يَكُونَ مُبَاحًا كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَتَقْدِيرَهُ مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ وَشَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ فَاَللَّهُ تَعَالَى مَا أَبَاحَ إجْرَاءَ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِمْ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ وَإِنَّمَا دَفَعَ عَنْهُمْ الْعَذَابَ وَالْغَضَبَ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ نَفْيِ الْغَضَبِ وَهُوَ حُكْمُ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ عَدَمِ الْحُكْمِ عَدَمُ الْعِلَّةِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْغَضَبُ مُنْتَفِيًا مَعَ قِيَامِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْغَضَبِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ فَلَمْ تَثْبُتْ إبَاحَةُ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ اهـ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَضْمَنَ لِمُكْرِهٍ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتْلِفُ لِمَالِهِ وَالْمُكْرَهَ آلَةٌ لَهُ فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ بِقَتْلٍ لَا يُرَخَّصُ) يَعْنِي لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ بِالْقَتْلِ لَا يُرَخَّصُ لَهُ الْقَتْلُ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الرُّخْصَةِ خَوْفُ التَّلَفِ وَالْمُكْرَهُ وَالْمُكْرَهُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ فَسَقَطَ الْمُكْرَهُ؛ وَلِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ مِمَّا لَا يُسْتَبَاحُ لِضَرُورَةٍ مَا فَكَذَا بِالْإِكْرَاهِ، وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ وَأَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ غَيْرِهِ فَشَمِلَ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ وَعَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أُكْرِهَ بِقَتْلِهِ أَنْ يَقْتُلَ عَبْدَهُ أَوْ يَقْطَعَ يَدَهُ لَمْ يَسَعْهُ ذَلِكَ فَإِنْ قَتَلَ يَأْثَمُ وَيُقْتَلُ الْمُكْرَهُ فِي الْقَتْلِ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ دَمَهُ حَرَامٌ بِأَصْلِ الْفِطْرَةِ، وَلَوْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ فَقَتَلَهُ لَمْ يَحْرِمْهُ عَنْ الْمِيرَاثِ، وَلَوْ كَانَ الْمُكْرَهُ أَبَا الْمَقْتُولِ أَوْ ابْنَهُ يُحْرَمْ عَنْ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ لِلْقَتْلِ هُوَ الْمُكْرَهُ، وَلَوْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ عَلَى أَنْ يَضْرِبَ رَجُلًا بِحَدِيدَةٍ فَضَرَبَهُ وَثَنَى بِغَيْرِ إكْرَاهٍ فَمَاتَ قُتِلَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ إحْدَى الضَّرْبَتَيْنِ بِغَيْرِ إكْرَاهٍ فَصَارَتْ مَنْقُولَةً إلَيْهِ وَالْأُخْرَى مَنْقُولَةً إلَى الْمُكْرِهِ، وَلَوْ كَانَتْ إحْدَى الضَّرْبَتَيْنِ بِعَصَاةٍ غَرِمَ عَاقِلَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَإِنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ فَالضَّمَانُ عَلَى الضَّارِبِ قَوَدًا كَانَ أَوْ دِيَةً؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ بِالْحَبْسِ لَا يُعْتَبَرُ إكْرَاهًا فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَفِيهِ أَيْضًا.
وَلَوْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ عَلَى أَنْ يَأْمُرَ رَجُلًا بِقَتْلِ عَبْدِهِ فَقَتَلَهُ عَمْدًا يُقْتَلُ الْقَاتِلُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالْقَتْلِ لَمْ يَصِحَّ مَعَ الْإِكْرَاهِ؛ وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ عَدَمُ الرِّضَا فَيَكُونُ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى الْقَتْلِ دُونَ الْإِذْنِ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِالْعِتْقِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ لَا يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ إلَّا بِالْإِذْنِ فَصَارَ الْمُعْتَقُ مُتْلِفًا بِسَبَبِ الْإِذْنِ فَيَصِيرُ التَّلَفُ مُحَالًا إلَى الْإِذْنِ، وَلَوْ أُكْرِهَ الْمَوْلَى بِحَبْسٍ أَوْ قَتْلٍ فَقَتَلَهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ اسْتِحْسَانًا وَيَقْتَصُّ الْقَاتِلُ قِيَاسًا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِذْنَ إذَا فَسَدَ بِالْإِكْرَاهِ لِفَوَاتِ الرِّضَا مُعْتَبَرٌ مِنْ وَجْهٍ وَفِعْلَ الْمَأْذُونِ كَفِعْلِ الْآذِنِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فَلَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فَأَوْجَبْنَا الدِّيَةَ صَوْنًا لِدَمِهِ عَنْ الْهُدُوءِ، وَلَوْ أُكْرِهَ الْمَوْلَى بِقَتْلٍ عَلَى بَيْعِ عَبْدِهِ وَتَسْلِيمِهِ وَالْمُشْتَرِي بِالْقَتْلِ عَلَى الشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ، ثُمَّ أُكْرِهَ الْمُشْتَرِي مِنْ عَلَى قَتْلِهِ بِقَتْلٍ فَلِلْمَوْلَى أَنْ يَقْتُلَ الْمُكْرَهَ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي مُكْرَهٌ عَلَى الْقَتْلِ فَصَارَ فِعْلُهُ مَنْقُولًا إلَى الْمُكْرَهِ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَمْلُوكٌ لِلْمُشْتَرِي وَلِلْبَائِعِ فِيهِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ فَكَانَ الْقِصَاصُ لِلْبَائِعِ مِنْ وَجْهٍ وَلِلْمُشْتَرِي وَجْهٌ فَكَانَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْقِصَاصِ مَجْهُولًا فَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فَأَوْجَبْنَا الْقِيمَةَ عَلَى الْمُكْرَهِ فِي مَالِهِ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ.
وَقَدْ أَبْطَلَ الْمُشْتَرِي هَذَا الْحَقَّ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَلَوْ أُكْرِهَ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ عَلَى الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى الشِّرَاءِ بِقَتْلٍ، ثُمَّ أُكْرِهَ الْمُشْتَرِي عَلَى قَتْلِهِ بِقَتْلٍ فَقَتَلَهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِمَوْلَاهُ ثُمَّ يُقْتَلُ الْمُكْرَهُ بِالْعَبْدِ قِصَاصًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي طَائِعٌ فِي الْقَبْضِ مُكْرَهٌ فِي الشِّرَاءِ فَمَلَكَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ وَقَتْلُهُ صَارَ مَنْقُولًا إلَى الْمُكْرَهِ فَصَارَ الْمُكْرَهُ قَاتِلًا عَبْدًا عَمْدًا فَيَجِبُ الْقِصَاصُ، وَلَوْ أُكْرِهَ الْمُشْتَرِي عَلَى الشِّرَاءِ بِحَبْسٍ وَلِلْبَائِعِ بِقَتْلٍ، ثُمَّ أُكْرِهَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَتْلِ بِقَتْلٍ فَقَتَلَهُ فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُكْرِهَ قِيمَةَ عَبْدِهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ طَائِعٌ فِي الْقَبْضِ، وَقَدْ قَتَلَهُ الْمُكْرَهُ بِقَتْلِ الْمُشْتَرِي فَيَجِبُ الْقِصَاصُ اهـ.
قَوْلُهُ بِالْقَتْلِ يَشْمَلُ مَا إذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ بِأَنْ قَالَ إنْ لَمْ تَقْتُلْ قَتَلْتُك أَوْ دَلَّ الْحَالُ عَلَيْهِ بِأَنَّ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ قَتْلُهُ وَلَمْ يُصَرِّحْ لَهُ بِذَلِكَ لِمَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى لَوْ قَالَ لَهُ اُقْتُلْ فُلَانًا أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْقَتْلُ فَقَتَلَهُ هُوَ إكْرَاه فَإِذَا قَتَلَهُ يُقْتَصُّ مِنْ الْمُكْرَهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَتَلَهُ أَثِمَ) ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بَاقِيَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَأَثِمَ بِمُبَاشَرَتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِثْمَ يَكُونُ بِذِمَّتِهِ وَالْمُكْرَه لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ فِي حَقِّهِ، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا لَا يُرَخَّصُ لَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَتْلَ النَّفْسِ بِالضَّيَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهُ وَلَدٌ لَيْسَ لَهُ أَبٌ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إفْسَادَ الْفِرَاشِ بِخِلَافِ جَانِبِ الْمَرْأَةِ حَيْثُ يُرَخَّصُ لَهَا بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ لَا يَنْقَطِعُ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ فِي جَانِبِهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَلِهَذَا وَجَبَ الْإِكْرَاهُ الْقَاصِرُ دَرْءًا لِلْحَدِّ فِي حَقّهَا دُونَ الرَّجُلِ.
[الْقِصَاص مِنْ الْمُكْرَهِ]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقْتَصُّ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute