وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَوَطِئَهَا سَقَطَ إحْصَانُهُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ هُنَا ثَابِتَةٌ عَلَى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً لَمَسَ أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ أُمِّهَا أَوْ بِنْتِهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ وَوَطِئَهَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَزُولُ إحْصَانُهُ وَيُحَدُّ قَاذِفُهُ وَقَالَا يَزُولُ إحْصَانُهُ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَكَذَلِكَ عَلَى الِاخْتِلَافِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَوَطِئَهَا اهـ.
وَجَعَلَ فِي الْخَانِيَّةِ مَنْ وَطِئَ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ كَمَنْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ زَنَى أَوْ وَطِئَ بِشُبْهَةٍ أَوْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فِي عُمُرِهِ أَوْ وَطِئَ مَنْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ سَقَطَ إحْصَانُهُ وَمَا لَا فَلَا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ لَسْت لِأَبِيك أَوْ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ فِي غَضَبٍ حُدَّ وَفِي غَيْرِهِ لَا) أَيْ وَإِنْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ فِي حَالَةِ الرِّضَا فَلَا حَدَّ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْغَضَبِ يُرَادُ بِهِ حَقِيقَتُهُ سَبًّا لَهُ وَفِي غَيْرِهِ يُرَادُ بِهِ الْمُعَاتَبَةُ بِنَفْيِ مُشَابَهَتِهِ لَهُ فِي أَسْبَابِ الْمُرُوءَةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى قَالَ وَمَنْ نَفَى نَسَبَ غَيْرِهِ وَقَالَ لَسْت لِأَبِيك، فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَهَذَا إذَا كَانَتْ أُمَّةً مُسْلِمَةً حُرَّةً؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ قَذْفٌ لِأُمِّهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يُنْفَى عَنْ الزَّانِي لَا عَنْ غَيْرِهِ الثَّانِيَةُ قَالَ لِغَيْرِهِ فِي غَضَبٍ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ لِأَبِيهِ الَّذِي يُدْعَى لَهُ يُحَدُّ وَلَوْ قَالَ فِي غَيْرِ غَضَبٍ لَا يُحَدُّ وَعَلَّلَهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ مُخْتَلِفَانِ صُورَةً وَحُكْمًا؛ لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَدْ نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْأَبِ الَّذِي يُدْعَى إلَيْهِ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحَدِّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي غَضَبٍ أَوْ رِضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَصِّلْ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ قَدْ نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي يُدْعَى إلَيْهِ وَحُكْمُهَا التَّفْصِيلُ وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُهُمْ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى عَلَى التَّفْصِيلِ فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ حُدَّ لَا فِي غَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا وَلَدَ الزِّنَا أَوْ يَا ابْنَ الزِّنَا أَوْ لَسْت لِأَبِيك وَأُمُّهُ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ.
بَلَغَنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لَا حَدَّ إلَّا فِي قَذْفِ مُحْصَنَةٍ أَوْ نَفْيِ رَجُلٍ عَنْ أَبِيهِ اهـ.
لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ إذَا قَالَ يَا وَلَد الزِّنَا أَوْ يَا ابْن الزِّنَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَفْصِيلٌ بَلْ يُحَدُّ أَلْبَتَّةَ اهـ.
فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَسْتَ لِأَبِيكَ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا أَنَّهُ بِمَعْنَى: أُمُّكَ زَانِيَةٌ أَوْ زَنَتْ وَلَا يُرَادُ بِهِ الْمُعَاتَبَةُ حَالَةَ الرِّضَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ أَبًا مَخْصُوصًا حَتَّى يَنْفِيَ أَنْ يَكُونَ عَلَى إطْلَاقِهِ ثُمَّ رَأَيْتُ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ لِرَجُلٍ لَسْتَ لِأَبِيكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَذَفَ كَانَ ذَلِكَ فِي غَضَب أَوْ رِضَا.
وَلَوْ قَالَ لَيْسَ هَذَا أَبَاكَ لِأَبِيهِ الْمَعْرُوفِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا فِي حَالَةِ الرِّضَا أَوْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِفْهَامِ لَا يَكُونُ قَذْفًا، وَإِنْ كَانَ فِي غَضَبٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ التَّعْيِيرِ كَانَ قَذْفًا اهـ.
وَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ التَّقْدِيرَ حَالَةَ الرِّضَا لَسْتَ لِأَبِيكَ الْمَشْهُورُ مَجَازًا عَنْ نَفْيِ الْمُشَابَهَةِ فِي مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ فَبَعِيدٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْمُخْتَصَرِ بِأَنْ تَكُونَ أُمُّهُ مُحْصَنَةً لِأَنَّهُ قَذَفَ لَهَا وَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِحُرِّيَّةِ أُمِّهِ وَإِسْلَامُهَا لَا يَنْفِي اشْتِرَاطَ بَقِيَّةِ شُرُوطِ الْإِحْصَانِ وَلِذَا اعْتَرَضَهُ الشَّارِحُونَ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنَّكَ ابْنُ فُلَانٍ لِغَيْرِ أَبِيهِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ مِنْ التَّفْصِيلِ وَقُيِّدَ بِالنَّفْيِ عَنْ أَبِيهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَاهُ عَنْ أُمِّهِ أَوْ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَلَا حَدَّ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِلْكَذِبِ فِي الثَّانِي وَلِأَنَّ فِيهِ نَفْيَ الزِّنَا؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْوِلَادَةِ نَفْيٌ لِلْوَطْءِ وَلِلصِّدْقِ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَيْسَ لِأُمِّهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِطَلَبِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ إنْ كَانَتْ حَيَّةً فَالطَّلَبُ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَيِّتَةً فَالطَّلَبُ لِكُلِّ مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ، الْمُخَاطَبُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ.
وَفِي الْقُنْيَةِ سَمِعَ أُنَاسٌ مِنْ أُنَاسٍ كَثِيرَةٍ أَنَّ فُلَانًا وَلَدَ فُلَانٍ، وَالْفُلَانُ يَجْحَدُ فَلَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا مُطْلَقًا أَنَّ هَذَا وَلَدُهُ بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا حَقِيقَتَهُ، وَلَوْ قَالَ وَاحِدٌ لِهَذَا الْوَلَدِ: وَلَدُ الزِّنَا لَا يُحَدُّ اهـ.
(قَوْلُهُ كَنَفْيِهِ عَنْ جَدِّهِ وَقَوْلُهُ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ أَوْ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ وَنَسَبَهُ إلَى خَالِهِ وَعَمِّهِ وَرَابِّهِ) أَيْ لَا يَجِب
ــ
[منحة الخالق]
[قَالَ لِغَيْرِهِ لَسْت لِأَبِيك أَوْ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ فِي غَضَبٍ]
(قَوْلُهُ: وَهُوَ بَعِيدٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: مَا جَرَى عَلَيْهِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَأَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْغَضَبِ هُوَ الْمَذْهَبُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ مَعَ الرِّضَا لَيْسَ قَذْفًا وَكَيْفَ يُحَدُّ بِمَا لَيْسَ قَذْفًا وَبِهِ يَضْعُفُ مَا عَنْ الثَّانِي وَكَأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ شَاذَّةٌ عَنْهُ وَلِذَا ذَكَرَ فِي وَسِيطِ الْمُحِيطِ عَنْهُ أَنَّهُ قَذَفَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ دُونَ الرِّضَا وَمَا فِي الْكَافِي لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِمَا ادَّعَاهُ بِوَجْهٍ مَعَ اسْتِدْلَالِهِ فِي النَّفْيِ بِالْأَثَرِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْغَضَبِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ يَا وَلَدَ الزِّنَا أَظْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ وَقْتَ الضُّحَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْقَذْفِ فَاسْتَوَتْ الْحَالَتَانِ فِيهِ بِخِلَافِ النَّفْيِ ثُمَّ رَأَيْت فِي عِقْدِ الْفَوَائِدِ قَالَ التَّفْصِيلُ هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ دُونَ مَا يَقَعُ سِوَاهُ مُخَالِفًا لَهُ