للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّهَادَةِ حَتَّى تُعَادَ. اهـ.

وَقَدْ ذَكَرُوا هُنَا أَنَّ مِمَّا يُبْطِلُ كِتَابَهُ فِسْقُهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ عَدْلًا فَفَسَقَ عِنْدَ الْبَعْضِ (قَوْلُهُ وَبِمَوْتِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إلَّا إذَا كَتَبَ بَعْدَ اسْمِهِ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ يَبْطُلُ الْكِتَابُ؛ لِأَنَّ الْكَاتِبَ اعْتَمَدَهُ إلَّا إذَا عَمَّمَ لِاعْتِمَادِهِ الْكُلَّ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ اسْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَمَّمَ ابْتِدَاءً لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ أَحَدٌ وَأَجَازَهُ أَبُو يُوسُفَ حِينَ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ تَسْهِيلًا لِلْأَمْرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ.

(قَوْلُهُ لَا بِمَوْتِ الْخَصْمِ) أَيْ لَا يَبْطُلُ الْكِتَابُ بِمَوْتِ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّ وَارِثَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُدَّعِيَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ تَارِيخُ الْكِتَابِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَطْلُوبِ أَوْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ وَارِثَ الْمَطْلُوبِ وَالْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ قَيَّدَ بِمَوْتِ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ حَضْرَتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ تُبْطِلُ كِتَابَتَهُ فَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ أُولَئِكَ حَتَّى يَشْهَدُوا عِنْدَهُ بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَلَوْ رَدَّدَ بَيْنَ قَاضِيَيْنِ كَتَبَ إلَى فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ صَحَّ وَشَرَحَهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْخَصَّافِ وَسَيَأْتِي بَعْدُ.

(فُرُوعٌ) يَجُوزُ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ كَمَا جَازَ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ وَلَوْ كَتَبَ الْقَاضِي إلَى الْأَمِيرِ الَّذِي وَلَّاهُ أَصْلَحَ اللَّهُ أَمْرَ الْأَمِيرِ ثُمَّ قَصَّ الْقِصَّةَ وَهُوَ مَعَهُ فِي الْمِصْرِ فَجَاءَ بِهِ ثِقَةٌ يَعْرِفُهُ الْأَمِيرُ فَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّ لِلْأَمِيرِ إمْضَاءَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ وَلَا يَلِيقُ بِالْقَاضِي أَنْ يَأْتِيَ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ إلَى الْأَمِيرِ لِيُخْبِرَهُ وَشَرْطُنَا فِيهِ شَرْطُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ سَمِعَ الْخَصْمُ بِوُصُولِ كِتَابِ الْقَاضِي الْبَلْدَةَ فَهَرَبَ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى كَانَ لِلْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ إلَى قَاضِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ بِمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ مِنْ كِتَابِ الْقَاضِي فَكَمَا جَوَّزْنَا لِلْأَوَّلِ الْكِتَابَةَ جَوَّزْنَا لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ وَهَلُمَّ جَرًّا

لِلْحَاجَةِ

وَلَوْ كَتَبَ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ حَتَّى رَجَعَ الْخَصْمُ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ شُهُودِ الْكِتَابِ بَلْ يُعِيدُ الْمُدَّعِي شَهَادَتَهُمْ وَيَكْتُبُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ كَالْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ وَالتَّفَاوُتُ هُنَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ بِالْعِلْمِ الْحَاصِلِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَإِذَا أَقَامَ شَاهِدًا عِنْدَ الْقَاضِي وَسَأَلَ الْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ بِذَلِكَ كِتَابًا إلَى قَاضٍ آخَرَ فَعَلَ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ شَاهِدٌ فِي مَحَلِّ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكِتَابَةَ بِعِلْمِهِ كَالْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْخَصَّافِ.

(قَوْلُهُ وَتَقْضِي الْمَرْأَةُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ) ؛ لِأَنَّهَا أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي غَيْرِهِمَا فَكَانَتْ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ لَكِنْ يَأْثَمُ الْمُوَلِّي لَهَا لِلْحَدِيثِ «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَصْلُحُ شَاهِدَةً وَنَاظِرَةً فِي الْأَوْقَافِ وَوَصِيَّةً عَلَى الْيَتَامَى اهـ.

فَظَاهِرُهُ صِحَّةُ تَقْرِيرِهَا فِي النَّظَرِ وَالشَّهَادَةِ فِي الْأَوْقَافِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَقَدْ أَفْتَيْت فِيمَنْ شَرَطَ الشَّهَادَةَ فِي وَقْفِهِ لِفُلَانٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ فَمَاتَ وَتَرَكَ بِنْتًا أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ وَظِيفَةَ الشَّهَادَةِ وَاسْتَغْرَبَهُ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ بَعْدَمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا سَلْطَنَتُهَا فَصَحِيحَةٌ وَقَدْ وَلِيَ مِصْرَ امْرَأَةٌ تُسَمَّى شَجَرَةُ الدُّرِّ جَارِيَةُ الْمَلِكِ الصَّالِحِ بْنِ أَيُّوبَ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَضَتْ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَرَفَعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَمْضَاهُ لَيْسَ

ــ

[منحة الخالق]

[يَبْطُلُ كِتَاب الْقَاضِي إلَيَّ الْقَاضِي بِمَوْتِ الْكَاتِبِ وَعَزْلِهِ]

(قَوْلُهُ وَشَرْطُنَا فِيهِ شَرْطُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) فِيهِ اخْتِصَارٌ مُخِلٌّ فَإِنَّ عِبَارَةَ الْفَتْحِ هَكَذَا وَلَمْ يَجْرِ الرَّسْمُ فِي مِثْلِهِ مِنْ مِصْرٍ إلَى مِصْرٍ فَشَرْطُنَا هُنَاكَ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي اهـ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ إذَا كَانَ الْأَمِيرُ فِي مِصْرٍ غَيْرِ مِصْرِ الْقَاضِي.

(قَوْلُهُ وَقَدْ أَفْتَيْت فِيمَنْ شَرَطَ الشَّهَادَةَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَأَنَّهُ عَلَّقَ فِي الْفَتْحِ قَوْلَهُ فِي الْأَوْقَافِ بِشَهَادَةٍ وَعِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ صَاحِبَ الْفَتْحِ إنَّمَا اسْتَظْهَرَ بِهَذَا عَلَى عَدَمِ سَلْبِ وِلَايَتِهَا مَعَ نُقْصَانِ عَقْلِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ صَلَاحِيَّتَهَا شَاهِدَةٌ فِي الْأَمْوَالِ اتِّفَاقًا فِيهِ إثْبَاتُ وِلَايَتِهَا وَالْقَضَاءُ أَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ وَلَوْ عَلَّقَ فِي الْأَوْقَافِ بِشَاهِدَةٍ لَقَصُرَ عَنْ إفَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْأَوَّلُ لِمَنْ تَأَمَّلَ وَبِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَعُرْفُ الْوَاقِفِينَ مُرَاعًى وَلَمْ يَتَّفِقْ تَقْرِيرُ أُنْثَى شَاهِدَةً فِي وَقْفٍ فِي زَمَنٍ مَا فِيمَا عَلِمْنَا فَوَجَبَ صَرْفُ أَلْفَاظِهِ إلَى مَا تَعَارَفُوهُ وَإِذَا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِ وَاقِفٍ وَلَمْ يَسِرْ ذِهْنُهُ إلَيْهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ مِنْ الشَّاهِدِ الْكَامِلَ فَكَيْفَ يُصْرَفُ لَفْظُهُ إلَى غَيْرِ مُرَادِهِ وَقَدْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَبْدُ الْبَرِّ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ يَنْبَغِي تَرْجِيحُ رِوَايَةِ دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ؛ لِأَنَّ عُرْفَهُمْ عَلَيْهِ لَا يَعْرِفُونَ غَيْرَهُ وَلَا يَسْرِي إلَى أَذْهَانِهِمْ غَالِبًا سِوَاهُ فَاعْتُبِرَ عُرْفُهُمْ وَقَالَ فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ يَنْبَغِي أَنْ تُصَحَّحَ رِوَايَةُ دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ أَيْضًا قَطْعًا؛ لِأَنَّ فِيهَا نَصُّ مُحَمَّدٍ عَنْ أَصْحَابِنَا وَقَدْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَا يَفْهَمُونَ سِوَى ذَلِكَ وَلَا يَقْصِدُونَ غَيْرَهُ وَعَلَيْهِ عَمَلُهُمْ وَعُرْفُهُمْ اهـ.

وَهَذَا بُرْهَانٌ بَيِّنٌ لِمَا ادَّعَيْنَاهُ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِمُقْتَضَاهُ وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَتَقْرِيرُهَا فِي شَهَادَةِ وَقْفٍ ابْتِدَاءً غَيْرُ صَحِيحٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ اهـ.

وَذَكَرَ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ مُوَافَقَةَ مَا فِي النَّهْرِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ مَا نَصُّهُ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْأَوْقَافِ مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا لَا بِنَاظِرَةٍ فَقَطْ، وَأَمَّا قَوْلُ الْمَقْدِسِيَّ فَالْمُتَعَارَفُ فِي الْأَوْقَافِ خِلَافُ هَذَا فَلَا يَمْنَعُ كَوْنَهَا أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ وَقَوْلُ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ شَهَادَتَهَا فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ جَائِزٌ فَكَذَا قَضَاؤُهَا صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ تَقْرِيرِهَا فِي الْأَوْقَافِ اهـ.

كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ قُلْتُ: كَلَامُ الْأَصْحَابِ يُفِيدُ صِحَّةَ تَقْرِيرِهَا شَاهِدَةً ابْتِدَاءً خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ، وَأَمَّا إفَادَتُهُ لِدُخُولِهَا فِي الْوَاقِعَةِ الْمُسْتَفْتَى عَنْهَا فَغَيْرُ ظَاهِرٍ وَهَذَا هُوَ الْإِنْصَافُ لِمَنْ تَأَمَّلَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>