الصَّغِيرُ فِي أَيْدِيهِمْ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ هَكَذَا فِي الْكَافِي، وَاسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَفِيهِ نَوْعٌ رَابِعٌ وَهُوَ الْإِنْكَاحُ فَيَجُوزُ لِكُلِّ عَصَبَةٍ، وَلِذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَاتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَقْبِضَ الْهِبَةَ لِلصَّغِيرِ إذَا كَانَ لَا أَبَ لَهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ: لَا أَبَ لَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَازِمٍ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ فِي صَغِيرَةٍ لَهَا زَوْجٌ هِيَ عِنْدَهُ يَعُولُهَا وَلَهَا أَبٌ فَوَهَبَ لَهَا جَازَ لِزَوْجِهَا أَنْ يَقْبِضَ الْهِبَةَ لِقِيَامِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهَا بِالْعَوْلِ فَثَبَتَ أَنَّ الْأَبَ لَيْسَ بِلَازِمٍ كَذَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا هُوَ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ وَلَك أَنْ تَقُولَ: إنَّ قَوْلَ الْكُلِّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ الثَّابِتُ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ إنَّمَا هُوَ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي جَوَازِ قَبْضِ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ الْهِبَةَ لَهَا إذَا كَانَتْ عِنْدَهُ يَعُولُهَا لِتَفْوِيضِ الْأَبِ ذَلِكَ لَهُ لَا أَنَّ عَدَمَ الْأَبِ لَيْسَ بِلَازِمٍ مُطْلَقًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَهُوَ جَوَازُ قَبْضِ الْمُلْتَقِطِ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ لِتَحَقُّقِ الْفَرْقِ بَيْنَ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ الَّذِي فَوَّضَ لَهُ الْأَبُ أَمْرَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَا أَبَ لَهُ يَعْنِي أَبًا مَعْرُوفًا وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ فِي قَيْدِ الْحَيَاةِ فَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُ لَا أَبَ لَهُ قَيْدٌ احْتِرَازِيٌّ عَنْ اللَّقِيطِ إذَا كَانَ لَهُ أَبٌ حَاضِرٌ لَا يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَقْبِضَ الْهِبَةَ لِلصَّغِيرِ اهـ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُؤَجِّرُهُ أُمُّهُ فَقَطْ) مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّغِيرَ لَا يُؤَجِّرُهُ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ إلَّا الْأُمَّ فَإِنَّهَا تُؤَجِّرُهُ إذَا كَانَ فِي حِجْرِهَا وَلَا يَمْلِكُهُ هَؤُلَاءِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ الْمُلْتَقِطُ وَيُسَلِّمَهُ فِي صِنَاعَةٍ فَجَعَلَهُ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَهَذَا أَقْرَبُ فَلَوْ أَجَّرَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِالضَّرَرِ إلَّا إذَا فَرَغَ مِنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَيَجِبُ الْمُسَمَّى وَهُوَ نَظِيرُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ إذَا أَجَّرَ نَفْسَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ فَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي يَدِ الْعَمِّ فَأَجَّرَتْهُ أُمُّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحِفْظِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ]
مُنَاسَبَةُ هَذَا الْكِتَابِ بِكِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ إنَّ هَذَا الْكِتَابَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَا يُكْرَهُ وَمَا لَا يُكْرَهُ وَيَكْفِي فِيهَا أَدْنَى الْمُنَاسَبَةِ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً، وَالثَّانِي فِي مَعْنَاهُ شَرْعًا، وَالثَّالِثُ فِي شَرْطِهِ، وَالرَّابِعُ فِي سَبَبِهِ، وَالْخَامِسُ فِي دَلِيلِهِ، وَالسَّادِسُ فِي حُكْمِهِ أَمَّا دَلِيلُهُ فَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» ، وَأَمَّا مَعْنَاهُ لُغَةً قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالْمَوَاتُ بِالْفَتْحِ مَا لَا رُوحَ فِيهِ وَالْمَوَاتُ أَيْضًا الْأَرْضُ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَفِي الْقَامُوسِ الْمَوَاتُ كَغُرَابٍ وَسَحَابٍ مَا لَا رُوحَ فِيهِ وَالْأَرْضُ لَا مَالِكَ لَهَا مِنْ الْآدَمِيِّينَ. اهـ. وَشَرْعًا مَا سَيَأْتِي فِي عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ.
وَسَبَبُ الْمَشْرُوعِيَّةِ تَعَلُّقُ الْبِنَاءِ الْمُقَرَّرِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَشَرْطُهُ سَيَأْتِي فِي حُكْمِ تَمَلُّكِ الْمُحْيِي مَا أَحْيَاهُ قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ أَرْضٌ تَعَذَّرَ زِرَاعَتُهَا لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْهَا أَوْ لِغَلَبَتِهِ عَلَيْهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ بَعِيدَةٌ مِنْ الْعَامِرِ) فَقَوْلُهُ " هِيَ أَرْضٌ " بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ يَشْمَلُ مَا تَعَذَّرَ وَغَيْرَهُ، وَقَوْلُهُ " تَعَذَّرَ " أَخْرَجَ غَيْرَهُ فَلَا يَكُونُ مَوَاتًا وَقَوْلُهُ " لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْهَا أَوْ لِغَلَبَتِهِ عَلَيْهَا " بَيَانٌ لِسَبَبِ التَّعَذُّرِ وَقَوْلُهُ " غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ " أَخْرَجَ مَا كَانَ كَذَلِكَ وَهُوَ مَمْلُوكٌ فَلَا يَكُونُ مَوَاتًا وَقَوْلُهُ " بَعِيدَةٌ عَنْ الْعَامِرِ " أَخْرَجَ الْقَرِيبَةَ فَلَا تَكُونُ مَوَاتًا قَالَ الشَّارِحُ وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِمَوَاتِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مَوَاتًا إذَا كَانَتْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِبُطْلَانِ الِانْتِفَاعِ بِهَا تَشْبِيهًا بِالْمَيِّتِ قَالَ الشَّارِحُ: وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْحَيَاةِ فَظَاهِرٌ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَالْإِحْيَاءُ شَرْعًا أَنْ يَكْرِبَ الْأَرْضَ وَيَسْقِيَهَا فَإِنْ كَرَبَهَا وَلَمْ يَسْقِهَا أَوْ سَقَاهَا وَلَمْ يَكْرِبْهَا فَلَيْسَ بِإِحْيَاءٍ وَفِي الْكَافِي لَوْ فَعَلَ أَحَدَهُمَا يَكُونُ إحْيَاءً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْإِحْيَاءُ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ أَوْ الْكَرْبُ أَوْ السَّقْيُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ: الْكَرْبُ الْإِحْيَاءُ وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْكَرْبُ لَيْسَ بِإِحْيَاءٍ إلَّا أَنْ يَبْذُرَهَا وَعَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْإِحْيَاءُ أَنْ يَجْعَلَهَا صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ بَنَى فِي بَعْضِ أَرْضِ الْمَوَاتِ أَوْ زَرَعَ فِيهَا كَانَ ذَلِكَ إحْيَاءً لِذَلِكَ الْبَعْضِ دُونَ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا عَمَّرَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا كَانَ الْمَوَاتُ فِي وَسَطِ الْإِحْيَاءِ يَكُونُ إحْيَاءً لِلْكُلِّ اهـ.
وَالْإِحْيَاءُ لُغَةً الْإِنْبَاتُ سَوَاءٌ كَانَ بِفِعْلِ فَاعِلٍ مِنْ شِرَاءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَا يُقَالُ لِمَاذَا عَرَّفَ الْمُؤَلِّفُ الْمَوَاتَ دُونَ الْإِحْيَاءِ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُعَرِّفَهُمَا مَعًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: أَرَادَ بَيَانَ الْأَكْمَلِ وَإِنَّمَا تَرَكَ تَعْرِيفَ الْإِحْيَاءِ قَالَ الشَّارِحُ: لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ " غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ " يَعْنِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَكَمَالُهُ بِأَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute