لَهُ وَصِيٌّ فَالْحَاكِمُ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَرْضٍ ثُمَّ حَفَرَهَا فَهَذَا رُجُوعٌ، وَإِنْ زَرَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَهُوَ رُجُوعٌ، وَإِنْ زَرَعَهَا حِنْطَةً فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ لِأَنَّ حَفْرَ الْكَرْمِ وَغَرْسَ الْأَشْجَارِ لِلِاسْتِدَامَةِ وَالِاسْتِقْرَارِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِلرُّجُوعِ عَنْ بَعْضِ الْوَصِيَّةِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ قَالَ أَوْصَيْت بِهَذِهِ الْأَلْفِ لِفُلَانٍ فَقَدْ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ مِنْهَا بِمِائَةٍ فَلَيْسَ هَذَا بِرُجُوعٍ فَالْمِائَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ تِسْعُمِائَةٍ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ عَطْفَ الْوَصِيَّةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى فِي الْمِائَةِ، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ مَعَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِيمَا عَطَفَ، وَإِنَّمَا عَطَفَ فِي الْمِائَةِ فَيُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا فِي الْمِائَةِ، وَلَوْ قَالَ قَدْ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ بِأَلْفٍ إلَّا بِمِائَةٍ لِأَحَدِهِمَا فَالْمِائَةُ لِهَذَا، وَالتِّسْعُمِائَةِ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَكَذَا هَذَا فِي الْإِقْرَارِ، وَقَدْ مَرَّتْ فِي الْإِقْرَارِ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ قَالَ قَدْ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِمَا أَحَبَّ مِنْ ثُلُثِهِ فَإِنْ أَحَبَّ الثُّلُثَ كُلَّهُ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ أَحَبَّ كُلَّهُ إلَّا دِرْهَمًا ضُرِبَ لَهُ بِالثُّلُثِ إلَّا دِرْهَمًا لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَى الْأَوَّلِ إرَادَةَ الْوَصِيَّةِ لِلثَّانِي فَمَا أَرَادَهُ الْأَوَّلُ، وَأَحَبَّهُ يَكُونُ لِلثَّانِي إلَّا إذَا أَرَادَ كُلَّهُ يَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِهَذَا، وَبِالثُّلُثِ لِهَذَا فَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِمَا يَأْتِي فَكَذَا هَذَا،.
وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ فَهُوَ لِفُلَانٍ كَانَ رُجُوعًا لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ لِأَنَّ الْمَحِلَّ يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ، وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لَهَا، وَكَذَا إذَا قَالَ بِهَا فَهُوَ لِفُلَانٍ وَارِثِي يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ، وَيَكُونُ وَصِيَّةً لِلْوَارِثِ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ إنْ أَجَازَتْهُ الْوَرَثَةُ، وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ الْآخَرُ مَيِّتًا حِينَ أَوْصَى فَالْوَصِيَّةُ الْأُولَى عَلَى حَالِهَا لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ الْأُولَى إنَّمَا تَبْطُلُ ضَرُورَةً كَوْنُهَا لِلثَّانِي فَلَمْ تَكُنْ فَبَقِيَ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ، وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ حِينَ قَالَ ذَلِكَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَهُوَ لِلْوَارِثِ لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى بِالرُّجُوعِ، وَالثَّانِيَةِ بِالْمَوْتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَرَاجِعْهُ.
[بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ]
لَمَّا كَانَ أَقْصَى مَا يَدُورُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ الْوَصَايَا عِنْدَ عَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ ثُلُثَ الْمَالِ ذَكَرَ تِلْكَ الْمَسَائِلَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا فِي هَذَا الْبَابِ بَعْدَ ذِكْرِ مُقَدِّمَاتِ هَذَا الْكِتَابِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْغَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْصَى لِهَذَا بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَثُلُثُهُ لَهُمَا) أَيْ إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّتَيْنِ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ ثُلُثَ الْمَالِ يَضِيقُ عَنْ حَقِّهِمَا إذْ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ، وَقَدْ تَسَاوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْمَحَلُّ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ فَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَاءِ حَقِّهِمَا، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ.
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسَيْفٍ قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَلِآخَرَ بِسُدُسِ مَالِهِ، وَلَيْسَ لَهُ سِوَى السَّيْفِ وَخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَقْدًا وَعُرُوضِهَا فَمَا فَضَلَ عَلَى سُدُسِ السَّيْفِ فَهُوَ لِصَاحِبِهِ، وَالسُّدُسُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ السُّدُسِ نِصْفَانِ، وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ سُدُسُ الْخَمْسِمِائَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا السَّيْفُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةٍ لِصَاحِبِ السُّدُسِ سُبُعُهُ أَمَّا تَخْرِيجُ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي السَّيْفِ عِنْدَهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّهُ عَيْنٌ شَائِعٌ فَلَا يَكُونُ مُلْحَقًا بِالْمِيرَاثِ فَنَقُولُ اجْتَمَعَ فِي السَّيْفِ وَصِيَّتَانِ وَصِيَّةٌ بِالثُّلُثِ، وَوَصِيَّةٌ بِالسُّدُسِ فَاجْعَلْ السَّيْفَ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ وَلَا مُنَازَعَةَ لِصَاحِبِ السُّدُسِ فِيمَا زَادَ فِيهِ، وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ تُسَلَّمُ لِلْمُوصَى لَهُ بِلَا مُنَازَعَةٍ بَقِيَ سَهْمٌ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِنْ كَسَرَهُ بِالنِّصْفِ فَأَضْعَفَ حَتَّى يَزُولَ الْكَسْرُ فَأَمَّا التَّخْرِيجُ لَهُمَا فَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ عِنْدَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ فَيَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ بِسِتَّةٍ، وَيَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِالسُّدُسِ بِسَهْمٍ فَصَارَ السَّيْفُ عَلَى سَبْعَةٍ، وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِآخَرَ مَعَ هَذَا، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَصَاحِبُ السُّدُسِ فِي الثُّلُثِ بِسُدُسٍ خَمْسُمِائَةٍ وَثُلُثِ سُدُسِ السَّيْفِ، وَصَاحِبُ السَّيْفِ بِخَمْسَةِ أَسْدَاسِ السَّيْفِ إلَّا سُدُسَ سَبْعَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي السَّيْفِ ثَلَاثُ وَصَايَا وَصِيَّةٌ بِالْكُلِّ، وَوَصِيَّةٌ بِالثُّلُثِ، وَوَصِيَّةٌ بِالسُّدُسِ فَاجْعَلْ السَّيْفَ عَلَى سِتَّةٍ فَلَا مُنَازَعَةَ لِأَحَدٍ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فَسَلَّمَ لِصَاحِبِ السَّيْفِ بَقِيَ سَهْمَانِ لَا مُنَازَعَةَ لِصَاحِبِ السُّدُسِ فِيمَا زَادَ عَلَى سَهْمٍ وَاحِدٍ يَدَّعِيهِ صَاحِبُ السَّيْفِ.
وَصَاحِبُ الثُّلُثِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَانْكَسَرَ الْحِسَابُ بِالنِّصْفِ فَأَضْعَفَ حَتَّى يَزُولَ الْكَسْرُ فَصَارَ السَّيْفُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ لِصَاحِبِ السَّيْفِ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ ضِعْفِيَّةٌ فَصَارَ تِسْعَةً، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ نِصْفُ سَهْمٍ ضِعْفِيَّةٌ بَقِيَ سَهْمَانِ اسْتَوَتْ مُنَازَعَةُ الْكُلِّ فِيهِمَا فَيَكُونُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا فَانْكَسَرَ بِالْأَثْلَاثِ فَاضْرِبْ اثْنَيْ عَشَرَ فِي ثَلَاثَةٍ فَيَصِيرُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute