للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«وَكَانَ يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ» وَافْتِرَاشُهُمَا إلْقَاؤُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ قِيلَ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا صِفَةُ الْكَسْلَانِ وَالتَّهَاوُنِ بِحَالِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالسِّبَاعِ وَالْكِلَابِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ لِلنَّهْيِ الْمَذْكُورِ مِنْ غَيْرِ صَارِفٍ (قَوْلُهُ وَرَدُّ السَّلَامِ بِيَدِهِ) أَيْ بِالْإِشَارَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي بَيَانِ الْمُفْسِدَاتِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَالتَّرَبُّعُ بِلَا عُذْرٍ) لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةِ الْقُعُودِ فِي الصَّلَاةِ كَذَا عَلَّلَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَمَا قِيلَ فِي وَجْهِ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ جُلُوسُ الْجَبَابِرَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ جُلُّ قُعُودِهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ مَعَ أَصْحَابِهِ التَّرَبُّعَ وَكَذَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَتَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ السُّنَّةِ يُفِيدُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا إذْ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ خَاصٌّ لِيَكُونَ فِيهِ تَحْرِيمًا وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ بِلَا عُذْرٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ مَعَ الْعُذْرِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يُتْرَكُ مَعَ الْعُذْرِ فَالسُّنَّةُ أَوْلَى وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ يَتَرَبَّعُ فِي الصَّلَاةِ إذَا جَلَسَ فَفَعَلْتُهُ وَأَنَا يَوْمئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ فَنَهَانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ إنَّمَا سُنَّةُ الصَّلَاةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ الْيُمْنَى وَتُثْنِيَ الْيُسْرَى فَقُلْت إنَّك تَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ إنَّ رِجْلِي لَا يَحْمِلَانِي وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ عَائِشَةَ «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا» أَوْ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ ثُمَّ الْجُلُوسُ مُتَرَبِّعًا مَعْرُوفٌ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِالتَّرَبُّعِ لِأَنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الْجِلْسَةِ قَدْ رَبَّعَ نَفْسَهُ كَمَا يُرَبَّعُ الشَّيْءُ إذَا جُعِلَ أَرْبَعًا وَالْأَرْبَعُ هُنَا السَّاقَانِ وَالْفَخِذَانِ رَبَّعَهَا بِمَعْنَى أَدْخَلَ بَعْضَهَا تَحْتَ بَعْضٍ

[عَقْصُ شَعْرِ الرَّأْسِ فِي الصَّلَاةِ]

(قَوْلُهُ وَعَقْصُ شَعْرِهِ) أَيْ عَقْصُ شَعْرِ الرَّأْسِ فِيهَا بِمَعْنَى أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا ثُمَّ يَدْخُلُ كَذَلِكَ لِمَا رَوَى أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةٍ وَأَنْ لَا أَكُفَّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا» وَفِي الْعَقْصِ كَفُّهُ وَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ كُرَيْبٌ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ فَجَعَلَ يَحُلُّهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ مَالَكَ وَلِرَأْسِي قَالَ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّمَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ» وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ حِكْمَةُ النَّهْيِ عَنْهُ أَنَّ الشَّعْرَ يَسْجُدُ مَعَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ لِلنَّهْيِ الْمَذْكُورِ بِلَا صَارِفٍ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَتَعَمَّدَهُ لِلصَّلَاةِ أَوْ لَا وَهُوَ فِي اللُّغَةِ جَمْعُ الشَّعْرِ عَلَى الرَّأْسِ وَقِيلَ لَيُّهُ وَإِدْخَالُ أَطْرَافِهِ فِي أُصُولِهِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ فَقِيلَ أَنْ يَجْمَعَهُ وَسْطَ رَأْسِهِ ثُمَّ يَشُدَّهُ وَقِيلَ أَنْ يَلُفَّ ذَوَائِبَهُ حَوْلَ رَأْسِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ وَقِيلَ أَنْ يَجْمَعَهُ مِنْ قِبَلِ الْقَفَا وَيُمْسِكَهُ بِخَيْطٍ أَوْ خِرْقَةٍ وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيُكْرَهُ الِاعْتِجَارُ وَهُوَ لَفُّ الْعِمَامَةِ حَوْلَ رَأْسِهِ وَإِبْدَاءُ الْهَامَةِ كَمَا يَفْعَلُهُ الشُّطَّارُ اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ وَيُكْرَهُ الِاعْتِجَارُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْهُ وَهُوَ أَنْ يُكَوِّرَ عِمَامَتَهُ وَيَتْرُكَ وَسَطَ رَأْسِهِ مَكْشُوفًا كَهَيْئَةِ الْأَشْرَارِ وَقِيلَ أَنْ يَتَنَقَّبَ بِعِمَامَتِهِ فَيُغَطِّيَ أَنْفَهُ كَمِعْجَرِ النِّسَاءِ إمَّا لِأَجْلِ الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ أَوْ لِلتَّكَبُّرِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يُغَطِّي الرَّجُلُ أَنْفَهُ وَهُوَ يُصَلِّي اهـ وَفِي الْمُغْرِبِ وَتَفْسِيرُ مَنْ قَالَ هُوَ أَنْ يَلُفَّ الْعِمَامَةَ عَلَى رَأْسِهِ وَيُبْدِيَ الْهَامَةَ أَقْرَبُ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مِعْجَرِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ ثَوْبٌ كَالْعِصَابَةِ تَلُفُّهُ الْمَرْأَةُ عَلَى اسْتِدَارَةِ رَأْسِهَا اهـ.

وَالْمِعْجَرُ عَلَى وَزْنِ مِنْبَرٍ وَعَلَّلَ كَرَاهَةَ الِاعْتِجَارِ الْإِمَامُ الْوَلْوَالِجِيُّ بِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَفِيهَا أَوْلَى

(قَوْلُهُ وَكَفُّ ثَوْبِهِ) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ مِنْ خَلْفِهِ عِنْدَ الِانْحِطَاطِ لِلسُّجُودِ وَالْكَفُّ هُوَ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ وَلِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةِ الْيَدِ وَذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الِائْتِزَارَ فَوْقَ الْقَمِيصِ مِنْ الْكَفِّ اهـ.

فَعَلَى هَذَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَشْدُودَ الْوَسَطِ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَنَحْوِهِ أَيْضًا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْعَتَّابِيَّةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ صَنِيعُ

ــ

[منحة الخالق]

لِأَنَّ عُقْبَةَ الشَّيْطَانِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا أَيْضًا كَمَا مَرَّ فَيَكُونُ الْإِقْعَاءُ عَلَى تَفْسِيرِ الْكَرْخِيِّ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة أَوْ لَا إلَّا أَنْ يُوجَدَ صَارِفٌ لِلنَّهْيِ عَنْ التَّحْرِيمِ إلَى النَّدْبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>