الَّذِي نَهَى عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ وَالْكُلُّ مَكْرُوهٌ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْجِلْسَةِ الْمَسْنُونَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمُجْتَبَى زَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ قَوْلَهُ الصَّحِيحُ أَيْ كَوْنُ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ لَا أَنَّ مَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ غَيْرُ مَكْرُوهٍ بَلْ يُكْرَهُ ذَلِكَ أَيْضًا. اهـ.
وَالْعُقْبَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَالْعَقِبُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْقَافِ بِمَعْنَى الْإِقْعَاءِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا مَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ طَاوُسٍ قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ فَقَالَ هِيَ السُّنَّةُ فَقُلْت إنَّا نَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ فَقَالَ بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُقْعُونَ فَالْجَوَابُ الْمُحَقَّقُ عَنْهُ أَنَّ الْإِقْعَاءَ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْتَحَبٌّ أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ وَرُكْبَتَاهُ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ الْعَبَادِلَةِ وَالْمَنْهِيُّ أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ وَيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ اهـ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْإِقْعَاءَ بِنَوْعِيَّةِ مَكْرُوهٌ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَيْسَ لِأَئِمَّتِنَا وَإِنَّمَا هُوَ جَوَابُ الْبَيْهَقِيّ وَالنَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّك قَدْ عَلِمْت كَرَاهَتَهُ عِنْدَنَا بِنَوْعَيْهِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ إمَّا بِحَمْلِهِ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ إنْ ثَبَتَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ أَنَّهُ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بِحَمْلِهِ عَلَى كَوْنِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَوْ لِأَنَّ الْمَانِعَ وَالْمُبِيحَ إذَا تَعَارَضَا وَلَمْ يُعْلَمْ التَّارِيخُ كَانَ التَّرْجِيحُ لِلْمَانِعِ وَقَدْ فَسَّرَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ عَقِبَ الشَّيْطَانِ بِالْإِقْعَاءِ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ فَكَانَ مَانِعًا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَرَاهَتُهُ تَنْزِيهِيَّةً بِخِلَافِ النَّوْعِ الْمُتَّفَقِ عَلَى كَرَاهَتِهِ
(قَوْلُهُ وَافْتِرَاشُ ذِرَاعَيْهِ) لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
ــ
[منحة الخالق]
لَكِنْ نَقَلَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوَاهُ عَنْ لِسَانِ الْعَرَبِ وَالنِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ أَنْ عُقْبَةَ الشَّيْطَانِ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَدَمَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ اهـ.
مَعَ أَنَّ الْإِقْعَاءَ مَكْرُوهٌ فِي التَّشَهُّدَيْنِ أَيْضًا قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ بَيْنَ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ نَصَّ عَلَى كَرَاهَتِهِ مِنْ عُلَمَائِنَا الْكَرْخِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ ا. هـ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَيْسَ لِأَئِمَّتِنَا إلَخْ) يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوِيهِ وَأَمَّا نَصْبُ الْقَدَمَيْنِ وَالْجُلُوسُ عَلَى الْعَقِبَيْنِ فَمَكْرُوهٌ فِي جَمِيعِ الْجِلْسَاتِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ نَعْرِفُهُ إلَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ لَهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُوَطَّئِهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْلِسَ عَلَى عَقِبَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَلَكِنَّهُ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا كَجُلُوسِهِ فِي صَلَاتِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -
(قَوْلُهُ إمَّا بِحَمْلِهِ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ) يُنَافِيهِ قَوْلُهُ بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ وَحَمْلُهُ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ بَعِيدٌ لِقَوْلِهِ وَهُوَ سُنَّةُ نَبِيِّك - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ بِحَمْلِهِ عَلَى كَوْنِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ) جَزَمَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى خَارِجِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ مَا ذَكَرَ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْقُعُودُ فِي الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَوَضْعُ الْأَلْيَتَيْنِ عَلَى الْعَقِبَيْنِ فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ أَيْضًا لِمُخَالَفَةِ الْجُلُوسِ الْمَسْنُونِ وَهُوَ افْتِرَاشُ الرِّجْلِ الْيُسْرَى وَلَكِنْ يُفْهَمُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْإِقْعَاءَ بِنَصْبِ الرُّكْبَتَيْنِ مَكْرُوهٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَيْضًا وَلَا بُعْدَ فِيهِ لِأَنَّهُ جُلُوسُ الْجُفَاةِ بِخِلَافِ الِاحْتِبَاءِ إذْ لَيْسَ فِيهِ كَرَاهَةٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاحْتِبَاءِ وَالْإِقْعَاءِ أَنَّ الِاحْتِبَاءَ يَكُونُ بِشَدِّ الرُّكْبَتَيْنِ إلَى الظَّهْرِ عِنْدَ نَصْبِهِمَا بِيَدَيْهِ أَوْ بِثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ أَكْثَرُ جُلُوسِ أَشْرَافِ الْعَرَبِ اهـ
(قَوْلُهُ فَكَانَ مَانِعًا) أَيْ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبَيْهَقِيُّ مِمَّا يُفِيدُ إبَاحَتَهُ وَلَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ كَوْنَ الْمُرَادِ مِنْ الْإِقْعَاءِ هُوَ الْإِقْعَاءُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْكَرْخِيُّ مُخَالِفًا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِقْعَاءُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ مِنْ الْإِقْعَاءِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ حَدِيثِ عَقِبِ الشَّيْطَانِ فَلَا تَعَارُضَ حِينَئِذٍ فَلَا تَرْجِيحَ قُلْت وَلَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ وَقَدْ فَسَّرَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ إلَخْ لَاسْتَقَامَ الْجَوَابُ مِنْ غَيْرِ إيهَامٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبِيحِ مَا مَرَّ عَنْ مُسْلِمٍ وَالْبَيْهَقِيِّ وَبِالْمَانِعِ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ فَيَكُونُ مُرَجَّحًا عَلَى الْمُبِيحِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ هُوَ الْإِقْعَاءُ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَإِنَّمَا كَانَتْ تَنْزِيهِيَّةً عَلَى الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَيْسَ بِإِقْعَاءٍ وَإِنَّمَا الْكَرَاهَةُ لِتَرْكِ الْجِلْسَةِ الْمَسْنُونَةِ كَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ فُسِّرَ الْإِقْعَاءُ بِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ تَعَاكَسَتْ الْأَحْكَامُ. اهـ.
قُلْت لَا يَخْفَى عَلَيْك مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْفِعْلَيْنِ يُسَمَّى إقْعَاءً وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْمُرَادِ فِي الْحَدِيثِ مِنْهُمَا كَمَا مَرَّ فَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا كَانَتْ تَنْزِيهِيَّةً عَلَى الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَيْسَ بِمُرَادٍ فِي الْحَدِيثِ أَيْ فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ النَّهْيِ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِتَرْكِ الْجِلْسَةِ الْمَسْنُونَةِ فَتَكُونُ تَنْزِيهِيَّةً بِخِلَافِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَهِيَ فِيهِ تَحْرِيمِيَّةٌ لِوُجُودِ النَّهْيِ وَتَرْكِ الْجِلْسَةِ الْمَسْنُونَةِ وَلَوْ أُرِيدَ بِالْإِقْعَاءِ فِي الْحَدِيثِ الْإِقْعَاءُ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ كَانَ هُوَ الْمَكْرُوهُ تَحْرِيمًا لِوُجُودِ الْأَمْرَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَكَانَ الْأَوَّلُ مَكْرُوهًا تَنْزِيهًا لِعَدَمِ النَّهْيِ وَبُعْدُ هَذَا فِيهِ بَحْثٌ أَيْضًا لِأَنَّ عَقِبَ الشَّيْطَانِ هُوَ الْإِقْعَاءُ عَلَى تَفْسِيرِ الْكَرْخِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْمُغْرِبِ فَقَدْ وُجِدَ فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ أَيْضًا