لَا يَكُونَ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ كَانَ مِلْكُهُ بَاقِيًا لِعَدَمِ مَا يُزِيلُهُ فَلَا يَكُونُ مَوَاتًا فَإِذَا عُرِفَ الْمَالِكُ فَهِيَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ كَانَتْ لُقَطَةً يَتَصَرَّفُ فِيهَا الْإِمَامُ كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي اللُّقَطَةِ وَلَوْ ظَهَرَ لَهَا مَالِكٌ بَعْدَ ذَلِكَ أَخَذَهَا وَضَمِنَ مِنْ زَرْعِهَا إنْ نَقَصَتْ بِالزِّرَاعَةِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَوْلُ الْقُدُورِيِّ فَمَا كَانَ مِنْهَا عَادِيًّا مُرَادُهُ بِالْعَادِيِّ مَا قَدُمَ خَرَابُهُ كَأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى عَادٍ لِخَرَابِ عَهْدِهِمْ وَجُعِلَ الْمَمْلُوكُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالِكٌ مِنْ الْمَوَاتِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ كَالْمَوَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ بِعَيْنِهِ وَلَيْسَ هُوَ مَوَاتًا حَقِيقَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ " بَعِيدَةٌ عَنْ الْعَامِرِ " هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ.
وَالْبَعِيدَةُ أَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ وَقَفَ إنْسَانٌ فِي أَقْصَى الْعَامِرِ وَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ فَهُوَ مَوَاتٌ وَإِنْ كَانَ يُسْمَعُ فَلَيْسَ بِمَوَاتٍ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْعَامِرِ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ لِرَعْيِ مَوَاشِيهِمْ وَطَرْحِ حَصَائِدِهِمْ فَلَمْ يَكُنْ انْتِفَاعُهُمْ بِهِ مُنْقَطِعًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الِانْتِفَاعِ حَتَّى لَا يَجُوزَ إحْيَاءُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُ الْقَرْيَةِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا وَيَجُوزُ إحْيَاءُ مَا لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ اعْتَمَدَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا عَرَفَ أَنَّهَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً فِي الْأَوَّلِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَالِكَهَا الْآنَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ السُّغْدِيُّ عَنْ أُسْتَاذِهِ الْحَكَمِ: إنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى رَجُلٍ وَيَأْذَنَ لَهُ فِي الْإِحْيَاءِ فَتَصِيرَ لِمَنْ أَحْيَاهَا وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ إذَا كَانَ بِهَا آثَارُ عِمَارَةٍ مِنْ بِنَاءٍ وَبِئْرٍ وَلَا يَعْرِفُ مَالِكَهَا الْآنَ لَا يَسَعُ لِأَحَدِ أَنْ يُحْيِيَهَا أَوْ يَتَمَلَّكَهَا أَوْ يَأْخُذَ مِنْهَا تُرَابًا وَفِي رِسَالَةِ أَبِي يُوسُفَ لِهَارُونَ الرَّشِيدِ هِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ يَدِهِ وَعَلَيْهِ فِيهَا الْخَرَاجُ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْكُفُورِ الْخَرِبَةِ وَالْأَمَاكِنِ الْخَرِبَةِ إذَا رَفَعَ الرَّجُلُ مِنْهَا التُّرَابَ، وَأَلْقَاهُ فِي أَرْضِهِ قَالَ إذَا كَانَ الْقُصُورُ وَالْخَرَابُ تُعْرَفُ أَنَّهُ مِنْ بِنَاءٍ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوَاتِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَإِنْ خَرِبَتْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَكَانَ لَهَا أَرْبَابٌ لَكِنْ لَا يُعْرَفُونَ لَا يَسَعُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ دُورِهِمْ اهـ.
قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَحْيَاهَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ مَلَكَهَا) وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَا: يَمْلِكُ مَنْ أَحْيَا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ، إذْنُ الْإِمَامِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ إلَيْهِ يَدُهُ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ وَلِلْإِمَامِ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لِلْمَرْءِ إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ» فَإِنْ قُلْت إنْ اُعْتُبِرَ عُمُومُ هَذَا الْحَدِيثِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَمْلِكَ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ الْأَمْلَاكِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ قُلْت عُمُومُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِمَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْت كَوْنُ مَا نَحْنُ فِيهِ يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ هُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ فَيَلْزَمُ الْمُصَادَرَةُ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَرَاضِيَ كَانَتْ فِي أَيْدِي الْكُفَّارِ فَصَارَتْ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَكَانَتْ فَيْئًا وَلَا يَخْتَصُّ أَحَدٌ بِالْفَيْءِ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ كَالْغَنَائِمِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ فَيْئًا وَإِذَا أَحْيَاهَا فَهِيَ لَهُ خَرَاجِيَّةٌ أَوْ عُشْرِيَّةٍ فَهِيَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي السِّيَرِ وَبَيَّنَّا الْخِلَافَ فِيهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ مَلَكَهَا خَرَاجِيَّةً أَوْ عُشْرِيَّةً قَالَ وَالْوَاجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ وَظِيفَةِ الْمُسْلِمِ بِالْخَرَاجِ إلَّا إذَا اسْتَقَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِيِّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ فِيهَا الْخَرَاجُ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَاءِ وَلَوْ تَرَكَهَا بَعْدَ الْإِحْيَاءِ وَزَرَعَهَا غَيْرُهُ قِيلَ الثَّانِي أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَلَكَ اسْتِغْلَالَهَا دُونَ رَقَبَتِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ رَقَبَتَهَا بِالْإِحْيَاءِ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِالتَّرْكِ وَلَوْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا ثُمَّ أَحَاطَ الْإِحْيَاءُ بِجَوَانِبِهَا الْأَرْبَعَةِ أَرْبَعَةً نَفَذَ عَلَى التَّعَاقُبِ تَعَيَّنَ طَرِيقُ الْأَوَّلِ فِي الْأَرْضِ الرَّابِعَةِ فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْيَا الْجَوَانِبَ الثَّلَاثَةَ تَعَيَّنَ الْجَانِبُ الرَّابِعُ لِلِاسْتِطْرَاقِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فَإِنْ جَاءَ أَرْبَعَةٌ مَعًا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحْيَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَانِبًا مِنْهَا، وَأَحَاطُوا بِالْأَرْبَعَةِ جَوَانِبَ مَعًا فَلَهُ أَنْ يَسْتَطْرِقَ مِنْ أَيِّ أَرْضٍ شَاءَ إذَا كَانُوا أَحْيَوْا جَوَانِبَهَا الْأَرْبَعَةَ مَعًا هَكَذَا قَالَ وَالِدِي. اهـ.
. وَيَمْلِكُ الذِّمِّيُّ بِالْإِحْيَاءِ كَالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فَإِنْ قُلْت مَا رَوَاهُ عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ الْحَطَبُ وَالْحَشِيشُ وَمَا رَوَيَاهُ لَمْ يُخَصَّ فَيَكُونُ الْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى قُلْت مَا ذُكِرَ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِافْتِيَاتُ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَالْحَشِيشُ وَالْحَطَبُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِمَا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُمَا عُمُومُ الْحَدِيثِ فَلَمْ يَصِرْ مَخْصُوصًا وَالْأَرْضُ مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ الْغَنَائِمِ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَإِرْضَاعِ الْكِلَابِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ فَكَانَ مَا قُلْنَا أَوْلَى وَفِي الْخَانِيَّةِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ ذَكَرَ النَّاطِفِيُّ: الْقَاضِي فِي وِلَايَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ اهـ.
قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَجَّرَ لَا) يَعْنِي وَإِنْ حَجَّرَ الْأَرْضَ لَا يَمْلِكُهَا بِهِ وَاخْتُلِفَ فِي كَوْنِ التَّحْجِيرِ يُفِيدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute