للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَدُّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا نَفَاهُ عَنْ جَدِّهِ فَلِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ لَا يُحَدُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مَجَازًا.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا قَالَ: لَسْت مِنْ وَلَدِ فُلَانٍ فَهَذَا قَذْفٌ وَلَوْ قَالَ لَسْت مِنْ وِلَادَةِ فُلَانٍ فَهَذَا لَيْسَ بِقَذْفٍ، وَإِذَا قَالَ لِغَيْرِهِ لَسْت لِأَبٍ لَسْت لِأَبِيك لَمْ يَلِدْك أَبُوك فَهَذَا كُلُّهُ قَذْفٌ لِأُمِّهِ وَكَذَا إذَا قَالَ لَسْت لِلرَّشْدَةِ. اهـ.

وَأَمَّا عَدَمُهُ فِيمَا إذَا قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ فَلِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْأَخْلَاقِ أَوْ عَدَمُ الْفَصَاحَةِ وَكَذَا إذَا قَالَ لَسْت بِعَرَبِيٍّ لِمَا قُلْنَا وَفَسَّرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ بِرَجُلٍ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ وَفِي الْمُغْرِبِ النَّبَطُ جِيلٌ مِنْ النَّاسِ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ الْوَاحِدُ نَبَطِيٌّ وَعَنْ ثَعْلَبٍ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ رَجُلٌ نَبَاطِيٌّ وَلَا تَقُلْ نَبَطِيٌّ اهـ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَسْت مِنْ بَنِي فُلَانٍ فَلَا حَدَّ وَكَذَا إذَا قَالَ لِهَاشِمِيٍّ لَسْت بِهَاشِمِيٍّ لَكِنَّهُ يُعَزَّرُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَأَمَّا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ فَلِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْجُودِ، وَالسَّمَاحَةِ، وَالصَّفَاءِ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ لُقِّبَ بِهِ لِصَفَائِهِ وَسَخَائِهِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَاءُ السَّمَاءِ هُوَ عَامِرٌ أَبُو مَزِيقِيًّا وَسُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْقَحْطِ أَقَامَ مَالَهُ مَقَامَ الْمَطَرِ وَكَانَ غِيَاثًا لِقَوْلِهِ مِثْلُ مَاءِ السَّمَاءِ لِلْأَرْضِ وَكَانَتْ أُمُّ الْمُنْذِرِ بِنْتَ امْرِئِ الْقَيْسِ أَيْضًا مَاءَ السَّمَاءِ لِجَمَالِهَا وَحُسْنِهَا، وَإِنَّمَا سَمَّى عَمْرٌو وَلَدَهُ مَزِيقِيًّا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمَزِّقُ كُلَّ يَوْمٍ حُلَّتَيْنِ يَلْبِسُهُمَا وَيَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِيهِمَا وَيَكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَهُمَا غَيْرُهُ اهـ.

وَأَمَّا إذَا نَسَبَهُ إلَى عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ أَوْ زَوْجِ أُمِّهِ فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يُسَمَّى أَبًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: ١٣٣] فَإِسْمَاعِيلُ كَانَ عَمًّا لَهُ أَيْ لِيَعْقُوبَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -.

، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْخَالُ أَبٌ» ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِلتَّرْبِيَةِ وَنِسْبَتُهُ إلَى الْمُرَبِّي فِي الْكِتَابِ دُونَ زَوْجِ الْأُمِّ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِيهِ لِلتَّرْبِيَةِ لَا غَيْرُ حَتَّى لَوْ نَسَبَهُ إلَى مَنْ رَبَّاهُ وَهُوَ لَيْسَ بِزَوْجٍ لِأُمِّهِ وَجَبَ أَنْ لَا يُحَدَّ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ أَوْ الرِّضَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ اسْمُهُ مَاءُ السَّمَاءِ يَعْنِي وَهُوَ مَعْرُوفٌ يُحَدُّ فِي حَالِ السِّبَابِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ، فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ قَدْ سُمِّيَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلسَّخَاءِ أَوْ الصَّفَاءِ فَيَنْبَغِي فِي حَالِ الْغَضَبِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّفْيِ لَكِنَّ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ مُطْلَقٌ فَالْجَوَابُ لِمَا لَمْ يُعْهَدْ اسْتِعْمَالُهُ لِذَلِكَ الْقَصْدِ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُرَادُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ التَّهَكُّمَ بِهِ عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ لَسْت بِعَرَبِيٍّ لَمَّا لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي النَّفْيِ يُحْمَلُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ عَلَى سَبِّهِ بِنَفْيِ الشَّجَاعَةِ، وَالسَّخَاءِ عَنْهُ لَيْسَ غَيْرُ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ فَطَلَبَ الْوَالِدُ أَوْ الْوَلَدُ أَوْ وَلَدُهُ حُدَّ) ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَ مُحْصَنَةً بَعْدَ مَوْتِهَا فَلِكُلِّ مَنْ يَقَعُ الْقَدَحُ فِي نَسَبِهِ بِقَذْفِهِ لَهُ الْمُطَالَبَةُ وَهُوَ الْأُصُولُ، وَالْفُرُوعُ؛ لِأَنَّ الْعَارَ يَلْتَحِقُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا نَفَاهُ عَنْ جَدِّهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ لِأَبِيهِ الْمَعْرُوفِ لَهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ هُوَ نَفْيُهُ الْمُشَابَهَةَ وَمَعْنًى حَقِيقِيٌّ هُوَ نَفْيُ كَوْنِهِ مِنْ مَائِهِ مَعَ زِنَا الْأُمِّ بِهِ أَوْ عَدَمِهِ بَلْ بِشُبْهَتِهِ فَهِيَ ثَلَاثُ مَعَانٍ يُمْكِنُ إرَادَةُ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى الْخُصُوصِ وَقَدْ حَكَمُوا بِتَحْكِيمِ الْغَضَبِ وَعَدَمِهِ فَمَعَهُ يُرَادُ نَفْيُ كَوْنِهِ مِنْ مَائِهِ مَعَ زِنَا الْأُمِّ بِهِ وَمَعَ عَدَمِهِ يُرَادُ الْمَجَازِيُّ وَقَوْلُهُ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ لِجَدِّهِ لَهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ هُوَ نَفْيُ مُشَابَهَتِهِ لِجَدِّهِ وَمَعْنَيَانِ حَقِيقِيٌّ وَهُوَ نَفْيُ كَوْنِهِ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ وَآخَرُ هُوَ نَفْيُ كَوْنِهِ أَبًا أَعْلَى لَهُ وَهُوَ يَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ: نَفْيُ كَوْنِ أَبِيهِ خُلِقَ مِنْ مَائِهِ بَلْ زَنَتْ جَدَّتُهُ بِهِ أَوْ جَاءَتْ بِهِ بِشُبْهَةٍ وَهَذِهِ الْمَعَانِي يَصِحُّ إرَادَةُ كُلٍّ مِنْهَا وَقَدْ حَكَمَ بِتَعْيِينِ الْغَضَبِ أَحَدُهَا بِعَيْنِهِ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ كَوْنُهُ لَيْسَ مِنْ مَائِهِ مَعَ زِنَا الْأُمِّ بِهِ إذْ لَا مَعْنَى؛ لَأَنْ يُخْبِرَهُ فِي السِّبَابِ بِأَنَّ أُمَّهُ جَاءَتْ بِهِ بِغَيْرِ زِنًا بَلْ بِشُبْهَةٍ فَيَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ أَيْضًا بِتَعَيُّنِ الْغَضَبِ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي الَّذِي هُوَ نَفْيُ نَسَبِ أَبِيهِ عَنْهُ وَقَذْفُ جَدَّتِهِ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِخْبَارِهِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ بِأَنَّك لَمْ تُخْلَقْ مِنْ مَاءِ جَدِّك وَهُوَ مَعَ سَمَاجَتِهِ أَبْعَدُ فِي الْإِرَادَةِ مِنْ أَنْ يُرَادَ نَفْيُ أُبُوَّتِهِ لِأَبِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا كَقَوْلِنَا السَّمَاءُ فَوْقَ الْأَرْضِ وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ فِيهَا إجْمَاعٌ عَلَى نَفْيِ الْحَدِّ بِلَا تَفْصِيلٍ كَمَا أَنَّ فِي تِلْكَ إجْمَاعًا عَلَى ثُبُوتِهِ بِالتَّفْصِيلِ. اهـ.

قُلْت قَدْ يُجَابُ بِالْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّ إرَادَةَ الْقَذْفِ فِي نَفْيِهِ عَنْ جَدِّهِ بِالْعُدُولِ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ لِلْقَرِينَةِ وَذَلِكَ شُبْهَةٌ يَنْدَرِئُ بِهَا الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ وَحَالُ الْمُسْلِمِ شَاهِدَةٌ بِأَنَّهُ أَرَادَ الْحَقِيقَةَ وَأَتَى فِي حَالِ الشَّتْمِ بِكَلَامٍ يَحْتَمِلُ الْقَذْفَ فَصَارَتْ حَالَتُهُ قَرِينَةً مُعَارِضَةً لِقَرِينَةِ إرَادَةِ الشَّتْمِ بِخِلَافِ نَفْيِهِ عَنْ أَبِيهِ، فَإِنَّهُ قَذْفٌ حَقِيقَةً وَحَالَةُ الْغَضَبِ قَرِينَةٌ أَيْضًا مُسَاعِدَةٌ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَكَوْنُ الْقَذْفِ مُحَرَّمًا قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَهُوَ كَوْنُهُ لَيْسَ مِثْلَ أَبِيهِ فِي الْأَخْلَاقِ فَقَدْ تَعَارَضَتْ الْقَرِينَتَانِ وَهُمَا حَالَةُ الْغَضَبِ وَحَالَةُ الْمُسْلِمِ فَتَسَاقَطَتَا وَبَقِيَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ وَهُوَ نَفْيُ كَوْنِهِ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَسْت مِنْ بَنِي فُلَانٍ) يَعْنِي الْقَبِيلَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>