للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ كَانَتْ لِحَقِّ الْفَرْضِ لِيَصِيرَ الْوَقْتُ كَالْمَشْغُولِ بِهِ لَا بِمَعْنَى فِي الْوَقْتِ فَلَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْفَرَائِضِ، وَقَدْ بَحَثَ فِيهِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ بِأَنَّ هَذَا الِاعْتِبَارَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ النَّظَرُ إلَيْهِ يَسْتَلْزِمُ نَقِيضَ قَوْلِهِمْ الْعِبْرَةُ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِعَيْنِ النَّصِّ لَا لِمَعْنَى النَّصِّ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ مُعَارَضَةَ النَّصِّ بِالْمَعْنَى وَالنَّظَرُ إلَى النُّصُوصِ يُفِيدُ مَنْعَ الْقَضَاءِ تَقْدِيمًا لِلنَّهْيِ الْعَامِّ عَلَى حَدِيثِ التَّذَكُّرِ نَعَمْ يُمْكِنُ إخْرَاجُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِصَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ وَيَكْفِي فِي إخْرَاجِ الْقَضَاءِ مِنْ الْفَسَادِ الْعِلْمُ بِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ بِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ وَذَلِكَ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْفَسَادِ، وَأَمَّا مِنْ الْكَرَاهَةِ فَفِيهِ مَا سَبَقَ. اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّلِيلَ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْكَرَاهَةِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَتَخْصِيصُهُ بِلَا مُخَصِّصٍ شَرْعِيٍّ لَا يَجُوزُ أَطْلَقَ فِي الْفَائِتَةِ فَشَمِلَتْ الْوِتْرَ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَهُوَ سُنَّةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْضِيَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ فِيهِ لَكِنْ فِي الْقُنْيَةِ الْوِتْرُ يُقْضَى بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ سَائِرِ السُّنَنِ. اهـ.

وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَاقْتَصَرَ عَلَى الثَّلَاثَةِ لِيُفِيدَ أَنَّ بَقِيَّةَ الْوَاجِبَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ دَاخِلٌ فِي النَّفْلِ فَيُكْرَهُ فِيهِمَا كَالْمَنْذُورِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَمَا شُرِعَ فِيهِ مِنْ النَّفْلِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ مَا الْتَزَمَهُ بِالنَّذْرِ نَفْلٌ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِالْتِزَامِهِ بِخِلَافِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَفْلٍ؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالسَّجْدَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَيَكُونُ وَاجِبًا بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ وُجُوبُ النَّذْرِ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ بِإِيجَابِهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَتْ التِّلَاوَةُ فِعْلَهُ كَجَمْعِ الْمَالِ فِعْلُهُ وَوُجُوبُ الزَّكَاةِ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ يُقَالُ: وُجُوبُ السَّجْدَةِ فِي التَّحْقِيقِ مُتَعَلِّقٌ بِالسَّمَاعِ لَا بِالِاسْتِمَاعِ وَلَا التِّلَاوَةِ وَذَلِكَ لَيْسَ فِعْلًا مِنْ الْمُكَلَّفِ بَلْ وَصْفٌ خَلْقِيٌّ فِيهِ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَالطَّوَافِ وَالشُّرُوعُ فِعْلُهُ وَلَوْلَاهُ لَكَانَتْ الصَّلَاةُ نَفْلًا. اهـ.

وَهُوَ قَاصِرٌ عَلَى السَّامِعِ لِلتِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ السَّمَاعُ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، وَأَمَّا التَّالِي فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ إنَّمَا هُوَ التِّلَاوَةُ وَلَا السَّمَاعُ وَأُطْلِقَ فِي التَّنَفُّلِ فَشَمِلَ مَا لَهُ سَبَبٌ وَمَا لَيْسَ لَهُ فَتُكْرَهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ فِيهِمَا لِلْعُمُومِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى عُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ» ؛ لِأَنَّهُ مُبِيحٌ وَذَلِكَ حَاظِرٌ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي النَّفْلِ فِي وَقْتٍ مُسْتَحَبٍّ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ، ثُمَّ قَضَاهُ فِيهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْ ذِمَّتِهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ أَفْسَدَ مِنْهُ الْفَجْرَ، ثُمَّ قَضَاهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ يَجُوزُ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَشْرَعَ فِي السُّنَّةِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ بِالْفَرِيضَةِ فَلَا يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَمَلِ وَيَكُونُ مُنْتَقِلًا مِنْ عَمَلٍ إلَى عَمَلٍ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَبَّرَ لِلْفَرِيضَةِ فَقَدْ أَفْسَدَ السُّنَّةَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلَكِ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أُقِيمَ لِلْفَجْرِ وَخَافَ رَجُلٌ فَوْتَ الْفَرْضِ يَشْرَعُ فِي السُّنَّةِ فَيَقْطَعَهَا فَيَقْضِيَهَا قَبْلَ الطُّلُوعِ مَرْدُودٌ لِكَرَاهَةِ قَضَاءِ التَّنَفُّلِ الَّذِي أَفْسَدَهُ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشُّرُوعِ لِلْقَطْعِ قَبِيحٌ شَرْعًا وَإِلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ قَبْلَ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِهِ وَإِلَى أَنَّ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ مَدْخَلًا فِي كَرَاهَةِ النَّوَافِلِ فَيَنْشَأُ عَنْهُ كَرَاهَةُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَصْرِ الْمَجْمُوعَةِ إلَى الظُّهْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ بِعَرَفَاتٍ فِيمَا يَظْهَرُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَاعْلَمْ أَنَّ قَضَاءَ الْفَائِتَةِ وَمَا مَعَهَا لَا تُكْرَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى غَايَةِ التَّغَيُّرِ لَا إلَى الْغُرُوبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ.

(قَوْلُهُ: وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ) أَيْ وَمُنِعَ عَنْ التَّنَفُّلِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ سُنَّتِهِ

ــ

[منحة الخالق]

[التَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ]

(قَوْلُهُ: وَاقْتَصَرَ عَلَى الثَّلَاثَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: التَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ التَّقْيِيدُ بِالنَّفْلِ يُفْهَمُ الْجَوَازُ فِيمَا عَدَاهُ وَلَيْسَ بِالْوَاقِعِ نَصٌّ عَلَى مَا هُوَ الْجَائِزُ لِيُعْلَمَ عَدَمُ الْجَوَازِ فِيمَا عَدَاهُ مِنْ غَيْرِ النَّفْلِ وَلَوْلَا هَذِهِ النُّكْتَةُ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى مَا ذُكِرَ إذْ التَّقْيِيدُ بِالتَّنَفُّلِ يُغْنِي عَنْهُ وَهَذَا دَقِيقٌ جِدًّا فَتَدَبَّرْهُ إذْ بِهِ يُسْتَغْنَى عَنْ إخْرَاجِ النَّفْلِ عَنْ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ عَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ فِعْلٌ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَا وَاجِبٍ وَلَا مَسْنُونٍ. (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ إلَخْ) الْإِشَارَةُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ لِأَحَدٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا عَجِيبٌ فَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا لَفْظُهُ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ لَا يَتَنَفَّلُ بَعْدَ صَلَاةِ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَعَزَاهُ فِي الْمِعْرَاجِ إلَى الْمُجْتَبَى وَفِي الْقُنْيَةِ لِمَجْدِ الْأَئِمَّةِ التَّرْجُمَانِيِّ وَظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ.

(قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ قَضَاءَ الْفَائِتَةِ إلَخْ) يُخَالِفُهُ مَا فِي التَّبْيِينِ حَيْثُ قَالَ وَالْمُرَادُ بِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْقَضَاءُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ. اهـ.

عَلَى أَنَّهُ يُخَالِفُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ أَوَّلًا حَيْثُ قَالَ وَمَنَعَ عَنْ الصَّلَاةِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ عِنْدَ الطُّلُوعِ وَالِاسْتِوَاءِ وَالْغُرُوبِ، وَقَدْ قُدِّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغُرُوبِ التَّغَيُّرُ وَفِي الشرنبلالية عِنْدَ قَوْلِ الدُّرَرِ إلَّا فِي وَقْتِ الِاحْمِرَارِ فَإِنَّ الْقَضَاءَ فِيهِ مَكْرُوهٌ أَقُولُ: ظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَيُنَاقِضُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ إلَخْ وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ إلَخْ، ثُمَّ قَالَ قُلْتُ: وَلَا يُقَالُ إنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ لِحَمْلِ نَفْيِ الْجَوَازِ

<<  <  ج: ص:  >  >>