للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَأْمُورِ لَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْفِصَادِ وَالْبَزَّاغِ قَالَ فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ ذَهَبَ دَمُهُ هَدَرًا أَيْ بَاطِلًا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الزَّوْجِ إذَا عَزَّرَ زَوْجَتَهُ لِتَرْكِ الزِّينَةِ وَالْإِجَابَةِ إذَا دَعَاهَا إلَى فِرَاشِهِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ) يَعْنِي فَمَاتَتْ، فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا وَلَا يَكُونُ دَمُهَا هَدَرًا؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ وَمَنْفَعَتُهُ تَرْجِعُ إلَيْهِ كَمَا تَرْجِعُ إلَى الْمَرْأَةِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ اسْتِقَامَتُهَا عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ كُلَّ ضَرْبٍ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ، فَإِنَّ الضَّارِبَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ وَكُلُّ ضَرْبٍ كَانَ مَأْذُونًا فِيهِ بِدُونِ الْأَمْرِ فَإِنَّ الضَّارِبَ يَضْمَنُهُ إذَا مَاتَ لِتَقْيِيدِهِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ وَظَهَرَ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَرْبُ زَوْجَتِهِ أَصْلًا وَظَهَرَ بِهِ أَيْضًا أَنَّ لَهُ ضَرْبَهَا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ لَكِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي جَوَازِ ضَرْبِهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ فَذَكَرَ هُنَا تَبَعًا لِكَثِيرٍ أَنَّهُ يَجُوزُ وَفِي النِّهَايَةِ تَبَعًا لِمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَعُودُ إلَيْهِ بَلْ إلَيْهَا وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ضَرْبُهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ وَلِهَذَا قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ لِلزَّوْجِ أَنْ يَضْرِبَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ وَفِي مَعْنَاهَا فَفِي قَوْلِهِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا إفَادَةُ عَدَمِ الْحَصْرِ فَمَا فِي مَعْنَاهَا مَا إذَا ضَرَبَتْ جَارِيَةَ زَوْجِهَا غَيْرَةً وَلَا تَتَّعِظُ بِوَعْظِهِ فَلَهُ ضَرْبُهَا كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقُ بِهِ مَا إذَا ضَرَبَتْ الْوَلَدَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ عِنْدَ بُكَائِهِ؛ لِأَنَّ ضَرْبَ الدَّابَّةِ إذَا كَانَ مَمْنُوعًا فَهَذَا أَوْلَى مِنْهُ مَا إذَا شَتَمَتْهُ أَوْ مَزَّقَتْ ثِيَابَهُ أَوْ أَخَذَتْ لِحْيَتَهُ أَوْ قَالَتْ لَهُ يَا حِمَارُ يَا أَبْلَهُ أَوْ لَعَنَتْهُ سَوَاءٌ شَتَمَهَا أَوْ لَا عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ وَمِنْهُ مَا إذَا شَتَمَتْ أَجْنَبِيًّا وَمِنْهُ مَا إذَا كَشَفَتْ وَجْهَهَا لِغَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ كَلَّمَتْ أَجْنَبِيًّا أَوْ تَكَلَّمَتْ عَامِدًا مَعَ الزَّوْجِ أَوْ شَاغَبَتْ مَعَهُ لِيَسْمَعَ صَوْتَهَا الْأَجْنَبِيُّ وَمِنْهُ مَا إذَا أَعْطَتْ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ بِلَا إذْنِهِ حَيْثُ كَانَتْ الْعَادَةُ لَمْ تَجْرِ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ مُسَامَحَةَ الْمَرْأَةِ بِذَلِكَ بِلَا مَشُورَةِ الزَّوْجِ فَلَيْسَ لَهُ ضَرْبُهَا وَمِنْهُ مَا إذَا ادَّعَتْ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْهُ مَا إذَا طَلَبَتْ نَفَقَتَهَا أَوْ كِسْوَتَهَا وَأَلَحَّتْ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ يَدَ الْمُلَازَمَةِ وَلِسَانَ التَّقَاضِي كَذَا أَفَادَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي مَسَائِلِ الضَّرْبِ مِنْ فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ لِلْكُلِّ أَنَّهَا إذَا ارْتَكَبَتْ مَعْصِيَةً لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ، فَإِنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُعَزِّرَهَا كَمَا أَنَّ لِلسَّيِّدِ ذَلِكَ بِعَبْدِهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ فَصْلِ الْقَسْمِ بَيْنَ النِّسَاءِ وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالزَّوْجِ وَبِغَيْرِهِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا ضَرَبَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ ضَرْبُهَا لِتَرْكِ الزِّينَةِ إذَا كَانَتْ قَادِرَةً عَلَيْهَا وَكَانَتْ شَرْعِيَّةً وَإِلَّا فَلَا كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ ضَرْبُهَا لِتَرْكِ الْإِجَابَةِ إذَا كَانَتْ طَاهِرَةً عَنْ الْحَيْضِ وَعَنْ النِّفَاسِ وَكَمَا يَجُوزُ ضَرْبُهَا لِلْخُرُوجِ إذَا كَانَ الْخُرُوجُ بِغَيْرِ حَقٍّ

وَأَمَّا إذَا كَانَ بِحَقٍّ فَلَيْسَ لَهُ ضَرْبُهَا عَلَيْهِ وَقَدَّمْنَا الْمَوَاضِعَ الَّتِي تَخْرُجُ إلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ وَأَطْلَقَ فِي الزَّوْجَةِ فَشَمِلَ الصَّغِيرَةَ وَلِذَا قَالَ فِي التَّبْيِينِ إنَّ التَّعْزِيرَ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الصِّبْيَانِ وَفِي الْقُنْيَةِ مُرَاهِقٌ شَتَمَ عَالِمًا فَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ. اهـ.

وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى السَّرَخْسِيِّ الصَّغِيرُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ التَّعْزِيرِ وَلَوْ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لَمُنِعَ وَعَنْ التَّرْجُمَانِيِّ الْبُلُوغُ يُعْتَبَرُ فِي التَّعْزِيرِ أَرَادَ بِهِ مَا وَجَبَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى نَحْوُ مَا إذَا شَرِبَ الصَّبِيُّ أَوْ زَنَى أَوْ سَرَقَ وَمَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ فِيمَا يَجِبُ حَقًّا لِلْعَبْدِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا. اهـ.

قَيَّدَ بِالزَّوْجَةِ لَا بِالْأَبِ وَالْمُعَلِّمُ لَا يَضْمَنُ وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَا يَجُوزُ ضَرْبُ أُخْتِهَا الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ إذَا بَلَغَتْ عَشْرًا وَلَهُ أَنْ يَضْرِبَ الْيَتِيمَ فِيمَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ بِهِ وَرَدَتْ الْآثَارُ وَالْأَخْبَارُ وَفِي الرَّوْضَةِ لَهُ أَنْ يُكْرِهَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ عَلَى تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَالْأَدَبِ وَالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فُرِضَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ وَلَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِضَرْبِ عَبْدِهِ حَلَّ لِلْمَأْمُورِ ضَرْبُهُ بِخِلَافِ الْحُرِّ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهَذَا نَصِيصٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ ضَرْبِ وَلَدِ الْآمِرِ بِأَمْرِهِ بِخِلَافِ الْمُعَلِّمِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ يَضْرِبُهُ نِيَابَةً عَنْ الْأَبِ لِمَصْلَحَتِهِ وَالْمُعَلِّمُ يَضْرِبُهُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ بِتَمْلِيكِ أَبِيهِ لِمَصْلَحَةِ الْوَلَدِ. اهـ.

وَفِيهَا أَيْضًا عَنْ

ــ

[منحة الخالق]

[حُدَّ أَوْ عُزِّرَ فَمَاتَ]

(قَوْلُهُ: أَوْ قَالَتْ لَهُ يَا حِمَارُ يَا أَبْلَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَنْبَغِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَدَمُ التَّعْزِيرِ فِيهِمَا، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي إنْ كَانَ الْمَقُولُ لَهُ مِنْ الْأَشْرَافِ أَنْ يُعَزَّرَ الْقَائِلُ وَإِلَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ فِي الزَّوْجِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا وَالْمَوْضِعُ يَحْتَاجُ إلَى تَدَبُّرٍ وَتَأَمُّلٍ (قَوْلُهُ: إنَّ التَّعْزِيرَ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الصِّبْيَانِ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الصَّبِيِّ إذَا وَجَبَ التَّعْزِيرُ عَلَيْهِ لِلتَّأْدِيبِ فَبَلَغَ

وَنَقَلَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ سُقُوطَهُ لِزَجْرِهِ بِالْبُلُوغِ وَمُقْتَضَى مَا فِي الْيَتِيمَةِ مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا وَجَبَ التَّعْزِيرُ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ. اهـ.

قَالَ الرَّمْلِيُّ هُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا وَجْهَ لِسُقُوطِهِ خُصُوصًا إذَا لَمْ يَكُنْ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ كَانَ حَقَّ آدَمِيٍّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِالزَّوْجَةِ لَا بِالْأَبِ وَالْمُعَلِّمِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>