للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَتَى الْجِنَازَةَ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى عَلَيْهَا وَالْحَدِيثُ إذَا كَثُرَتْ طُرُقُهُ وَتَعَاضَدَتْ قَوِيَتْ فَلَا يَضُرُّهُ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا تَارَةً يَرْفَعُونَ وَتَارَةً لَا يَرْفَعُونَ وَلَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ أُخْرَى بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَخَافَ فَوْتَهَا فَفِي الْمَجْمَعِ يُعِيدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَا يُعِيدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ التَّوَضُّؤِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ أَمَّا إذَا تَمَكَّنَ ثُمَّ فَاتَ التَّمَكُّنُ يُعِيدُ التَّيَمُّمَ اتِّفَاقًا وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ التَّيَمُّمَ فِي بِلَادِنَا لَا يَجُوزُ لِلْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ حَوْلَ مُصَلَّى الْجِنَازَةِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ فَمُطْلَقَةٌ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي الْمُسْتَصْفَى لَا يُقَالُ إنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَمَّا جَازَ أَدَاءُ أَقْوَى الصَّلَاتَيْنِ بِأَضْعَفِ الطَّهَارَتَيْنِ لَأَنْ يَجُوزَ أَدَاءُ أَضْعَفِ الصَّلَاتَيْنِ بِأَضْعَفِ الطَّهَارَتَيْنِ أَوْلَى.

(قَوْلُهُ: أَوْ عِيدٍ وَلَوْ بِنَاءً) أَيْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ عِيدٍ وَلَوْ كَانَ الْخَوْفُ بِنَاءً لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهَا تَفُوتُ لَا إلَى بَدَلٍ، فَإِنْ كَانَ إمَامًا فَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَا يَتَيَمَّمُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ الْفَوْتَ بِزَوَالِ الشَّمْسِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَخَفْ لَا يُجْزِئُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَدِي بِحَيْثُ يُدْرِكُ بَعْضَهَا مَعَ الْإِمَامِ لَوْ تَوَضَّأَ لَا يَتَيَمَّمُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْجِنَازَةِ وَصُورَةُ الْخَوْفِ فِي الْبِنَاءِ أَنْ يَشْرَعَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ ثُمَّ يَسْبِقَهُ حَدَثٌ إمَامًا كَانَ أَوْ مُقْتَدِيًا، فَهَذِهِ عَلَى وُجُوهٍ، فَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ الزَّوَالَ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُدْرِكَ شَيْئًا مِنْهَا مَعَ الْإِمَامِ لَوْ تَوَضَّأَ، فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ اتِّفَاقًا لِإِمْكَانِ أَدَاءِ الْبَاقِي بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ يَخَافُ زَوَالَ الشَّمْسِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ اتِّفَاقًا لِتَصَوُّرِ الْفَوَاتِ بِالْإِفْسَادِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَلَوْ شَرَعَ بِالتَّيَمُّمِ تَيَمَّمَ وَبَنَى بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا الْوُضُوءَ يَكُونُ وَاجِدًا لِلْمَاءِ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ فَتَفْسُدُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُحِيطِ

وَقِيلَ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَهُمَا لِوُجُودِ الْمَاءِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاؤُهَا بِالتَّيَمُّمِ وَالْبِنَاءُ بِالْوُضُوءِ كَمَا قُلْنَا فِي جُنُبٍ مَعَهُ مَاءٌ قَدْرَ مَا يَكْفِي الْوُضُوءَ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَوْ سَبَقَهُ حَدَثٌ فِيهَا، فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي، وَهَذَا الْقِيَاسُ مَعَ الْفَارِقِ، فَإِنَّ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ إذْ التَّيَمُّمُ هَاهُنَا أَقْوَى مِنْ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْجَنَابَةَ وَالْوُضُوءُ لَا يُزِيلُهَا وَفِي الْمَقِيسِ يَلْزَمُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ فَكَانَ الظَّاهِرُ الْبِنَاءَ اتِّفَاقًا وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ مِثْلُ الْوُضُوءِ بِدَلِيلِ جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ يُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ مِنْ فَتَاوَاهُ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا سَبَقَهُ حَدَثٌ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ فَانْصَرَفَ ثُمَّ وَجَدَ مَاءً يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتَيَمِّمِ الَّذِي وَجَدَ الْمَاءَ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ حَيْثُ يَسْتَأْنِفُ إنَّ التَّيَمُّمَ يَنْتَقِضُ بِصِفَةِ الِاسْتِنَادِ إلَى وُجُودِ الْحَدَثِ عِنْدَ إصَابَةِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ الْإِصَابَةَ لَيْسَتْ بِحَدَثٍ وَفِي هَذِهِ الصَّلَاةِ لَمْ يَنْتَقِضْ التَّيَمُّمُ عِنْدَ إصَابَةِ الْمَاءِ بِصِفَةِ الِاسْتِنَادِ لِانْتِقَاضِهِ بِالْحَدَثِ الطَّارِئِ عَلَى التَّيَمُّمِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ التَّيَمُّمَ يَنْتَقِضُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ بِالْحَدَثِ السَّابِقِ

وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ حَدَثٌ طَارِئٌ لَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْمُتَعَاقِبَةَ كَالْبَوْلِ ثُمَّ الرُّعَافِ ثُمَّ الْقَيْءِ تُوجِبُ أَحْدَاثًا مُتَعَاقِبَةً يُجْزِئُ عَنْهَا وُضُوءٌ وَاحِدٌ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ مَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فَثَبَتَ أَنَّ الْبِنَاءَ بِالتَّيَمُّمِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ شَرَعَ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَلَمْ يَخَفْ زَوَالَ الشَّمْسِ وَلَا يَرْجُو إدْرَاكَ الْإِمَامِ قَبْلَ فَرَاغِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَيَمَّمُ وَيَبْنِي وَقَالَا يَتَوَضَّأُ وَلَا يَتَيَمَّمُ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فَكَانَ فِي زَمَانِهِ جَبَّانَةُ الْكُوفَةِ بَعِيدَةٌ وَلَوْ انْصَرَفَ لِلْوُضُوءِ زَالَتْ الشَّمْسُ فَخَوْفُ الْفَوْتِ قَائِمٌ وَفِي زَمَنِهِمَا جَبَّانَةُ بَغْدَادَ قَرِيبَةٌ فَأَفْتَيَا عَلَى وَفْقِ زَمَنِهِمَا؛ وَلِهَذَا كَانَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ يَقُولَانِ فِي دِيَارِنَا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْعِيدِ ابْتِدَاءً وَلَا بِنَاءً؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُحِيطٌ بِمُصَلَّى الْعِيدِ فَيُمْكِنُ التَّوَضُّؤُ وَالْبِنَاءُ بِلَا خَوْفِ الْفَوْتِ حَتَّى

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) لَمْ أَجِدْ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ نَعَمْ جَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ بِهَذَا الشَّرْطِ وَقَالَ كَمَا لَوْ صَلَّى وَلِلْمَكْتُوبَةِ صَلَّى كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ مَكْتُوبَةً أُخْرَى.

[التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ عِيدٍ]

(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْخَوْفُ بِنَاءً) الظَّاهِرُ مَا قَدَّرَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ يَبْنِي بِنَاءً فَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَالًا أَيْ وَلَوْ صَلَّى بِهِ بَانِيًا عَلَى مَا صَلَّاهُ بِالْوُضُوءِ قَبْلَ سَبْقِ الْحَدَثِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ قَلْبِيًّا أَيْ وَلَوْ كَانَ تَيَمُّمُهُ لِأَجْلٍ الْبِنَاءِ (قَوْلُهُ: لَا إلَى بَدَلٍ) قَدَّمْنَا أَنَّهَا تُقْضَى إذَا أُخِّرَتْ بِعُذْرٍ وَمُفَادُهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ حَضَرَ بِلَا وُضُوءٍ قُبَيْلَ الزَّوَالِ وَخَافَ إنْ تَوَضَّأَ تَزُولُ الشَّمْسُ أَنَّهَا تُؤَخَّرُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّهَا لَمَّا كَانَتْ تُصَلَّى بِجَمْعٍ حَافِلٍ فَلَوْ أُخِّرَتْ لِهَذَا الْعُذْرِ رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى فَوْتِهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُخِّرَتْ لِعُذْرِ فِتْنَةٍ أَوْ عَدَمِ ثُبُوتِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ، فَإِنَّ كُلَّ النَّاسِ يَسْتَعِدُّونَ لِصَلَاتِهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَعَدَمُ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي تُؤَخَّرُ لِأَجْلِهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا تَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>