للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ جَازَ وَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ حَقَّ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَعَلَّلُوا الْأَوَّلَ بِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَخَصَائِصِ الدِّينِ فَيَجِبُ إقَامَتُهَا عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِهَارِ، وَفِي الْمُجْتَبَى فَانْظُرْ إلَى السُّلْطَانِ يَحْتَاجُ إلَى الْعَامَّةِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ احْتِيَاجَ الْعَامَّةِ إلَيْهِ فَلَوْ أَمَرَ إنْسَانًا يُجَمِّعُ بِهِمْ فِي الْجَامِعِ، وَهُوَ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ جَازَ لِأَهْلِ الْجَامِعِ دُونَ أَهْلِ الْمَسْجِدِ إلَّا إذَا عَلِمَ النَّاسُ بِذَلِكَ اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هَذَا الشَّرْطَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ.

(قَوْلُهُ وَشَرْطُ وُجُوبِهَا: الْإِقَامَةُ وَالذُّكُورَةُ وَالصِّحَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَسَلَامَةُ الْعَيْنَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ) فَلَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ، وَلَا عَلَى امْرَأَةٍ، وَلَا مَرِيضٍ، وَلَا عَبْدٍ وَلَا أَعْمَى، وَلَا مُقْعَدٍ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ يُحْرَجُ فِي الْحُضُورِ، وَكَذَا الْمَرِيضُ وَالْأَعْمَى وَالْعَبْدُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى وَالْمَرْأَةُ بِخِدْمَةِ الزَّوْجِ فَعُذِرُوا دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالضَّرَرِ، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْأَعْمَى إذَا كَانَ مُقِيمًا بِالْجَامِعِ الَّذِي تُصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةُ، وَأُقِيمَتْ وَهُوَ حَاضِرٌ هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ أَوْ لَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ وَالْإِسْلَامَ؛ لِأَنَّهَا شَرْطُ كُلِّ تَكْلِيفٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهَا هُنَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي ضَعُفَ فَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْمَرِيضِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمَطَرُ الشَّدِيدُ وَالِاخْتِفَاءُ مِنْ السُّلْطَانِ الظَّالِمِ مُسْقِطٌ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَشَرْطُ وُجُوبِهَا الْإِقَامَةُ وَالذُّكُورَةُ وَالصِّحَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَوُجُودُ الْبَصَرِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْمَشْيِ وَعَدَمُ الْحَبْسِ وَالْخَوْفِ وَالْمَطَرِ الشَّدِيدِ لَكَانَ أَشْمَلَ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِاشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ إلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَى الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ وَالْعَبْدِ الَّذِي حَضَرَ مَعَ مَوْلَاهُ بَابَ الْمَسْجِدِ لِحِفْظِ الدَّابَّةِ، وَلَمْ يُخِلَّ بِالْحِفْظِ وَالْعَبْدُ الَّذِي يُؤَدِّي الضَّرِيبَةَ لِفَقْدِ الشَّرْطِ لَكِنْ هَلْ لَهُ صَلَاتُهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَإِذَا أَرَادَ الْعَبْدُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْجُمُعَةِ أَوْ إلَى الْعِيدَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ مَوْلَاهُ يَرْضَى بِذَلِكَ جَازَ وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْخُرُوجُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ رَآهُ فَسَكَتَ حَلَّ لَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ بِمَنْزِلَةِ الرِّضَى وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْعَبْدِ يَسُوقُ دَابَّةَ مَوْلَاهُ إلَى الْجَامِعِ فَإِنَّهُ يَشْتَغِلُ بِالْحِفْظِ، وَلَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الرِّضَا بِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَا يُخِلُّ بِحَقِّ الْمَوْلَى فِي إمْسَاكِ دَابَّتِهِ اهـ.

وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، فَإِنْ أَذِنَ لِلْعَبْدِ مَوْلَاهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحُضُورُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَخَيَّرُ وَصَحَّحَ الْوُجُوبَ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَجَزَمَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ بِالتَّخْيِيرِ، وَهُوَ أَلْيَقُ بِالْقَوَاعِدِ فَأَشَارَ بِاشْتِرَاطِ سَلَامَةِ الْعَيْنَيْنِ إلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَى الْأَعْمَى مُطْلَقًا أَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْ قَائِدًا فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَجَدَهُ إمَّا بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَوْ مَعَهُ مَالٌ يَسْتَأْجِرُهُ بِهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَأَشَارَ بِاقْتِصَارِهِ عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ إلَى أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ عَنْ الْأَجِيرِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ مَنْعُ الْأَجِيرِ عَنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي حَفْصٍ وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ لَكِنْ تَسْقُطُ عَنْهُ الْأُجْرَةُ بِقَدْرِ اشْتِغَالِهِ بِذَلِكَ إنْ كَانَ بَعِيدًا، وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا لَا يُحَطُّ عَنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا أَوْ اشْتَغَلَ قَدْرَ رُبُعِ النَّهَارِ حُطَّ عَنْهُ رُبُعُ الْأُجْرَةِ، فَإِنْ قَالَ الْأَجِيرُ حُطَّ عَنِّي الرُّبُعَ بِمِقْدَارِ اشْتِغَالِي بِالصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ اهـ.

وَظَاهِرُ الْمُتُونِ يَشْهَدُ لِلدَّقَّاقِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ سَلَامَةِ الْعَيْنَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِدُخُولِهِمَا تَحْتَ الصِّحَّةِ كَمَا وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ إحْدَاهُمَا لَوْ لَمْ تَسْلَمْ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَعْمَى، وَلَا بِمُقْعَدٍ فَلَوْ قَالَ وَوُجُودُ الْبَصَرِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْيِ لَكَانَ أَوْلَى إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْمُثَنَّى أَبْطَلَتْ مَعْنَى التَّثْنِيَةِ كَالْجَمْعِ

ــ

[منحة الخالق]

مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ عُيُونِ الْمَذَاهِبِ لَا يَضُرُّ غَلْقُ بَابِ الْقَلْعَةِ لِعَدُوٍّ أَوْ لِعَادَةٍ قَدِيمَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ الْعَامَّ مُقَرَّرٌ لِأَهْلِهِ وَغَلْقُهُ لِمَنْعِ الْعَدُوِّ لَا الْمُصَلِّي نَعَمْ لَوْ لَمْ يُغْلَقْ لَكَانَ أَحْسَنَ اهـ.

وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَعَلَى اعْتِبَارِهِ أَيْ الْإِذْنِ الْعَامِّ تَحْصُلُ الشُّبْهَةُ فِي صِحَّتِهَا فِي قَلْعَةِ دِمَشْقَ وَأَضْرَابِهَا حَيْثُ يُغْلَقُ بَابُهَا وَيُمْنَعُ النَّاسُ مِنْ الدُّخُولِ حَالَ الصَّلَاةِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِيهَا بَلْ الظَّاهِرُ حِينَئِذٍ عَدَمُ الصِّحَّةِ إذْ لَا إذْنَ عَامَّ فِيهَا إلَّا لِمَنْ فِي دَاخِلِهَا كَمَنْ فِي دَاخِلِ الْقَصْرِ.

[شُرُوطُ وُجُوبِ الْجُمُعَة]

(قَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ الْأَجِيرُ حُطَّ عَنِّي الرُّبُعَ بِمِقْدَارِ اشْتِغَالِي) لَمْ أَجِدْ لَفْظَةً الرُّبُعِ هُنَا فِي نُسْخَتَيْ الْخُلَاصَةِ وَبِدُونِهَا يَظْهَرُ الْمَعْنَى وَكَأَنَّهَا زَائِدَةٌ مِنْ النَّاسِخِ فِي نُسْخَةِ الْمُؤَلِّفِ وَالْمَعْنَى مَا قَالَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة لَيْسَ لِلْأَجِيرِ أَنْ يُطَالِبَهُ مِنْ الرُّبُعِ الْمَحْطُوطِ بِمِقْدَارِ اشْتِغَالِهِ بِالصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَلَا حَاجَةَ إلَخْ) ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَرِيضِ الَّذِي خَرَجَ بِقَيْدِ الصِّحَّةِ مَنْ سَاءَ مِزَاجُهُ وَأَمْكَنَ عِلَاجُهُ، وَلِكُلٍّ جِهَةٌ؛ لِمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ: إنَّ عَدَمَ سَلَامَةِ الْعَيْنَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ مِنْ الْأَمْرَاضِ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ إلَّا أَنَّهُمَا فِي الْعُرْفِ لَا يُعَدَّانِ مَرَضًا فَلِهَذَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ وَلِأَنَّ فِيهِمَا خِلَافًا اهـ.

(قَوْلُ مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِهِ إلَخْ) اُسْتُدْرِكَ عَلَيْهِ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ بِمَا قَالَهُ الشُّمُنِّيُّ وَغَيْرُهُ لَا تَجِبُ عَلَى مَفْلُوجِ الرِّجْلِ، وَلَا مَقْطُوعِهَا وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِحَمْلِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَلَى مَا إذَا أَصَابَ الْأُخْرَى مُجَرَّدُ الْعَرَجِ الْغَيْرُ الْمَانِعِ مِنْ الْمَشْيِ بِلَا مَشَقَّةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>