للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّ مَوْتَ فُلَانٍ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْخِلَافَةِ فِي حَقِّ هَذَا الْمَوْلَى، وَوُجُوبُ حَقِّ الْعِتْقِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْخِلَافَةِ فَلَوْ مَاتَ فُلَانٌ وَالْمَوْلَى حَيٌّ عَتَقَ الْعَبْدُ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: أَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَمَوْتِ فُلَانٍ أَوْ قَالَ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ وَمَوْتِي لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ الْمَوْلَى فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مُدَبَّرًا اهـ.

وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ قَالَ: إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْت حُرٌّ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ تَعْلِيقُ عِتْقِ عَبْدِهِ بِمَوْتِهِ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا تَدْبِيرًا بَلْ كَانَ تَعْلِيقًا بِشَرْطٍ مُطْلَقٍ كَالتَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ مِنْ دُخُولِ الدَّارِ وَكَلَامِ زَيْدٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ اهـ.

فَإِنْ قُلْتُ: الْمُصَنِّفُ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي التَّدْبِيرِ الْمُقَيَّدِ لِمُسَاوَاتِهِ لِحُكْمِهِ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ بِالْمَوْتِ. قُلْتُ: بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ الْمُدَبَّرَ بِقِسْمَيْهِ يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ بِشَرْطٍ غَيْرِ مَوْتِ الْمَوْلَى يَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَيَبْطُلُ التَّعْلِيقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت حُرٌّ فَمَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الدُّخُولِ بَطَلَتْ الْيَمِينُ وَلَا يَعْتِقُ أَصْلًا بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ قَالَ أَحَدُهُمَا: إنْ مِتُّ أَنَا وَفُلَانٌ - يَعْنِي شَرِيكَهُ - فَأَنْت حُرٌّ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا صَارَ الْعَبْدُ مُدَبَّرًا مِنْ الْآخَرِ اهـ.

وَإِنَّمَا جَازَ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْحُرِّيَّةِ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي الْحَالِ لِتَرَدُّدٍ فِي هَذَا الْقَيْدِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَمُوتَ مِنْهُ فَصَارَ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ الْمَوْتِ وَهُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ وَيَعْتِقُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَمُوتَ فِي سَفَرِهِ هَذَا أَوْ مَرَضِهِ هَذَا، أَوْ فِي الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَوْ أَقَامَ، أَوْ صَحَّ، أَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَعْتِقْ لِبُطْلَانِ الْيَمِينِ قَبْلَ الْمَوْتِ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: مِنْ التَّدْبِيرِ الْمُقَيَّدِ أَنْ يَقُولَ: إنْ مِتُّ إلَى سَنَةٍ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ السَّنَةِ عَتَقَ مُدَبَّرًا، وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ السَّنَةِ لَا يَعْتِقُ وَمُقْتَضَى الْوَجْهِ كَوْنُهُ لَوْ مَاتَ فِي رَأْسِ السَّنَةِ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ هُنَا لَوْلَاهَا تَنَاوَلَ الْكَلَامُ مَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَنَجَّزُ عِتْقُهُ فَيَصِيرُ حُرًّا بَعْدَ السَّنَةِ فَتَكُونُ لِلْإِسْقَاطِ اهـ.

وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ لَيْسَ بِمُطَّرِدٍ لِانْتِقَاضِهِ بِالْيَمِينِ فِي قَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُهُ إلَى غَدٍ فَإِنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ فِي الْغَدِ مَعَ أَنَّهَا غَايَةُ إسْقَاطٍ وَكَذَلِكَ أَكَلْتُ السَّمَكَةَ إلَى رَأْسِهَا لَا تَدْخُلُ الْغَايَةُ مَعَ أَنَّهُ لِلْإِسْقَاطِ، وَفِي الْمُجْتَبَى إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَهُوَ حُرٌّ فَقُتِلَ لَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ فِي مَرَضِي وَلَوْ قَالَ: إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي وَبِهِ حُمَّى فَتَحَوَّلَ صُدَاعًا، أَوْ عَلَى عَكْسِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مَرَضٌ وَاحِدٌ اهـ.

فَفَرَّقَ بَيْنَ: " مِنْ "، وَ " فِي " وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ: رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَأَوْصَيْت لَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ مَاتَ عَتَقَا وَلَهُمَا الْمِائَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ شَاعَ الْعِتْقُ فِيهِمَا فَتَشِيعُ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةُ دِرْهَمٍ تَبْطُلُ إحْدَى الْمِائَتَيْنِ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ لِعَبْدِهِ اهـ.

وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهِ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا بِخِلَافِ الْإِيصَاءِ لَهُ بِرَقَبَتِهِ، أَوْ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(بَابُ الِاسْتِيلَادِ) .

وَهُوَ طَلَبُ الْوَلَدِ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ خُصُوصٌ، وَهُوَ طَلَبُ وَلَدِ أَمَتِهِ أَيْ اسْتِلْحَاقُهُ أَيْ بَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ هَذَا الِاسْتِلْحَاقِ الثَّابِتَةِ فِي الْأُمِّ، وَأُمُّ الْوَلَدِ تَصْدُقُ لُغَةً عَلَى الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّنْ لَهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ وَغَيْرُ ثَابِتِ النَّسَبِ، وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ الْأَمَةُ الَّتِي ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْ مَالِكِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا.

(قَوْلُهُ: وَلَدَتْ أَمَةٌ مِنْ السَّيِّدِ لَمْ تُمْلَكْ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» أَخْبَرَ عَنْ إعْتَاقِهَا فَيَثْبُتُ بَعْضُ مَوَاجِبِهِ؛ وَهُوَ حُرْمَةُ الْبَيْعِ وَلِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ قَدْ حَصَلَتْ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ فَإِنَّ الْمَاءَيْنِ قَدْ اخْتَلَطَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْمَيْزُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ إلَّا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ إلَخْ) نَازَعَهُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّ الْغَدَ اسْمٌ لِزَمَانٍ مُسْتَقْبَلٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِ " إلَى " الَّتِي لِلْغَايَةِ وَحُكْمُ مَا بَعْدَهَا يُخَالِفُ سَنَةً؛ لِأَنَّ السَّنَةَ لَيْسَتْ فِي الْحَقِيقَةِ غَايَةً فَلَا بُدَّ أَنْ يُقَدَّرَ إلَى مُضِيِّ سَنَةٍ وَأَيْضًا قَوْلُهُ: لَا أُكَلِّمُهُ إلَى غَدٍ نَفْيٌ وَقَوْلُهُ: إنْ مِتُّ إثْبَاتٌ. .

[بَابُ الِاسْتِيلَادِ]

<<  <  ج: ص:  >  >>