الْمُكْرَهِ فَقَطْ) ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ زُفَرُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ دُونَ الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْقَاتِلُ هُوَ الْمُكْرَهُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ وَلِهَذَا يَتَعَلَّقُ الْإِثْمُ بِهِ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ وَهُوَ لَا يَجْرِي فِيهِ الِاسْتِنَادُ لِغَيْرِ الْفَاعِلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَهُمَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَتْلِ بِطَبْعِهِ إيثَارًا لِحَيَاةِ نَفْسِهِ فَيَصِيرُ آلَةً لِنَفْسِهِ لِلْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ وَهُوَ الْإِتْلَافُ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ بِخِلَافِ الْإِثْمِ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْجِنَايَةِ عَلَى دِيَتِهِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ فِيهِ فَيَأْثَمُ الْمُكْرَهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْآمِرُ بَالِغًا عَاقِلًا أَوْ مَعْتُوهًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا فَالْقَوَدُ عَلَيْهِ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَنَسَبَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ عَبْدُ الْعَزِيزِ إلَى السَّهْوِ وَنُقِلَ عَنْ أَبِي الْيُسْرِ فِي مَبْسُوطِهِ لَوْ كَانَ الْآمِرُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْفَاعِلَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْعُقُوبَةِ كَذَا فِي الْأَكْمَلِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا أَوْ يَكْفُرَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَسِعَهُ الْكُفْرُ دُونَ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُرَخَّصُ فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ دُونَ الْقَتْلِ فَإِنَّهُ لَا يُرَخَّصُ بِحَالٍ، وَلَوْ قَتَلَ وَلَمْ يَكْفُرْ الْمُكْرَهُ دُونَ الْقَتْلِ قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مُخْتَارًا طَائِعًا وَيَضْمَنُ الدِّيَةَ اسْتِحْسَانًا فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثَ سِنِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأَنَّ الْكُفْرَ يَسَعُهُ يُقْتَلُ بِهِ، وَقِيلَ لَا يُقْتَلُ بِهِ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمُورِثَ لِلشُّبْهَةِ قَائِمٌ وَهُوَ حُرْمَةُ الْكُفْرِ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ أَوْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ أَوْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ فَقُتِلَ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ دُونَ الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ وَشُرْبَ الْخَمْرِ يُرَخَّصُ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى إعْتَاقٍ وَطَلَاقٍ فَفَعَلَ وَقَعَ) يَعْنِي لَوْ أُكْرِهَ عَلَى إعْتَاقٍ وَطَلَاقٍ فَأَعْتَقَ وَطَلَّقَ وَقَعَ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَعَدَمُ صِحَّةِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْأَقَارِيرِ لِمَعْنًى رَاجِعٌ إلَى التَّصَرُّفِ وَهُوَ كَوْنُهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الرِّضَا وَمَعَ الْإِكْرَاهِ لَا يُوجَدُ الرِّضَا فَأَمَّا الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الرِّضَا فَيَقَعُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ يَقَعَانِ مَعَ الْهَزْلِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الرِّضَا فِيهِمَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَأَخَوَاتِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنِّكَاحِ يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ.
وَلَوْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَى الْإِكْرَاهِ يَصِحُّ فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مِثْلَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ جَازَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ عَوَّضَهُ مِثْلَ مَا أَخْرَجَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَالزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ وَيَجِبُ مِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ الرِّضَا فِي الزِّيَادَةِ بِالْإِكْرَاهِ وَإِنْ أَكْرَهَ الْمَرْأَةَ عَلَى النِّكَاحِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى مُتْلِفِ الْمَنْفَعَةِ؛ وَلِأَنَّهُ عِوَضُ الْمَهْرِ فَلَا يُعَدُّ إزَالَةً وَإِتْلَافًا فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ كُفُؤًا وَالْمَهْرُ مَهْرَ الْمِثْلِ جَازَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَالزَّوْجُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَتَمَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَإِنْ شَاءَ فَارَقَهَا إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا وَهِيَ مُكْرَهَةٌ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ دَخَلَ بِهَا وَهِيَ طَائِعَةٌ فَهُوَ رِضًا مِنْهَا بِالْمُسَمَّى إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمَوْلَى حَقُّ تَكْمِيلِ مَهْرِ مِثْلِهَا عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا وَإِنْ فَارَقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا مَهْرَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَلَى إعْتَاقٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْعِتْقِ مِنْ إعْتَاقٍ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى شِرَاءِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَاشْتَرَى يُعْتَقُ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى شِرَاءِ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى شِرَاءِ أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْهُ بِالنِّكَاحِ فَاشْتَرَى فَعَتَقَتْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ مِنْ غَيْرِ إعْتَاقٍ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَرَجَعَ بِقِيمَتِهِ) يَعْنِي يَرْجِعُ الْمُكْرِهُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَالْمُكْرَهَ آلَةٌ لَهُ فِيهِ فَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْإِتْلَافِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ السِّعَايَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِلْخُرُوجِ لِلْحُرِّيَّةِ كَمَا فِي مُعْتَقِ الْبَعْضِ أَوْ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ كَعِتْقِ الرَّاهِنِ الْمَرْهُونَ وَهُوَ مُعْسِرٌ أَوْ عِتْقِ الْمَرِيضِ عَبْدَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَأَطْلَقَ الْمُؤَلِّفُ فِي الرُّجُوعِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي عِتْقًا مُسْتَقِلًّا كَمَا طَلَبَ مِنِّي أَوْ قَالَ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِي سِوَى الْإِتْيَانِ بِمَطْلُوبِهِ أَمَّا لَوْ قَالَ خَطَرَ بِبَالِي الْإِخْبَارُ فَأَخْبَرْته فِيمَا مَضَى كَاذِبًا وَأَرَدْت ذَلِكَ لِإِنْشَاءِ الْحُرِّيَّةِ عَتَقَ الْعَبْدُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً وَلَا يَضْمَنُ الْمُكْرِهُ الْمُكْرَهَ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ عَدَلَ عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَكَانَ طَائِعًا فِي الْإِقْرَارِ فَلَا يَصْدُقُ فِي دَعْوَاهُ الْإِخْبَارَ كَاذِبًا فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الْمُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِعِوَضٍ وَهُوَ الْوَلَاءُ وَالْإِتْلَافَ بِعِوَضٍ كَلَا إتْلَافٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَلَاءَ سَبَبُهُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى فَكَيْفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute