للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضُّحَى يَوْمَ الْعِيدِ صَلَّيْنَ بَعْدَمَا يُصَلِّي الْإِمَامُ فِي الْجَبَّانَةِ اهـ.

وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ حَالِ الْإِنْسَانِ، وَأَمَّا الْعَوَامُّ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ تَكْبِيرٍ قَبْلَهَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ الْعَامَّةُ مِنْ ذَلِكَ لِقِلَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرَاتِ اهـ.

وَكَذَا فِي التَّنَفُّلِ قَبْلَهَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ سُئِلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ كَسَالَى الْعَوَامّ يُصَلُّونَ الْفَجْرَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَفَنَزْجُرهُمْ عَنْ ذَلِكَ قَالَ لَا؛ لِأَنَّهُمْ إذَا مُنِعُوا عَنْ ذَلِكَ تَرَكُوهَا أَصْلًا وَأَدَاؤُهَا مَعَ تَجْوِيزِ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَهَا أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا أَصْلًا اهـ.

(قَوْلُهُ وَوَقْتُهَا مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى زَوَالِهَا) أَمَّا الِابْتِدَاءُ فَلِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الْعِيدَ وَالشَّمْسُ عَلَى قِيدِ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ» ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ بِمَعْنَى قَدْرٍ وَأَمَّا الِانْتِهَاءُ فَلِمَا فِي السُّنَنِ «أَنَّ رَكْبًا جَاءُوا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا وَإِذَا أَصْبَحُوا يَغْدُونَ إلَى مُصَلَّاهُمْ» ، وَلَوْ جَازَ فِعْلُهَا بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّأْخِيرِ إلَى الْغَدِ مَعْنًى وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ بِمَعْنَى لَا تَكُونُ صَلَاةَ عِيدٍ بَلْ نَفْلٌ مُحَرَّمٌ، وَلَوْ زَالَتْ الشَّمْسُ، وَهُوَ فِي أَثْنَائِهَا فَسَدَتْ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ صَرَّحَ بِهِ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي إدْخَالُهُ فِي الْمَسَائِلِ الِاثْنَى عَشْرِيَّةَ لِمَا أَنَّهَا كَالْجُمُعَةِ، وَقَدْ أَغْفَلُوهَا عَنْ ذِكْرِهَا وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ صَلَاةِ الْأَضْحَى لِتَعْجِيلِ الْأَضَاحِيّ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ بَعْدَ ارْتِفَاعِ قَدْرِ رُمْحٍ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إلَى انْتِظَارِ الْقَوْمِ، وَفِي عِيدِ الْفِطْرِ يُؤَخَّرُ الْخُرُوجُ قَلِيلًا «كَتَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَجِّلْ الْأَضْحَى وَأَخِّرْ الْفِطْرَ» قِيلَ لِيُؤَدِّيَ الْفِطْرَةَ وَيُعَجِّلَ الْأُضْحِيَّةَ.

(قَوْلُهُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُثْنِيًّا قَبْلَ الزَّوَائِدِ) أَمَّا كَوْنُهَا رَكْعَتَيْنِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا كَوْنُ الثَّنَاءِ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ فَلِأَنَّهُ شُرِعَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا يُقَدَّمُ عَلَى سَائِرِ الْأَفْعَالِ وَالْأَذْكَارِ (قَوْلُهُ وَهِيَ ثَلَاثٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) أَيْ الزَّوَائِدُ ثَلَاثُ تَكْبِيرَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِهِ أَخَذَ أَئِمَّتُنَا أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَأَمَّا مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - خَمْسٌ فِي الْأُولَى وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ أَرْبَعٌ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ وَالْأَئِمَّةُ فِي زَمَانِنَا يُكَبِّرُونَ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ شَرَطُوا عَلَيْهِمْ ذَلِكَ اهـ.

فَلَيْسَ مَذْهَبًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ امْتِثَالًا لِأَمْرِ هَارُونَ الرَّشِيدِ قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَمَّا انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى بَنِي الْعَبَّاسِ أَمَرُوا النَّاسَ بِالْعَمَلِ فِي التَّكْبِيرَاتِ بِقَوْلِ جَدِّهِمْ وَكَتَبُوا ذَلِكَ فِي مَنَاشِيرِهِمْ وَهَذَا تَأْوِيلُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَدِمَ بَغْدَادَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْعِيدِ وَخَلْفَهُ هَارُونُ الرَّشِيدُ فَكَبَّرَ تَكْبِيرَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَارُونَ أَمَرَهُ أَنْ يُكَبِّرَ تَكْبِيرَ جَدِّهِ فَفَعَلَهُ امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ وَأَمَّا مَذْهَبُهُ فَهُوَ عَلَى تَكْبِيرِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ وَرَفْعَ الْأَيْدِي خِلَافُ الْمَعْهُودِ فَكَانَ الْأَخْذُ فِيهِ بِالْأَقَلِّ أَوْلَى اهـ.

وَكَذَا هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ امْتِثَالًا لِأَمْرِ الْخَلِيفَةِ لَا مَذْهَبًا، وَلَا اعْتِقَادًا وَذُكِرَ فِي الْمُجْتَبَى ثُمَّ يَأْخُذُ بِأَيِّ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ شَاءَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْمُوَطَّإِ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَاتِ فَمَا أَخَذْت بِهِ فَحَسَنٌ، وَلَوْ كَانَ فِيهَا نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ لَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَوْلَى بِمَعْرِفَتِهِ لِقَدَمِهِ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَقِيلَ الْآخَرُ نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَاهُ وَالْأَخْذُ بِتَكْبِيرَاتِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْلَى اهـ.

وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ أَكْثَرَ مِنْ تَكْبِيرِ ابْنِ مَسْعُودٍ اتَّبَعَهُ مَا لَمْ يُكَبِّرْ أَكْثَرَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْآثَارُ؛ لِأَنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِرَأْيِ الْإِمَامِ وَذَلِكَ إلَى سِتَّةَ عَشْرَ، فَإِنْ زَادَ لَا يَلْزَمُهُ مُتَابَعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُخْطِئٌ بِيَقِينٍ، وَلَوْ سَمِعَ التَّكْبِيرَاتِ مِنْ الْمُكَبِّرِينَ يَأْتِي بِالْكُلِّ احْتِيَاطًا، وَإِنْ كَثُرَ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ مِنْ الْمُكَبِّرِينَ؛ وَلِهَذَا قِيلَ يَنْوِي بِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ الِافْتِتَاحَ

ــ

[منحة الخالق]

[وَقْتُ صَلَاة الْعِيد]

قَوْلُ الْمُصَنِّفُ وَوَقْتُهَا مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ) قَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ الْمُرَادُ بِالِارْتِفَاعِ أَنْ تَبْيَضَّ.

(قَوْلُهُ فَفَعَلَهُ امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ) ؛ لِأَنَّ طَاعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَاجِبَةٍ وَهَذَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَاَلَّذِي ذَكَرُوا مِنْ عَمَلِ الْعَامَّةِ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَمْرٍ بَيَّنَهُ الْخُلَفَاءُ بِذَلِكَ كَانَ فِي زَمَنِهِمْ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَقَدْ زَالَ إذْ لَا خَلِيفَةَ الْآنَ وَاَلَّذِي يَكُونُ بِمِصْرَ فَهُوَ خَلِيفَةٌ اسْمًا لَا مَعْنًى لِانْتِفَاءِ بَعْضِ شُرُوطِ الْخِلَافَةِ فِيهِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى عِلْمٍ بِشُرُوطِهَا، فَالْعَمَلُ الْآنَ بِمَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا لَكِنْ حَيْثُ لَا يَقَعُ الِالْتِبَاسُ عَلَى النَّاسِ. اهـ.

أَقُولُ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ أَمْرَ الْخَلِيفَةِ بِشَيْءٍ لَا يَبْقَى حُكْمُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ عَزْلِهِ إذْ لَوْ بَقِيَ الْعَمَلُ بِأَمْرِهِ وَاجِبًا لَوَجَبَ عَلَيْنَا إلَى الْيَوْمِ الْعَمَلُ بِمَا أَمَرَ بِهِ هَارُونُ أَبَا يُوسُفَ وَبِهِ يُعْلَمُ حُكْمُ أَوَامِرِ سَلَاطِينِ بَنِي عُثْمَانَ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ؛ وَلِهَذَا قِيلَ يَنْوِي بِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ الِافْتِتَاحَ إلَخْ) أَقُولُ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَنْوِي بِمَا زَادَ عَلَى السِّتَّةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي ظَهَرَ بِهِ احْتِمَالُ الْغَلَطِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا زَادَ عَلَى الْمَأْثُورِ احْتَمَلَ خَطَأَ الْمُكَبِّرِينَ بِأَنَّهُمْ زَادُوا تَكْبِيرَةً مَثَلًا وَاحْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الزَّائِدَةُ هِيَ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ تَقَدَّمُوا بِهَا عَلَى الْإِمَامِ فَلَمْ يَصِحَّ الشُّرُوعُ فَلِذَا يَنْوِي بِمَا زَادَهُ الِافْتِتَاحَ

<<  <  ج: ص:  >  >>