للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تَكْمِلَة الْبَحْر الرَّائِق للطوري] [كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْإِجَارَةِ.

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ تَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ الْهِبَةُ شَرَعَ فِي بَيَانِ تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ وَهُوَ الْإِجَارَةُ وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَنَافِعِ؛ وَلِأَنَّ الْأَوْلَى فِيهَا عَدَمُ الْعِوَضِ، وَالثَّانِيَةُ فِيهَا الْعِوَضُ وَالْعَدَمُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوُجُودِ، ثُمَّ لِعَقْدِ الْإِجَارَةِ مُنَاسَبَةٌ خَاصَّةٌ بِفِعْلِ الصَّدَقَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا يَقَعَانِ لَازِمَيْنِ فَلِذَلِكَ أَوْرَدَ كِتَابَ الْإِجَارَةِ مُتَّصِلًا بِفِعْلِ الصَّدَقَةِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَإِنَّمَا جَمَعَهَا إشَارَةً إلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ وَذَاتُ أَفْرَادِ فَإِنَّ لَهَا نَوْعَيْنِ: نَوْعٌ يَرِدُ عَلَى الْأَعْيَانِ كَاسْتِئْجَارِ الدُّورِ وَالْأَرَاضِي، وَنَوْعٌ يَرِدُ عَلَى الْعَمَلِ كَاسْتِئْجَارِ الْمُحْتَرِفِينَ لِلْأَعْمَالِ نَحْوُ الْخِيَاطَةِ وَالْقِصَارَةِ اهـ.

وَسَيُبَيِّنُ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِبَيَانِ الْمُدَّةِ، وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالتَّسْمِيَةِ وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالتَّعْيِينِ وَالْإِشَارَةِ، وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ كِتَابُ الْإِيجَارِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الَّذِي يُعْرَفُ هُوَ الْإِيجَارُ الَّذِي هُوَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ لَا الْإِجَارَةُ الَّتِي هِيَ الْأُجْرَةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

(هِيَ بَيْعُ مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ) فَقَوْلُهُ بَيْعُ جِنْسٍ يَشْمَلُ بَيْعَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ جِنْسًا كَمَا يَكُونُ مَدْخَلًا يَكُونُ مَخْرَجًا كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْمَعْقُولَاتِ فَخَرَجَ بِهِ الْعَارِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ وَالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْبُضْعِ لَيْسَ بِمَنْفَعَةٍ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَنْفَعَةُ بَيْعِ الْعَيْنِ وَقَوْلُهُ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ تَمَامُ التَّعْرِيفِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ بَيْعَ مَصْدَرُ بَاعَ وَالْمَصْدَرُ هُوَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالذَّاتِ وَجَازَ أَنْ يُرَادَ بِهِ اسْمُ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الْمَبِيعُ. وَسَوَاءٌ أُرِيدَ الْمَصْدَرُ أَوْ اسْمُ الْمَفْعُولِ لَا يَصْلُحُ مَا ذُكِرَ تَعْرِيفًا لِلْإِيجَابِ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ وَالِارْتِبَاطَ غَيْرُ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَاسْمِ الْمَفْعُولِ فَهَذَا تَعْرِيفٌ بِبَعْضِ الْخَوَاصِّ، وَلَوْ أَرَادَ التَّعْرِيفَ بِالْحَقِيقَةِ لَقَالَ هُوَ عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى بَيْعٍ إلَى آخِرِهِ، وَاحْتُرِزَ بِذِكْرِ الْمَعْلُومِ عَمَّا إذَا اشْتَمَلَ الْعَقْدُ عَلَى بَيْعٍ مَعْلُومٍ وَأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَشَيْءٍ مَجْهُولٍ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا مِائَةً مَعْلُومَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَطَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْجَهَالَةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْلِكَ الرَّقَبَةَ، وَلَوْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>