للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا: قَالُوا مَنْ لَا يُحْسِنُ الْقُنُوتَ الْمَعْرُوفَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي.

(قَوْلُهُ وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ) أَيْ وَالتَّكْبِيرَاتُ الزَّوَائِدُ فِي صَلَاتَيْ الْعِيدَيْنِ وَهِيَ ثَلَاثٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَاسْتُدِلَّ لِلْوُجُوبِ بِالْإِضَافَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَفِيهِ مِنْ الْبَحْثِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ الْقَدِيرِ: أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَى وُجُوبِ الْأَذْكَارِ الْمَذْكُورَةِ بِالْمُوَاظَبَةِ الْمَقْرُونَةِ بِالتَّرْكِ فِي التَّشَهُّدِ لِلنِّسْيَانِ فَلَا يُلْحَقُ بِالْمُبَيَّنِ أَعْنِي الصَّلَاةَ لِيَكُونَ فَرْضًا، أَمَّا فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ فَلِأَنَّ أَصْلَهُمَا بِظَنِّيٍّ فَلَا تَكُونُ الْمُوَاظَبَةُ فِيهِمَا مُحْتَاجَةً إلَى الِاقْتِرَانِ بِالتَّرْكِ لِيَثْبُتَ بِهِ الْوُجُوبُ، وَالْمُوَاظَبَةُ فِي السَّلَامِ مُعَارَضَةٌ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ بَيَانًا لِمَا تَقَرَّرَ جُزْءًا لِلصَّلَاةِ اهـ.

وَظَاهِرَةُ ثُبُوتِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ حَتَّى أَثْبَتَ بِهَا الْوُجُوبَ، وَقَدْ نَازَعَ هُوَ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْوِتْرِ بِأَنَّ الْوَارِدَ مُطْلَقُ الْمُوَاظَبَةِ أَعَمُّ مِنْ الْمَقْرُونَةِ بِالتَّرْكِ أَحْيَانًا وَغَيْرِ الْمَقْرُونَةِ، وَلَا دَلَالَةَ لِلْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ وَإِلَّا لَوَجَبَ الْكَلِمَاتُ الْوَارِدَةُ عَيْنًا أَوْ كَانَتْ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا وَذُكِرَ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّ مِنْ الْوَاجِبَاتِ رِعَايَةُ لَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إذَا قَالَ: اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ يَعْنِي سَاهِيًا بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ. اهـ.

وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْخِلَافِ فِي مُرَاعَاةِ لَفْظِ التَّكْبِيرِ لِلِافْتِتَاحِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَأَنَّ الرَّاجِحَ وُجُوبُهَا فَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِيدِ وَغَيْرِهَا، وَمِنْ الْوَاجِبَاتِ تَكْبِيرَةُ الْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاتَيْ الْعِيدَيْنِ ذَكَرَهُمَا الشَّارِحُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ.

[الْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ فِي الصَّلَاةِ]

(قَوْلُهُ وَالْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ فِيمَا يُجْهَرُ وَيُسَرُّ) لِلْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ أَطْلَقَهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا يُبَيِّنُهُ فِي مَحَلِّهِ مِنْ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ مُخَيَّرٌ فِيمَا يَجْهَرُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِخْفَاءَ فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ وَاجِبٌ عَلَى الْمُصَلِّي إمَامًا كَانَ أَوْ مُنْفَرِدًا وَهِيَ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالرَّكْعَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْأُخْرَيَانِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ اتِّفَاقًا وَعَلَى مُنْفَرِدٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَمَّا الْجَهْرُ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ فَوَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ فَقَطْ، وَهُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ وَهِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَالرَّكْعَتَانِ الْأُولَيَانِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالتَّرَاوِيح وَالْوِتْرِ فِي رَمَضَانَ.

(قَوْلُهُ وَسُنَنُهَا رَفْعُ الْيَدَيْنِ لِلتَّحْرِيمَةِ) لِلْمُوَاظَبَةِ وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ تُفِيدُ الْوُجُوبَ لَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَا يُفِيدُ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِحَامِلِ الْوُجُوبِ، وَقَدْ وُجِدَ، وَهُوَ تَعْلِيمُهُ الْأَعْرَابِيَّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ تَأْوِيلٍ، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ، عَلَى أَنَّهُ حُكِيَ فِي الْخُلَاصَةِ خِلَافًا فِي تَرْكِهِ: قِيلَ يَأْثَمُ، وَقِيلَ لَا، قَالَ وَالْمُخْتَارُ إنْ اعْتَادَهُ أَثِمَ لَا إنْ كَانَ أَحْيَانًا. اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ شِقَّيْ هَذَا الْقَوْلِ مَحْمَلَ الْقَوْلَيْنِ فَلَا اخْتِلَافَ حِينَئِذٍ وَلَا إثْمَ لِنَفْسِ التَّرْكِ بَلْ لِأَنَّ اعْتِيَادَهُ لِلِاسْتِخْفَافِ وَإِلَّا فَمُشْكِلٌ أَوْ يَكُونُ وَاجِبًا. اهـ.

وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأَثِمَ مَنُوطٌ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ أَوْ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ عَلَى الصَّحِيحِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ مَنْ تَرَكَ سُنَنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ قِيلَ لَا يَأْثَمُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْثَمُ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتَصْرِيحِهِمْ بِالْإِثْمِ لِمَنْ تَرَكَ الْجَمَاعَةَ مَعَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ لِمَنْ تَتَبَّعَ كَلَامَهُمْ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَثِمَ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ بَعْضُهُ أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ فَالْإِثْمُ لِتَارِكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ أَخَفُّ مِنْ الْإِثْمِ لِتَارِكِ الْوَاجِبِ، وَلِهَذَا قِيلَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْإِثْمِ عَلَى هَذَا إثْمٌ يَسِيرٌ كَمَا هُوَ حُكْمُ هَذِهِ السُّنَّةِ الْمُوَاظَبِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ اهـ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَائِلَ بِالْإِثْمِ فِي تَرْكِ الرَّفْعِ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى فَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَالْقَائِلُ بِعَدَمِهِ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الزَّوَائِدِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَبِّ، وَقَدْ قَالَ فِي

ــ

[منحة الخالق]

[تَكْبِير الْعِيدَيْنِ]

(قَوْلُهُ: وَهُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ) مَحَلُّهُ فِي الْأَدَاءِ أَمَّا الْقَضَاءُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ أَنْ يُخَافِتَ فِيهِ إذَا قَضَاهُ فِي وَقْتِ الْمُخَافَتَةِ كَمَا فِي الْمِنَحِ عَنْ السِّرَاجِ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ وَيَأْتِي تَصْحِيحُهُ أَيْضًا

[سُنَنُ الصَّلَاة]

(قَوْلُهُ لَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَا يُفِيدُ إلَخْ) أَيْ أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ تُفِيدُ الْوُجُوبَ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ تُفِيدُهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ يُفِيدُ أَنَّ تِلْكَ الْمُوَاظَبَةَ لَيْسَتْ لِأَجْلِ حَامِلٍ عَلَيْهَا هُوَ الْوُجُوبُ وَهُنَا قَدْ وُجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ عَلَيْهَا غَيْرُ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي إلَخْ) أَيْ بِأَنْ يَجْعَلَ الشِّقَّ الْأَوَّلَ مِنْ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ مَحْمَلَ الْقَوْلِ بِالْإِثْمِ وَالشِّقَّ الثَّانِيَ مَحْمَلَ الْقَوْلِ بِعَدَمِهِ (قَوْلُهُ وَتَصْرِيحُهُمْ بِالْإِثْمِ لِمَنْ تَرَكَ الْجَمَاعَةَ) أَقُولُ: سَنَنْقُلُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ عَنْ النَّهْرِ أَنَّ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَلَى أَنَّهُ يَأْثَمُ إذَا اعْتَادَ التَّرْكَ وَسَيَأْتِي أَيْضًا أَنَّ الْحَلَبِيَّ وَفَّقَ بَيْنَ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ وَالْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ بِالْمُوَاظَبَةِ وَالْإِتْيَانِ أَحْيَانًا فَالْأُولَى سُنَّةٌ وَالثَّانِيَةُ وَاجِبَةٌ وَعَلَى هَذَا فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ ظَاهِرٌ، وَلَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى أَنَّ الْإِثْمَ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَى تَرْكِهَا دُونَ الْإِثْمِ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ

(قَوْلُهُ فَالْإِثْمُ لِتَارِكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ مَعْزِيًّا إلَى أُصُولِ أَبِي الْيُسْرِ حُكْمُ السُّنَّةِ أَنْ يُنْدَبَ إلَى تَحْصِيلِهَا وَيُلَامَ عَلَى تَرْكِهَا مَعَ لُحُوقِ إثْمٍ يَسِيرٍ، وَكَوْنُ الِاعْتِيَادِ لِلِاسْتِخْفَافِ يُوجِبُ إثْمًا فَقَطْ فِيهِ نَظَرٌ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ لَمْ يَرَ السُّنَّةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>