وَالْقِيمَةَ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ، وَهُوَ عَائِدٌ إلَى الصَّاعِ وَتَقْدِيرُهُ بِمَا ذَكَرَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَفَعَ الْخِلَافَ بَيْنَهُمْ فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمَّا حَرَّرَهُ وَجَدَهُ خَمْسَةً وَثُلُثًا بِرِطْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ رِطْلِ أَهْلِ بَغْدَادَ؛ لِأَنَّهُ ثَلَاثُونَ إسْتَارًا، وَالْبَغْدَادِيُّ عِشْرُونَ وَإِذَا قَابَلْت ثَمَانِيَةً بِالْبَغْدَادِيِّ بِخَمْسَةٍ وَثُلُثٍ بِالْمَدَنِيِّ وَجَدْتهَا سَوَاءً.
وَهُوَ الْأَشْبَهُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ كَانَ لَذَكَرَهُ عَلَى الْمُعْتَادِ، وَهُوَ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ، وَرَدَّهُ فِي الْيَنَابِيعِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ ثَابِتٌ بِالْحَقِيقَةِ، وَالْإِسْتَارُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَرْبَعَةُ مَثَاقِيلَ وَنِصْفٌ كَذَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ، وَفِي تَقْدِيرِهِ الصَّاعَ بِالْأَرْطَالِ دَلِيلٌ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ نِصْفُ صَاعٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ حَيْثُ الْوَزْنُ لَا مِنْ حَيْثُ الْكَيْلُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ كَيْلًا؛ لِأَنَّ النَّصَّ جَاءَ بِالصَّاعِ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْمِكْيَالِ حَتَّى لَوْ وَزَنَ أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ فَدَفَعَهَا إلَى الْفَقِيرِ لَا يُجْزِئُهُ لِجَوَازِ كَوْنِ الْحِنْطَةِ ثَقِيلَةً لَا تَبْلُغُ نِصْفَ صَاعٍ، وَإِنْ وَزَنَتْ أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ كَذَا قَالُوا لَكِنَّ قَوْلَهُمْ فِي تَقْدِيرِ الصَّاعِ إنَّهُ يُعْتَبَرُ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ كَيْلُهُ وَوَزْنُهُ، وَهُوَ بِالْعَدْسِ وَالْمَاشِّ فَمَا وَسِعَ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ أَوْ خَمْسَةً وَثُلُثًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ الصَّاعُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ يَقْتَضِي رَفْعَ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي تَقْدِيرِ الصَّاعِ كَيْلًا وَوَزْنًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ أَدَّى مَنَوَيْنِ مِنْ الْحِنْطَةِ بِالْوَزْنِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا كَيْلًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ يَبْلُغُ نِصْفَ صَاعٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ اهـ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا نُقِلَ مِنْ الْخِلَافِ أَوَّلًا، وَفِيهَا أَيْضًا وَيَجُوزُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَمِثْلُهُ مِنْ شَعِيرٍ، وَلَا يَجُوزُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ التَّمْرِ وَمُدٌّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَجَوَّزَهُ فِي الْكَفَّارَةِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الزَّنْدَوَسْتِيُّ فِي نَظْمِهِ فَإِنْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ وَنِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعِ تَمْرٍ وَمَنًا وَاحِدًا مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ نِصْفَ صَاعِ شَعِيرٍ وَرُبُعَ صَاعِ حِنْطَةٍ جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ الْكُلُّ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ اهـ.
وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ نِصْفَ الصَّاعِ وَالصَّاعَ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْجَيِّدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ رَدِيءٍ جَازَ، وَإِنْ أَدَّى عَفِينًا أَوْ بِهِ عَيْبٌ أَدَّى النُّقْصَانَ، وَإِنْ أَدَّى قِيمَةَ الرَّدِيءِ أَدَّى الْفَضْلَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِأَفْضَلِيَّةِ الْعَيْنِ أَوْ الْقِيمَةِ فَقِيلَ بِالْأَوَّلِ وَقِيلَ بِالثَّانِي وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ فِي الْخَانِيَّةِ إذَا كَانُوا فِي مَوْضِعٍ يَشْتَرُونَ الْأَشْيَاءَ بِالْحِنْطَةِ كَالدَّرَاهِمِ.
(قَوْلُهُ صُبْحَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ وُلِدَ بَعْدَهُ لَا تَجِبُ) بَيَانٌ لِوَقْتِ وُجُوبِ أَدَائِهَا، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ لِيَجِب أَوَّلَ الْبَابِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ» الْمُرَادُ بِهِ الْفِطْرُ الْمُعْتَادُ فِي سَائِرِ الشَّهْرِ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ بِالْغُرُوبِ أَوْ الْفِطْرِ الَّذِي لَيْسَ بِمُعْتَادٍ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَرَجَّحْنَا الثَّانِيَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْفِطْرُ الْمُعْتَادُ لِسَائِرِ الشَّهْرِ لَوَجَبَ ثَلَاثُونَ فِطْرَةً فَكَانَ الْمُرَادُ صَدَقَةَ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ» أَيْ وَقْتُ فِطْرِكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْكِتَابِ لِوَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي كَافِيهِ فَقَالَ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَ النَّاسُ الْفِطْرَةَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى يَعْنِي بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ لِحَدِيثِ الْحَاكِمِ كَانَ «يَأْمُرُنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُخْرِجَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَكَانَ يُقَسِّمُهَا قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الْمُصَلَّى، وَيَقُولُ: أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّوْفِ فِي هَذَا الْبَلَدِ الْيَوْمَ»
(قَوْلُهُ: وَصَحَّ لَوْ قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ) أَيْ صَحَّ أَدَاؤُهَا إذَا قَدَّمَهُ عَلَى يَوْمِ الْفِطْرِ أَوْ أَخَّرَهُ أَمَّا التَّقْدِيمُ فَلِكَوْنِهِ بَعْدَ السَّبَبِ؛ إذْ هُوَ الرَّأْسُ، وَأَمَّا الْفِطْرُ فَشَرْطُ الْوُجُوبِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إذَا جَاءَ يَوْمُ الْفِطْرِ فَأَنْت حُرٌّ فَجَاءَ
ــ
[منحة الخالق]
[مِقْدَار صَدَقَة الْفِطْر]
(قَوْلُهُ: وَرَدَّهُ فِي الْيَنَابِيعِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَقَالَ صَاحِبُ الْيَنَابِيعِ فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ سَدِيدٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ اعْتَبَرُوا الرِّطْلَ الْعِرَاقِيَّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فَقَدْ نَصَّ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ بِالْعِرَاقِيِّ، وَفِي الْأَسْرَارِ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ كُلُّ رِطْلٍ ثَلَاثُونَ أَسْتَارًا أَوْ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ كُلُّ رِطْلٍ عِشْرُونَ أَسْتَارًا سَوَاءٌ (قَوْلُهُ: يَقْتَضِي رَفْعَ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ) أَيْ الْمَذْكُورِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مُفَادَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الصَّاعِ مَا يَسَعُ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ مِمَّا يَتَسَاوَى كَيْلُهُ وَوَزْنُهُ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْوَزْنِ فَقَطْ وَعَدَمُ اعْتِبَارِ الْكَيْلِ فَقَطْ بَلْ اعْتِبَارُ كَيْلٍ مَخْصُوصٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ الْكَيْلَ لَجَازَ دَفْعُ نِصْفِ صَاعٍ كَيْلُهُ أَكْثَرُ مِنْ وَزْنِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ الْوَزْنَ لَجَازَ دَفْعُ عَكْسِ ذَلِكَ.