للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَقْدَ يَتَكَرَّرُ عِنْدَهُ بِتَكْرَارِ اللَّفْظِ وَعِنْدَهُمَا بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ حَتَّى لَوْ قَالَ اعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَأَعْطِنِي بِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً جَازَ فِي الْفُلُوسِ وَبَطَلَ فِي الْفِضَّةِ بِالْإِجْمَاعِ فَهُنَا صُوَرٌ الْأُولَى مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ أَعْطِنِي بِهِ نِصْفَ دِرْهَمِ فُلُوسٍ وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً صَحَّ اتِّفَاقًا الثَّانِيَةُ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً فَسَدَ فِي الْكُلِّ عِنْدَهُ وَفِي الْفِضَّةِ فَقَطْ عِنْدَهُمَا، الثَّالِثَةُ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَأَعْطِنِي بِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً جَازَ فِي الْفُلُوسِ فَقَطْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْقَبْضَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا قَدَّمَهُ وَحَاصِلُهُ إنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَدَ فِي النِّصْفِ إلَّا حَبَّةً لِكَوْنِهِ صَرْفًا لَاقَى الْفُلُوسَ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ فَيَكْفِي قَبْضُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ وَلَوْ لَمْ يُعْطِهِ الدِّرْهَمَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْفُلُوسَ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ فِي الْكُلِّ لِلِافْتِرَاقِ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَقَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الْفُلُوسِ فِي بَابِ الرِّبَا وَهَذَا الْبَابِ، وَإِلَى هُنَا ظَهَرَ أَنَّ الْأَمْوَالَ ثَلَاثَةٌ ثَمَنٌ بِكُلِّ حَالٍ وَهُوَ النَّقْدَانِ صَحِبَهُ الْبَاءُ أَوْ لَا قُوبِلَ بِجِنْسِهِ أَوْ لَا وَمَبِيعٌ بِكُلِّ حَالٍ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ كَالْمِثْلِيَّاتِ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فِي الْعَقْدِ كَانَ مَبِيعًا وَإِلَّا وَصَحِبَهُ الْبَاءُ وَقُوبِلَ بِمَبِيعٍ فَهُوَ ثَمَنٌ وَثَمَنٌ بِاصْطِلَاحٍ وَهُوَ سِلْعَةٌ فِي الْأَصْلِ كَالْفُلُوسِ فَإِنْ كَانَتْ رَائِجَةً فَهِيَ ثَمَنٌ وَإِلَّا فَسِلْعَةٌ وَمِنْ حُكْمِ الثَّمَنِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ وُجُودِهِ فِي مِلْكِ الْعَاقِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِهِ وَيَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَحُكْمُ الْمَبِيعِ خِلَافُهُ فِي الْكُلِّ وَمِنْ حُكْمِهَا وُجُوبُ التَّسَاوِي عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ إلَى آخِرِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الرِّبَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(كِتَابُ الْكَفَالَةِ) ذَكَرَهَا عَقِبَ الْبُيُوعِ؛ لِأَنَّهَا غَالِبًا تَكُونُ بِالثَّمَنِ أَوْ بِالْمَبِيعِ وَمُنَاسَبَتُهَا لِلصَّرْفِ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ آخِرًا عِنْدَ الرُّجُوعِ مُعَاوَضَةً عَمَّا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مِنْ الْإِثْمَانِ وَقَدَّمَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْبُيُوعِ وَالْكَلَامُ فِيهَا فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهَا لُغَةً قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ كَفَلْت بِالْمَالِ وَبِالنَّفْسِ كِفْلًا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَكُفُولًا أَيْضًا، وَالِاسْمُ الْكَفَالَةُ وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ سَمَاعًا مِنْ الْعَرَبِ مِنْ بَابَيْ تَعِبَ وَقَرُبَ وَحَكَى ابْنُ الْقَطَّاعِ كَفَلْت وَكَفَلْت بِهِ وَعَنْهُ إذَا تَحَمَّلْت بِهِ وَيَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولٍ ثَانٍ بِالتَّضْعِيفِ وَالْهَمْزَةِ فَيُحْذَفُ الْحَرْفُ فِيهِمَا وَقَدْ يَثْبُت مَعَ الْمُثْقَلِ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ تَكَفَّلْت بِالْمَالِ الْتَزَمْت بِهِ وَأَلْزَمْته نَفْسِي، وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ تَحَمَّلْت بِهِ، وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ كَفَلْت بِهِ كِفْلَةً وَكَفَلْت عَنْهُ بِالْمَالِ لِغَرِيمِهِ حُقُوقٌ بَيْنَهُمَا وَكَفَلْت الرَّجُلَ وَالصَّغِيرَ مِنْ بَابِ قَتَلَ كَفَالَةً أَيْضًا عُلْته وَقُمْت بِهِ وَيَتَعَدَّى بِالتَّضْعِيفِ إلَى مَفْعُولٍ ثَانٍ يُقَالُ كَفَلْت زَيْدًا الصَّغِيرَ وَالْفَاعِلُ مِنْ كَفَالَةِ الْمَالِ كَفِيلٌ بِهِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَكَافِلٌ أَيْضًا مِثْلُ ضَمِينٌ وَضَامِنٌ وَفَرَّقَ اللَّيْثِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ الْكَفِيلُ الضَّامِنُ وَالْكَافِلُ هُوَ الَّذِي يَعُولُ إنْسَانًا وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَالْكِفْلُ وِزَانُ حِمْلٍ الضِّعْفُ مِنْ الْأَجْرِ أَوْ الْإِثْمِ وَالْكَفَلُ بِفَتْحَتَيْنِ الْعَجُزُ. اهـ.

وَفِي الْمُغْرِبِ الْكَفِيلُ الضَّامِنُ وَتَرْكِيبُهُ دَالٌّ عَلَى الضَّمِّ وَالتَّضَمُّنِ وَالْكَفَالَةُ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي حَقِّ الْمُطَالَبَةِ اهـ.

الثَّانِي: فِي مَعْنَاهَا شَرْعًا قَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْأَصَحِّ بِقَوْلِهِ (هِيَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ) الضَّمُّ الْجَمْعُ وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ جَعَلَ الضَّمَانَ مُشْتَقًّا مِنْ الضَّمِّ وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ جِهَةِ الِاشْتِقَاقِ؛ لِأَنَّ نُونَ الضَّمَانِ أَصْلِيَّةٌ وَالضَّمَّ لَا نُونَ فِيهِ فَهُمَا مَادَّتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالذِّمَّةُ الْعَهْدُ وَالْأَمَانُ وَالضَّمَانُ، وَقَوْلُهُمْ فِي ذِمَّتِي كَذَا أَيْ فِي ضَمَانِي وَالْجَمْعُ ذِمَمٌ مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٌ، كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَقَالَ الْأُصُولِيُّونَ: إنَّ الْآدَمِيَّ يُولَدُ وَلَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِلْوُجُوبِ لَهُ وَعَلَيْهِ وَفِي التَّحْرِيرِ وَالذِّمَّةُ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ بِهِ

ــ

[منحة الخالق]

الْخِلَافَ فِي رَدِّ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَرْضُ الَّذِي كَسَدَ مِمَّا غَلَبَ غِشُّهُ، وَانْظُرْ حُكْمَ مَا إذَا اقْتَرَضَ مِنْ فِضَّةٍ خَالِصَةٍ أَوْ غَالِبَةٍ أَوْ مُسَاوِيَةٍ لِلْغِشِّ ثُمَّ كَسَدَتْ هَلْ هُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ أَوْ يَجِبُ رَدُّ الْمِثْلِ بِالِاتِّفَاقِ أَبُو السُّعُودِ.

[أَعْطَى صَيْرَفِيًّا دِرْهَمًا فَقَالَ أَعْطِنِي بِهِ نِصْفَ دِرْهَمِ فُلُوسٍ وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً]

(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ قَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية لَكِنْ قَالُوا فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَعْطِنِي مُسَاوَمَةً كَلَفْظِ بِعْنِي وَبِالْمُسَاوِمَةِ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ فَكَيْفَ يَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِهِ وَلَعَلَّ الْوَجْهَ أَنْ يُقَالَ تَكْرَارُ أَعْطِنِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَقْصُودَهُ تَفْرِيقُ الْعَقْدِ فَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُمَا عَقَدَا عَقْدَيْنِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ.

[كِتَابُ الْكَفَالَةِ]

<<  <  ج: ص:  >  >>