أَلْفٌ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ زَادَهُ الْمُرْتَهِنُ بِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى إنْ زَادَهُ الرَّاهِنُ أَمَةَ الْعَبْدِ بِالرَّهْنِ بِالدَّيْنِ كُلِّهِ فَالْأَمَةُ نِصْفُهَا رَهْنٌ مَعَ الْعَبْدِ بِخَمْسِمِائَةٍ عِنْدَهُمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ هُمَا رَهْنٌ بِالْأَلْفِ رَهَنَهُ عَبْدًا قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الدَّيْنِ وَالدَّيْنُ أَلْفٌ، ثُمَّ زَادَهُ أَمَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ بِالْأَلْفِ كُلِّهِ فَوَلَدَتْ وَلَدًا قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ بَقِيَ وَلَدُهَا بِثُلُثِ الْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي كَانَ الْعَبْدُ رَهَنَهَا بِهَا وَبِثُلُثِ الْخَمْسِمِائَةِ الْأُخْرَى الدَّيْنُ أَلْفٌ فَرَهَنَهُ أَمَةً بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْهَا قِيمَتُهَا أَلْفٌ، ثُمَّ رَهَنَهُ بِالْأَلْفِ كُلِّهِ أَمَةً تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَوَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَلَدًا قِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَةِ الْأُمِّ فَالْأُولَى وَوَلَدُهَا وَنِصْفُ الثَّانِيَةِ وَنِصْفُ وَلَدِهَا رَهْنٌ بِخَمْسِمِائَةٍ وَالْأَمَةُ الْقَدِيمَةُ، فَإِنْ مَاتَتْ الْأَمَةُ الزَّائِدَةُ ذَهَبَ رُبُعُ الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ وَخَمْسُونَ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْأُولَى وَبَقِيَ نِصْفُ وَلَدِهَا رَهْنًا بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ رَجُلٌ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفٌ فَرَهَنَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْهَا أَمَةٌ تُسَاوِي مِائَتَيْنِ ثُمَّ زَادَهُ أَمَةً تُسَاوِي ثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَهُمَا رَهْنٌ بِالْمَالِ كُلِّهِ فَوَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَلَدًا قِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَةِ أُمِّهِ، ثُمَّ مَاتَتْ الْأُولَى ذَهَبَ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْأُولَى ثُلُثُهَا وَمِنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْأَخِيرَةِ خُمُسُهَا وَبَيَانُ الدَّلِيلِ وَالتَّعْلِيلِ يُطْلَبُ مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ رَهَنَ عَبْدًا بِأَلْفٍ فَدَفَعَ عَبْدًا آخَرَ رَهْنًا مَكَانَ الْأَوَّلِ وَقِيمَةُ كُلٍّ أَلْفٌ فَالْأَوَّلُ رَهْنٌ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنُ مِنْ الْآخَرِ أَمِينٌ حَتَّى يَجْعَلَهُ مَكَانَ الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ وَالدَّيْنِ وَهُمَا بَاقِيَانِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الضَّمَانِ إلَّا بِرَفْعِهِمَا، وَإِذَا دَخَلَ بَقِيَ الْأَوَّلُ فِي ضَمَانِهِ وَلَا يَدْخُلُ الثَّانِي فِي ضَمَانِهِ؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِأَحَدِهِمَا، فَإِذَا رَدَّ الْأَوَّلَ دَخَلَ الثَّانِي فِي ضَمَانِهِ، ثُمَّ قِيلَ يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ الْعَقْدِ فِيهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الضَّمَانِ، وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ تَبَرَّعَ وَعَيْنُهُ أَمَانَةٌ عَلَى مَا عُرِفَ وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْأَمَانَةِ، وَلَوْ أَبْرَأ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ عَنْ الدَّيْنِ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ وَقَدْ مَرَّ، وَإِذَا اشْتَرَى بِالدَّيْنِ عَيْنًا أَوْ صَالَحَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى عَيْنٍ أَوْ أَحَالَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ بِالدَّيْنِ عَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ وَهَلَكَ بِالدَّيْنِ وَبَطَلَ الشِّرَاءُ وَالصُّلْحُ، وَإِذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ، ثُمَّ هَلَكَ يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ لِتَوَهُّمِ وُجُوبِ الدَّيْنِ بِالتَّصَادُقِ فَتَكُونُ الْجِهَةُ بَاقِيَةً، وَفِي الْكَافِي ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ بَقِيَ ضَمَانُ الرَّهْنِ إذَا كَانَ تَصَادُقُهُمَا بَعْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ وَاجِبًا ظَاهِرًا وَظُهُورُهُ يَكْفِي لِضَمَانِ الرَّهْنِ وَأَمَّا إذَا تَصَادَقَا قَبْلَهُ يَبْقَى الدَّيْنُ مِنْ الْأَصْلِ وَضَمَانُ الرَّهْنِ لَا يَبْقَى بِدُونِ الرَّهْنِ، وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُمَا إذَا تَصَادَقَا قَبْلَ الْهَلَاكِ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَهْلِكُ مَضْمُونًا رَجُلٌ دَفَعَ مَهْرَ امْرَأَةٍ غَيْرَ مُتَطَوِّعًا فَطَلُقَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الْوَطْءِ رَجَعَ الْمُتَطَوِّعُ بِنِصْفِ مَا أَدَّى، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَتَطَوَّعَ رَجُلٌ بِأَدَاءِ ثَمَنِهِ، ثُمَّ رَدَّ الْعَبْدَ بِعَيْبٍ رَجَعَ الْمُتَطَوِّعُ بِمَا أَدَّى عَنْهُمَا فَصَارَ كَأَدَائِهِمَا بِإِذْنِهِمَا قُلْنَا إنَّهُ إذَا قَضَى بِأَمْرِهِمَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَا أَدَّى فَمَلَكَاهُ بِالضَّمَانِ وَهُنَا لَمْ يَمْلِكَاهُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمُتَطَوِّعِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْجِنَايَاتِ]
أَوْرَدَ الْجِنَايَاتِ عَقِيبَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْوِقَايَةِ وَالصِّيَانَةِ، فَإِنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ لِصِيَانَةِ الْمَالِ وَحُكْمُ الْجِنَايَةِ لِصِيَانَةِ النَّفْسِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩] وَلَمَّا كَانَ الْمَالُ وَسِيلَةً لِبَقَاءِ النَّفْسِ قَدَّمَ الرَّهْنَ عَلَى الْجِنَايَاتِ بِنَاءً عَلَى تَقَدُّمِ الْوَسَائِلِ عَلَى الْمَقَاصِدِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَكِنْ قَدَّمَ الرَّهْنَ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهَا مَحْظُورَةٌ، فَإِنَّهَا عِبَارَةٌ عَمَّا لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ فِعْلُهُ اهـ.
أَقُولُ: هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَيَانِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ إنَّمَا هُوَ أَحْكَامُ الْجِنَايَاتِ دُونَ أَنْفُسِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ أَحْكَامَهَا مَشْرُوعَةٌ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَيْضًا فَلَا مَعْنَى لِتَأْخِيرِهَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، ثُمَّ إنَّ الْجِنَايَةَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا تَجْنِيهِ مِنْ شَيْءٍ أَيْ تَكْسِبُهُ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ جَنَى عَلَيْهِ شَرًّا جِنَايَةً وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يَقْبُحُ وَيَسُوءُ إلَّا أَنَّهُ فِي الشَّرْعِ خُصَّ بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ حَلَّ بِالنُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ وَالْأَوَّلُ يُسَمَّى قَتْلًا وَهُوَ فِعْلٌ مِنْ الْعِبَادِ تَزُولُ بِهِ الْحَيَاةُ. وَالثَّانِي يُسَمَّى قَطْعًا وَجُرْحًا هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي الْكِتَابِ وَالشُّرُوحِ. الْكَلَامُ فِي الْجِنَايَةِ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ مَشْرُوعِيَّتِهَا، وَالثَّانِي فِي سَبَبِ وُجُوبِهَا، وَالثَّالِثُ فِي تَفْسِيرِهَا لُغَةً، وَالرَّابِعُ فِي تَفْسِيرِهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَالْخَامِسُ فِي رُكْنِهَا وَالسَّادِسُ فِي شَرْطِهَا، وَالسَّابِعُ فِي حُكْمِهَا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مَعْرِفَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: ١٧٨] الْآيَةَ.
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ وَالْقَتْلُ عُدْوَانٌ» وَسَبَبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute