للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّهُ نَجَسٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَفْسَدَهُ وَقِيلَ لَا يَفْسُدُ لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْأَوَانِي عَنْهُ وَصَحَّحَ الشَّارِحُ وَجَمَاعَةٌ رِوَايَةَ الْهِنْدُوَانِيُّ فَالتَّخْفِيفُ عِنْدَهُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى وَهِيَ مُوجِبَةٌ لِلتَّخْفِيفِ، وَأَمَّا التَّغْلِيظُ عِنْدَهُمَا فَاسْتَشْكَلَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ يُورِثُ التَّخْفِيفَ عِنْدَهُمَا، وَقَدْ وَجَدَ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَكَانَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغٌ. اهـ.

وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِضَعْفِ رِوَايَةِ الطَّهَارَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ صَحَّحَهَا بَعْضُهُمْ كَمَا سَيَأْتِي فَلَمْ يَعُدْ اخْتِلَافًا وَصَحَّحَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ رِوَايَةَ الْكَرْخِيِّ وَهِيَ الطَّهَارَةُ عِنْدَهُمَا وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي الدَّقَائِقِ وَالْأَوْلَى اعْتِمَادُ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلُ لِمُوَافَقَتِهِ لِمَا فِي الْمُتُونِ وَلِهَذَا قَالَ شَارِحُ الْمُنْيَةِ تِلْمِيذُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ تَصْحِيحُ النَّجَاسَةِ أَوْجَهُ وَوَجَّهَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِيهِ لَا تُؤَثِّرُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَلَّ أَنْ يَصِلَ إلَى أَنْ يَفْحُشَ فَيَكْفِي تَخْفِيفُهُ. اهـ.

وَالْخُرْءُ وَاحِدُ الْخُرُوءِ، مِثْلُ قُرْءٍ وَقُرُوءٍ وَعَنْ الْجَوْهَرِيِّ بِالضَّمِّ كَجُنْدٍ وَجُنُودٍ وَالْوَاوُ بَعْدَ الرَّاءِ غَلَطٌ وَالْهِنْدُوَانِي بِضَمِّ الْهَاءِ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَبَرَةٍ وَفِي الْمَنْظُومَةِ لِلنَّسَفِيِّ بِكَسْرِهَا وَهَذِهِ النِّسْبَةُ إلَى الْهِنْدُوَانِ بِكَسْرِ الْهَاءِ حِصَارٌ بِبَلْخٍ يُقَالُ لَهُ بَابُ الْهِنْدُوَانِيُّ يَنْزِلُ فِيهِ الْغِلْمَانُ وَالْجَوَارِي الَّتِي تُجْلَبُ مِنْ الْهِنْدُوَانِ فَلَعَلَّهُ وُلِدَ هُنَاكَ كَذَا فِي الْحَقَائِقِ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنْ أَصَابَهُ بَوْلُ الشَّاةِ وَبَوْلُ الْآدَمِيِّ تُجْعَلُ الْخَفِيفَةُ تَبَعًا لِلْغَلِيظَةِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ وَدَمُ السَّمَكِ وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَبَوْلٌ انْتَضَحَ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ) أَيْ وَعُفِيَ دَمُ السَّمَكِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، أَمَّا دَمُ السَّمَكِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَإِنَّمَا هُوَ دَمٌ صُورَةً؛ لِأَنَّهُ إذَا يَبِسَ يَبْيَضُّ وَالدَّمُ يَسْوَدُّ وَأَيْضًا الْحَرَارَةُ خَاصِّيَّةُ الدَّمِ وَالْبُرُودَةُ خَاصِّيَّةُ الْمَاءِ فَلَوْ كَانَ لِلسَّمَكِ دَمٌ لَمْ يَدُمْ سُكُونُهُ فِي الْمَاءِ، أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ السَّمَكَ الْكَبِيرَ إذَا سَالَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ طَهَارَةُ دَمِ السَّمَكِ مُطْلَقًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ نَجَاسَتُهُ مُطْلَقًا وَأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ وَعَنْهُ نَجَاسَةُ دَمِ الْكَبِيرِ وَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ ضَعِيفٌ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى أَنْوَاعِ الدِّمَاءِ وَأَحْكَامِهَا، وَأَمَّا لُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ فَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْأَسْآرِ وَفِي الْمَجْمَعِ وَيُلْحَقُ بِالْخَفِيفَةِ لُعَابُ الْبَغْلِ ذُو الْحِمَارِ وَطَهَّرَاهُ وَالظَّاهِرُ مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ رِوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَإِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ كَقَوْلِهِمَا

وَأَمَّا الْبَوْلُ الْمُنْتَضَحُ قَدْرَ رُءُوسِ الْإِبَرِ فَمَعْفُوٌّ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ، وَإِنْ امْتَلَأَ الثَّوْبُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وُجُوبُ غَسْلِهِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا أَصَابَهُ مَاءٌ فَكَثُرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهُ أَيْضًا وَشَمَلَ بَوْلَهُ وَبَوْلَ غَيْرِهِ وَقَيَّدَ بِرُءُوسِ الْإِبَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِثْلَ رُءُوسِ الْمِسَلَّةِ مُنِعَ وَفِي الْكَافِي قِيلَ قَوْلُهُ رُءُوسِ الْإِبَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَانِبَ الْآخَرَ مِنْ الْإِبَرِ مُعْتَبَرٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يُعْتَبَرُ الْجَانِبَانِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي التَّبْيِينِ وَحَكَى الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ قَالَ وَغَيْرُهُ مِنْ

ــ

[منحة الخالق]

عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعْرَفُ بِالتَّأَمُّلِ. اهـ.

وَرَدَّ فِي الْعِنَايَةِ كُلًّا مِنْ الْوَجْهَيْنِ فَرَدَّ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ هُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ اشْتِمَالَ الْقِصَّةِ عَلَى الْمُثْلَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِبَارَةَ مَنْسُوخَةٌ فَلَا تَعَارُضَ وَالثَّانِي بِقَوْلِهِ هُوَ أَيْضًا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ الدَّالَّ عَلَى طَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ انْتَفَى التَّعَارُضُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ لَمْ يَثْبُتْ نَجَاسَةُ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَنْزِهُوا» عِنْدَهُ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ. اهـ. أَيْ لَمْ تَثْبُتْ النَّجَاسَةُ يَقِينًا بَلْ يَثْبُتُ الشَّكُّ بِالتَّعَارُضِ

(قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى اعْتِمَادُ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا بِقَوْلِهِمَا أَنْسَبُ إذْ لَا وَجْهَ لِلتَّغْلِيظِ مَعَ ثُبُوتِ الِاخْتِلَافِ وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ رِوَايَةَ الْكَرْخِيِّ ضَعِيفَةٌ وَإِنْ رُجِّحَتْ فَمَنْعُهُ ظَاهِرٌ إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ هَذَا الْمَعْنَى لَمَا ثَبَتَ تَخْفِيفٌ بِاخْتِلَافٍ أَصْلًا وَقَوْلُ التَّخَالُفِ بَعْدَ إثْبَاتِ ضَعْفِ دَلِيلِهِ وَرَدِّهِ مُؤَثِّرٌ فِي التَّخْفِيفِ. اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ وَجِيهٌ كَيْفَ، وَقَدْ اُعْتُبِرَ الِاخْتِلَافُ فِي مَذْهَبِ الْغَيْرِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا أَصْلًا. (قَوْلُهُ: وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) أَقُولُ: فِي الْقُنْيَةِ نِصْفُ النَّجَاسَةِ الْخَفِيفَةِ وَنِصْفُ الْغَلِيظَةِ يُجْمَعَانِ. اهـ.

وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ تُجْمَعُ النَّجَاسَةُ الْمُتَفَرِّقَةُ فَتُجْعَلُ الْخَفِيفَةُ غَلِيظَةً إذَا كَانَتْ نِصْفًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ الْغَلِيظَةِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ. اهـ.

أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فِيمَا إذَا اخْتَلَطَا فَتُرَجَّحُ الْغَلِيظَةُ وَلَوْ كَانَتْ أَقَلَّ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ بِمَاءٍ أَوْ مَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ فِيمَا إذَا كَانَ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلَمْ يَبْلُغْ كُلٌّ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ الْقَدْرَ الْمَانِعَ فَإِذَا بَلَغَ نِصْفَ الْقَدْرِ الْمَانِعِ مِنْ الْغَلِيظَةِ وَنِصْفَهُ مِنْ الْخَفِيفَةِ مُنِعَ تَرْجِيحًا لِلْغَلِيظَةِ وَكَذَا إذَا زَادَتْ الْغَلِيظَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْخَفِيفَةُ أَكْثَرَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي.

[طَهَارَة دَمُ السَّمَكِ وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ]

(قَوْلُهُ: وَفِي الْمَجْمَعِ إلَى قَوْلِهِ وَطَهَّرَاهُ) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: قَدْرَ رُءُوسِ الْإِبَرِ) قَيَّدَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ بِمَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ، ثُمَّ قَالَ وَالتَّقْيِيدُ بِهِ ذَكَرَهُ الْمُعَلَّى فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ إذَا انْتَضَحَ مِنْ الْبَوْلِ شَيْءٌ يُرَى أَثَرُهُ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُغْسَلْ حَتَّى صَلَّى وَهُوَ بِحَالٍ لَوْ جُمِعَ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ أَعَادَ الصَّلَاةَ. اهـ.

قَالَ وَإِذَا صَرَّحَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ بِقَيْدٍ لَمْ يَرِدْ عَنْ غَيْرِهِ مِنْهُمْ تَصْرِيحٌ بِخِلَافِهِ يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ سِيَّمَا وَالْمَوْضِعُ احْتِيَاطٌ وَلَا حَرَجَ فِي التَّحَرُّزِ عَنْ مِثْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَا يُرَى كَمَا فِي أَثَرِ رِجْلِ الذُّبَابِ فَإِنَّ فِي التَّحَرُّزِ عَنْهُ حَرَجًا ظَاهِرًا، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>