اسْتَقَرَّتْ عَلَى الْأَرْضِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَتْ مَرْبُوطَةً وَيُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهَا لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَسْتَقِرَّ فَهِيَ كَالدَّابَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَقَرَّتْ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ كَالسَّرِيرِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِحَالَةٍ يُدَوِّرُ رَأْسَهُ لَوْ قَامَ تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا قَاعِدًا وَأَرَادَ بِالصَّلَاةِ قَاعِدًا أَنْ تَكُونَ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِالْإِيمَاءِ لَا تَجُوزُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ وَأَطْلَقَهَا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ بِجَمَاعَةٍ فَلَوْ اقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ فِي سَفِينَةٍ أُخْرَى فَإِنْ كَانَتْ السَّفِينَتَانِ مَقْرُونَتَيْنِ جَازَ لِأَنَّهُمَا بِالِاقْتِرَانِ صَارَتَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَتَا مُنْفَصِلَتَيْنِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ تَخَلُّلَ مَا بَيْنَهُمَا بِمَنْزِلَةِ النَّهْرِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي سَفِينَةٍ وَالْمُقْتَدُونَ عَلَى الْحَدِّ وَالسَّفِينَةُ وَاقِفَةٌ فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ طَرِيقٌ أَوْ مِقْدَارُ نَهْرٍ عَظِيمٍ لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُمْ بِهِ لِأَنَّ الطَّرِيقَ وَمِثْلَ هَذَا النَّهْرِ يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ وَمَنْ وَقَفَ عَلَى أَطْلَالِ السَّفِينَةِ يَقْتَدِي بِالْإِمَامِ فِي السَّفِينَةِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَامَ الْإِمَامِ لِأَنَّ السَّفِينَةَ كَالْبَيْتِ وَاقْتِدَاءُ الْوَاقِفِ عَلَى السَّطْحِ بِمَنْ هُوَ فِي الْبَيْتِ صَحِيحٌ إذَا لَمْ يَكُنْ أَمَامَ الْإِمَامِ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ حَالُهُ كَذَا هَاهُنَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَيَّدَ بِتَرْكِ الْقِيَامِ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ اسْتِقْبَالَ وَجْهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ لَا يُجْزِئُهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا بِوَجْهِهِمْ الْقِبْلَةَ كُلَّمَا دَارَتْ السَّفِينَةُ يُحَوِّلُ وَجْهَهُ إلَيْهَا كَذَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ قَضَى وَلَوْ أَكْثَرَ لَا) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إذَا اسْتَوْعَبَ الْإِغْمَاءَ وَقْتَ صَلَاةٍ كَامِلَةٍ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُدَّةَ إذَا طَالَتْ كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ فَيُحْرَجُ فِي الْأَدَاءِ وَإِذَا قَصُرَتْ قُلْت فَلَا حَرَجَ وَالْكَثِيرُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ وَالْجُنُونِ كَالْإِغْمَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ الْجُنُونُ يُنَافِي شَرْطَ الْعِبَادَاتِ وَهِيَ النِّيَّةُ فَلَا تَجِبُ مَعَ الْمُمْتَدِّ مِنْهُ مُطْلَقًا لِلْحَرَجِ وَمَا لَا يَمْتَدُّ طَارِئًا جُعِلَ كَالنَّوْمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَارِضٌ يَمْنَعُ فَهْمَ الْخِطَابِ زَالَ قَبْلَ الِامْتِدَادِ وَلِأَنَّهُ لَا يَنْفِي أَصْلَ الْوُجُوبِ إذْ هُوَ بِالذِّمَّةِ وَهِيَ لَهُ حَتَّى وَرِثَ وَمَلَكَ وَكَانَ أَهْلًا لِلثَّوَابِ كَأَنْ نَوَى صَوْمَ الْغَدِ فَجُنَّ فِيهِ مُمْسِكًا كُلَّهُ صَحَّ فَلَا يَقْضِي لَوْ أَفَاقَ بَعْدَهُ اهـ.
قَيَّدَ بِالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ لِأَنَّ النَّوْمَ لَا يُسْقِطُ مُطْلَقًا حَتَّى لَوْ نَامَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ يَقْضِي لَوْ أَفَاقَ بَعْدَهُ اهـ.
قَيَّدَ بِالْجُنُونِ وَلَيْلَةً غَالِبًا فَلَا يَحْرَجُ فِي الْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَمْتَدُّ عَادَةً وَقَيَّدَهُ بِدَوَامِ الْإِغْمَاءِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُفِيقُ فِيهَا فَإِنَّهُ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ مِثْلُ أَنْ يَخِفَّ عَنْهُ الْمَرَضُ عِنْدَ الصُّبْحِ مَثَلًا فَيُفِيقَ قَلِيلًا ثُمَّ يُعَاوِدَهُ فَيُغْمَى عَلَيْهِ تُعْتَبَرُ هَذِهِ الْإِفَاقَةُ فَيَبْطُلُ مَا قَبْلَهَا مِنْ حُكْمِ الْإِغْمَاءِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ لَكِنَّهُ يُفِيقُ بَغْتَةً فَيَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ الْأَصِحَّاءِ ثُمَّ يُغْمَى عَلَيْهِ فَلَا عِبْرَةَ بِهَذِهِ الْإِفَاقَةِ أَطْلَقَ فِي الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِسَبَبِ فَزَعٍ مِنْ سَبُعٍ أَوْ خَوْفٍ مِنْ عَدُوٍّ فَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ إذَا امْتَدَّ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْخَوْفَ بِسَبَبِ ضَعْفِ قَلْبِهِ وَهُوَ مَرَضٌ إلَّا أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا إذَا زَالَ عَقْلُهُ بِالْخَمْرِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ شُرْبِ الْبَنْجِ أَوْ الدَّوَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَضَاءُ فِي الْأَوَّلِ وَإِنْ طَالَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ حَصَلَ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ وَلِهَذَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا يَسْقُطُ أَيْضًا فِي الثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي إغْمَاءٍ حَصَلَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يَكُونُ وَارِدًا فِي إغْمَاءٍ حَصَلَ بِصُنْعِ الْعِبَادِ لِأَنَّ الْعُذْرَ إذَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ لَا يَسْقُطُ الْحَقُّ
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْقُطُ الْقَضَاءُ إذَا كَثُرَ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَصَلَ بِمَا هُوَ مُبَاحٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْجُنُونُ أَصْلِيًّا كَمَا إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا وَزَالَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَالْعَارِضُ وَالْأَصْلِيُّ عِنْدَهُ سَوَاءٌ فِي سُقُوطِ الْقَضَاءِ إذَا كَثُرَ وَعَدَمِهِ إذَا قَلَّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْأَصْلِيُّ كَالصِّبَا فَلَا قَضَاءَ مُطْلَقًا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَقَيَّدَ بِالصَّلَاةِ فِي تَسْوِيَةِ الْجُنُونِ بِالْإِغْمَاءِ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا
ــ
[منحة الخالق]
يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا بِتَقْيِيدِ قَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ مُومِيًا بِالْحَالِ السَّابِقَةِ أَيْ وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي قَاعِدًا مُومِيًا فَتَدَبَّرْهُ.
[لِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى شَيْءٍ إنْ تَعِبَ فِي الصَّلَاةِ]
(قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ مَرْبُوطَةً وَيُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهَا) وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ الصَّلَاةُ فِيهَا إذَا كَانَتْ سَائِرَةً مَعَ إمْكَانِ الْخُرُوجِ إلَى الْبَرِّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ النَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ عَلَى الْجِدِّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْجِدُّ شَاطِئُ النَّهْرِ اهـ. وَهُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ كَمَا فِي ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ عَلَى الْمُنْيَةِ.
(قَوْلُهُ فَلَا تَجِبُ مَعَ الْمُمْتَدِّ مِنْهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًّا أَوْ عَارِضًا بَعْدَ الْبُلُوغِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا الْكَلَامُ هُنَا غَيْرُ مُحَرَّرٍ لِأَنَّهُ بَعْدَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ لَا وُرُودَ لِمَا ذُكِرَ أَصْلًا نَعَمْ يُرَدُّ ظَاهِرًا مَا إذَا كَانَ بِسَبَبِ فَزَعٍ مِنْ سَبُعٍ أَوْ خَوْفٍ مِنْ عَدُوٍّ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يَكُونُ مِمَّا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ فَيُجَابُ بِالْمَنْعِ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْقَرِيبَ ضَعْفُ الْقَلْبِ وَهُوَ مَرَضٌ لَيْسَ مِنْ صُنْعِ الْعِبَادِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute