ الْخُصُومَةِ قَدْ حَلَا
تَوْلِيَةٌ حُكْمًا دُونَ سَمْعٍ لِدَعْوَةٍ ... وَحُرِّيَّةٌ سَمْعٌ وَالْإِبْصَارُ قَدْ تَلَا
وَفِقْدَانُ حَدِّ الْقَذْفِ قَدْ شَرَطُوا لَهُ ... كَمَا قَالَ زَيْنُ الدِّينِ فِي الْبَحْرِ مُجْمَلًا
(قَوْلُهُ وَفِي الْقَامُوسِ قَوْمٌ طُرْشٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ قَبْلَ قَوْلِهِ قَوْمٌ طُرْشُ الطَّرَشُ أَهْوَنُ الصَّمَمِ، وَذَكَرَ فِي صَمَمَ الصَّمَمُ مُحَرَّكَةً انْسِدَادُ الْأُذُنَيْنِ وَثِقَلُ السَّمْعِ، (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَمْ يَصِحَّ قَضَاؤُهُ) هُوَ عَكْسُ الْكُلِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ، وَقَالَ فِي النَّهْرِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكُلِّيَّةَ أَعْنِي مَنْ كَانَ أَهْلَ الشَّهَادَةِ هُوَ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ مُطَّرِدَةٌ غَيْرُ مُنْعَكِسَةٍ عَكْسًا لُغَوِيًّا فَلَا يَرِدُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ فَهُوَ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ دُونَ الشَّهَادَةِ وَلَا أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ مِنْ حَيْثُ الدُّنْيَا لَا تُقْبَلُ، وَقَضَاؤُهُ عَلَيْهِ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ)