لِلْحُرْمَةِ وَكَذَا إذَا جُمِعَ بَيْنَ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَنَقِيعِ التَّمْرِ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ طَبَخَ نَقِيعَ التَّمْرِ أَوْ نَقِيعَ الزَّبِيبِ أَدْنَى طَبْخَةٍ ثُمَّ نَقَعَ فِيهِ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا إنْ كَانَ مَا نُقِعَ فِيهِ شَيْئًا مَا يَسِيرًا لَا يُتَّخَذُ النَّبِيذُ مِنْ مِثْلِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ يُتَّخَذُ النَّبِيذُ مِنْ مِثْلِهِ لَا يَحِلُّ كَمَا إذَا صُبَّ فِي الْمَطْبُوخِ قَدَحٌ مِنْ نَقِيعٍ وَالْمَعْنَى تَغْلِيبُ جِهَةِ الْحُرْمَةِ وَلَا حَدَّ فِي شُرْبِهِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لِلِاحْتِيَاطِ وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْحَدِّ فِي دَرْئِهِ.
وَلَوْ طُبِخَ الْخَمْرُ أَوْ غَيْرُهُ بَعْدَ الِاشْتِدَادِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ قَدْ تَقَرَّرَتْ فَلَا تَرْتَفِعُ بِالطَّبْخِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْفَضِيخُ الشَّرَابُ الْمُتَّخَذُ مِنْ التَّمْرِ فَإِذَا أَفْضَخَ التَّمْرُ وَقَذَفَ ثُمَّ يُنْقَعُ فِي الْمَاءِ حَتَّى تَخْرُجَ حَلَاوَتُهُ ثُمَّ يُتْرَكُ حَتَّى يَشْتَدَّ فَإِذَا اشْتَدَّ حَرُمَ وَفِي التَّهْذِيبِ عَنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ: الْبُسْرُ الْمُذَنَّبُ إذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ فَإِذَا حُلِّيَ يَحِلُّ شُرْبُهُ بِلَا خِلَافٍ فَإِذَا اشْتَدَّ فَحُكْمُهُ كَالْمُثَلَّثِ وَفِي الْجَامِعِ: السَّكْرَانُ الَّذِي يُحَدُّ هُوَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ مُطْلَقًا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا وَلَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةَ وَلَا الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ عِنْدَ الْإِمَامِ: وَفِي شُرْبِهِ الْأَصْلُ إذَا ذَهَبَ عَقْلُهُ وَكَانَ كَلَامُهُ مُخَبَّطًا يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ مُسْتَقِيمًا وَالنِّصْفُ غَيْرَ مُسْتَقِيمٍ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَفِي الْقُدُورِيِّ إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَاءُ حَتَّى زَالَ طَعْمُهَا وَرِيحُهَا فَلَا حَدَّ فِي شُرْبِهَا وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ الثَّانِي إذَا بَلَّ فِي الْخَمْرِ خُبْزًا فَأَكَلَ الْخُبْزَ إذَا كَانَ الطَّعْمُ يُوجَدُ حُدَّ وَإِنْ كَانَ لَا يُرَى أَثَرُهَا فِي الْخُبْزِ لَا وَإِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ لِضَرُورَةٍ مَخَافَةَ الْعَطَشِ فَشَرِبَ مِقْدَارَ مَا يَرْوِيهِ فَسَكِرَ فَلَا حَدَّ وَإِنْ ادَّعَى الْإِكْرَاهَ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ اهـ.
تَصَرُّفَاتُ السَّكْرَانِ كُلُّهَا نَافِذَةٌ إلَّا الرِّدَّةَ وَالْإِقْرَارَ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ اهـ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَحَلَّ الِانْتِبَاذُ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ الْأَشْرِبَةِ فِي ظُرُوفٍ أَلَا فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أَنَّكُمْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا وَلِأَنَّ الظَّرْفَ لَا يُحِلُّ حَرَامًا وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالًا، وَالدُّبَّاءُ هُوَ الْقَرْعُ وَالنَّقِيرُ هُوَ أَصْلُ النَّخْلَةِ يُنْقَرُ نَقْرًا وَيُنْسَجُ نَسْجًا وَالْمُزَفَّتُ وَهُوَ النَّقِيرُ وَالْحَنْتَمُ الْجِرَارُ الْخُضْرُ وَقِيلَ الْحَنْتَمُ الْجِرَارُ الْحُمْرُ ثُمَّ إنْ انْتَبَذَ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْخَمْرِ فَلَا إشْكَالَ فِي حِلِّهِ وَطَهَارَتِهِ وَإِنْ اسْتَعْمَلَ فِيهَا الْخَمْرَ ثُمَّ انْتَبَذَ فِيهَا يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْوِعَاءُ عَتِيقًا يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَإِنْ كَانَ جَدِيدًا لَا يَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُغْسَلُ ثَلَاثًا وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بَعْدَ مَرَّةٍ أُخْرَى حَتَّى إذَا خَرَجَ الْمَاءُ صَافِيًا غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رِيحًا حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ اهـ.
[خَلُّ الْخَمْرِ]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخَلُّ الْخَمْرِ سَوَاءٌ خُلِّلَتْ أَوْ تَخَلَّلَتْ) يَعْنِي خَلُّ الْخَمْرِ فَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَتَخَلَّلَ بِنَفْسِهِ أَوْ تَخَلَّلَ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهِ كَالْمِلْحِ أَوْ الْخَلِّ أَوْ النَّقْلِ مِنْ الظِّلِّ إلَى الشَّمْسِ أَوْ بِإِيقَادِ النَّارِ بِالْقُرْبِ مِنْهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ إذَا تَخَلَّلَتْ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهَا كَالْمِلْحِ وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَعَمْ إلَّا دَمَ الْخَلِّ مُطْلَقًا» فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ صُوَرِهَا وَلِأَنَّ بِالتَّخْلِيلِ إزَالَةَ الْوَصْفِ الْمُفْسِدِ وَثَبَاتَ صِفَةِ الصَّلَاحِ كَالذَّبَائِحِ فَالتَّخْلِيلُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ إحْرَازِ مَالٍ يَصِيرُ حَلَالًا ثُمَّ فِعْلُ ذَلِكَ غَيَّرَ حُكْمَهُ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْحِلِّ وَمِنْ النَّجَاسَةِ إلَى الطَّهَارَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ ظَرْفَهَا كَانَ طَاهِرًا تَنَجَّسَ بِهَا فَإِذَا طَهُرَ بِالتَّخْلِيلِ طَهُرَ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ، وَأَجْزَاءِ إنَائِهِ هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّهُ تَنَجَّسَ بِإِهَانَةِ الْخَمْرِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ طَهَارَتَهُ فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ وَلَوْ غُسِلَ بِالْخَلِّ فَتَخَلَّلَ مِنْ سَاعَتِهِ طَهُرَ لِلِاسْتِحَالَةِ وَكَذَا إذَا صُبَّ مِنْهُ الْخَمْرُ ثُمَّ مُلِئَ خَلًّا يَطْهُرُ فِي الْحَالِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ كَانَ الْخَلُّ فِيهِ حُمُوضَةٌ غَالِبَةٌ وَطَعْمُ الْمَرَارَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مَا لَمْ تَزُلْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَعِنْدَهُمَا يَحِلُّ وَاعْتُبِرَ الْغَالِبُ مِنْهَا وَلَوْ صُبَّ فِي الْمَرَقَةِ خَمْرٌ فَطُبِخَ لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّهُ تَنَجَّسَ قَبْلَ الطَّبْخِ فَلَا يَحِلُّ بِالطَّبْخِ وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ لِأَنَّهُ شَرِبَ الْمَرَقَ النَّجِسَ وَلَوْ عُجِنَ الدَّقِيقُ بِالْخَمْرِ صَارَ نَجِسًا.
[شُرْبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ شُرْبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ وَالِامْتِشَاطُ بِهِ) لِأَنَّ فِيهِ أَجْزَاءَ الْخَمْرِ فَكَانَ حَرَامًا نَجِسًا وَالِانْتِفَاعُ بِمِثْلِهِ حَرَامٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُدَاوِيَ بِهِ جُرْحًا وَلَا أَنْ يَسْقِيَ ذِمِّيًّا وَلَا صَبِيًّا، وَالْوَبَالُ عَلَى مَنْ سَقَاهُ وَكَذَا لَا يُسْقِيهِ الدَّوَابَّ وَقِيلَ لَا يَحْمِلُ الْخَمْرَ إلَى مَنْ يُفْسِدُهَا وَيُصَيِّرُهَا خَلًّا وَيَحْمِلُ مَا يُفْسِدُهَا إلَى الْخَمْرِ كَمَا لَا يَحْمِلُ الْمَيْتَةَ إلَى الْكَلْبِ وَكَذَا الدُّرْدِيُّ فِي الْخَلِّ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ خَلًّا لَكِنَّهُ يُبَاحُ حَمْلُ الْخَمْرِ إلَيْهِ لَا عَكْسُهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ إلَّا إذَا سَكِرَ) يَعْنِي لَا يُحَدُّ شَارِبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ إلَّا إذَا سَكِرَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُحَدُّ شَارِبُهُ سَكِرَ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ فِي الْخَمْرِ بِشُرْبِ قَطْرَةٍ وَفِي الدُّرْدِيِّ قَطَرَاتٌ، قُلْنَا وُجُوبُ الْحَدِّ لِلزَّجْرِ فِيمَا تَرْغَبُ النَّفْسُ فِيهِ وَتَمِيلُ إلَيْهِ وَالنَّفْسُ لَا تَرْغَبُ فِي شُرْبِ الدُّرْدِيِّ وَلَا تَمِيلُ إلَيْهِ فَكَانَ نَاقِصًا فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ فَلَا يُحَدُّ مَا لَمْ يَسْكَرْ وَدُرْدِيُّ الْخَمْرِ هُوَ التُّفْلُ وَيُكْرَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute