للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَضَمِنَ الْغَاصِبُ قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُهُ كَذَا هَذَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ، ثُمَّ حَرَّرَهُ الْآخَرُ فَعُلِمَ أَنَّهُ قِنٌّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ قِنًّا قَالَ فِي الْمُحِيطِ مُكَاتَبٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَبَّرَ أَحَدُهُمَا صَارَ الْكُلُّ مُدَبَّرًا لَهُ وَهُوَ مُكَاتَبٌ لَهُ عِنْدَهُمَا وَيَتَمَلَّكُهُ بِالْقِيمَةِ لَلشَّرِيكِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَتَدْبِيرُهُ لَا فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَإِذَا تَمَلَّكَهُ يَتَمَلَّكُ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ وَضَمَانُ الْقِيمَةِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَاخْتَلَفُوا أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مُكَاتَبًا أَوْ قِنًّا قِيلَ يَغْرَمُ نِصْفَ قِيمَتِهِ قِنًّا؛ لِأَنَّهُ تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْكِتَابَةِ لَا يَتَجَزَّأُ.

وَقِيلَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤ لِضَرُورَةِ تَضَادِّ الْأَحْكَامِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ هُنَا فَإِنَّ الْكُلَّ قَدْ صَارَ مُدَبَّرًا مِنْ جِهَةِ الْمُدَبِّرِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ التَّدْبِيرُ يَتَجَزَّأُ فَيَصِيرُ نِصْفُهُ مُدَبَّرًا فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي النِّصْفِ سَبَبَا الْحُرِّيَّةِ الْكِتَابَةُ وَالتَّدْبِيرُ وَفِي النِّصْفِ سَبَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْكِتَابَةُ فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ فَإِنْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ عَتَقَ، وَعِنْدَهُمَا فِي الْكُلِّ اجْتَمَعَا سَبَبَا الْحُرِّيَّةِ الْكِتَابَةُ وَالتَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ تَنْفَسِخُ يَقُولُ بِالْفَسْخِ فِي حَقِّ التَّمَلُّكِ لِضَرُورَةِ صِحَّةِ التَّدْبِيرِ فَلَا يَظْهَرُ الْفَسْخُ فِي حَقِّ حُكْمٍ آخَرَ وَهُوَ الْعِتْقُ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِهِ عَبْدٌ لِمُوسِرَيْنِ دَبَّرَ أَحَدُهُمَا وَحَرَّرَ الْآخَرُ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَلِيقُ بِهَذَا الْمُخْتَصَرِ وَأَيْضًا مَحَلُّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَابُ الْعِتْقِ فَتَدَبَّرْهُ وَفِي الْمُحِيطِ أَنْتَ تُكَاتِبُ بِأَلْفٍ يَا فُلَانُ وَيَا فُلَانُ فَالْكِتَابَةُ وَالْقَبُولُ لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتَ تُكَاتِبُ يَا فُلَانُ وَفُلَانُ بِأَلْفٍ فَالْكِتَابَةُ وَالْقَبُولُ لِلثَّانِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ حَرَّرَهُ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ دَبَّرَهُ الْآخَرُ لَا يَضْمَنُ الْمُعْتَقُ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَبِّرَ كَانَ لَهُ الْخِيَارَاتُ السَّابِقَةُ فَإِذَا دَبَّرَهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ وَبَقِيَ خِيَارُ الْعِتْقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا تَدْبِيرُ الثَّانِي بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَيُعْتَقُ كُلُّهُ فَلَمْ يُصَادِفْ التَّدْبِيرُ الْمِلْكَ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ إعْتَاقٍ فَيَخْتَلِفُ بَيْنَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[بَابُ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزِهِ وَمَوْتِ الْمَوْلَى]

تَأْخِيرُ بَابِ أَحْكَامِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ظَاهِرُ التَّنَاسُبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَكَذَا بَيَانُ أَحْكَامِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مُكَاتَبٌ عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ وَلَهُ مَالٌ سَيَصِلُ لَمْ يُعْجِزْهُ الْحَاكِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ وَالثَّلَاثَةُ هِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي ضُرِبَتْ لِإِمْهَالِ الْأَعْذَارِ كَإِمْهَالِ الْخَصْمِ لِلدَّفْعِ وَالْمَدِينِ لِلْقَضَاءِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَالْمَدِينِ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى كَإِمْهَالِ أَقُولُ: هَذَا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ غَيْرُ صَحِيحٍ قَطْعًا؛ لِأَنَّا لَا نَشُكُّ أَنَّ الْمَدْيُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْخَصْمِ وَالْمَعْنَى وَكَإِمْهَالِ الْمَدْيُونِ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْإِمْهَالِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ بِأَنْ قَالَ لِي مَالٌ عَلَى إنْسَانٍ أَوْ قَالَ يَجِيءُ فِي الْقَافِلَةِ يُمْهِلُهُ الْقَاضِي إلَى الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ إذْ انْتِظَارُ الْمُدَّةِ مَنْدُوبٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ يَنْتَظِرُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً اسْتِحْسَانًا وَالْوَاجِبُ لَا يُجْبَرُ فِيهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ النَّجْمَ هُوَ الطَّالِعُ وَسُمِّيَ بِهِ الْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ مَا يُؤَدِّي مِنْ الْوَظِيفَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا عَجَزَهُ وَفَسَخَهَا أَوْ سَيِّدُهُ بِرِضَاهُ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سَيَصِلُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَسَخَ الْقَاضِي الْكِتَابَةَ أَوْ فَسَخَ الْمَوْلَى بِرِضَا الْمُكَاتَبِ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَعْجِزُهُ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا تَوَالَى عَلَى الْمُكَاتَبِ نَجْمَانِ يُرَدُّ فِي الرِّقِّ وَالْأَمْرُ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ كَالْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ حَتَّى كَانَ التَّأْجِيلُ فِيهِ سُنَّةً وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَسْخُهَا بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ عَنْ نَجْمٍ وَرَدِّهِ إلَى الرِّقِّ وَالْأَثَرُ فِيهِ كَالْمَرْفُوعِ وَمَا رَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ لَا يَنْفِي الْفَسْخَ إذَا عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ، بَلْ هُوَ سُكُوتٌ عَنْهُ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ أَوْ سَيِّدُهُ بِرِضَاهُ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَازِمَةٌ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى غَيْرُ لَازِمَةٍ مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ فَلَوْ أَرَادَ الْعَبْدُ أَنْ يَعْجِزَ نَفْسَهُ وَيَفْسَخَ الْكِتَابَةَ وَأَبَى الْمَوْلَى ذَلِكَ فَلِلْعَبْدِ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهَا لَازِمَةٌ مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ أَيْضًا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهَا بِغَيْرِ رِضَا الْمَوْلَى وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَسَخَهَا يَعْنِي الْحَاكِمُ يَحْكُمُ بِعَجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَ طَلَبِ الْمَوْلَى وَلَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْعَبْدُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ مُكَاتَبٌ عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ صَادِقٌ بِمَا إذَا كَاتَبَهُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ خَاصٌّ بِمَا إذَا كَاتَبَهُ وَحْدَهُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ كِتَابَةً وَاحِدَةً فَعَجَزَ أَحَدُهُمَا فَرَدَّهُ الْقَاضِي فِي الرِّقِّ وَالْقَاضِي لَا يَعْلَمُ بِمُكَاتَبَةِ الْآخَرِ مَعَهُ، ثُمَّ أَدَّى الْآخَرُ الْكِتَابَةَ عَتَقَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ رَدُّ الْأَوَّلِ فِي الرِّقِّ مَا دَامَ الْآخَرُ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>