للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلِهَذَا لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِكِتَابَةِ الْآخَرِ لَا يُرَدُّ حَتَّى يَجْتَمِعَا، وَلَوْ كَاتَبَ الْمَوْلَيَانِ عَبْدًا لَهُمَا كِتَابَةً وَاحِدَةً فَعَجَزَ لَمْ يُرَدَّ فِي الرِّقِّ حَتَّى يَجْتَمِعَ الْمَوْلَيَانِ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَابَ أَحَدُهُمَا كَانَ الْفَسْخُ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ مُتَعَذِّرًا.

وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى عَنْ وَرَثَةٍ فَلِبَعْضِهِمْ الرَّدُّ فِي الرِّقِّ بِقَضَاءٍ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا لَهُ وَفِيمَا عَلَيْهِ وَفِي الْمُحِيطِ كَاتَبَ عَبْدَيْهِ كِتَابَةً وَاحِدَةً فَارْتَدَّ أَحَدُهُمَا وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَعَجَزَ الْحَاضِرُ لَمْ يَرُدَّهُ الْقَاضِي فِي الرِّقِّ وَإِنْ رَدَّهُ لَمْ يَكُنْ رَدًّا لِلْآخَرِ حَتَّى لَوْ رَجَعَ مُسْلِمًا لَمْ يَرُدَّهُ إلَى مَوْلَاهُ فَلَوْ قَالَ فِي كِتَابَةٍ وَاحِدَةٍ لَكَانَ أَوْلَى اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَادَ أَحْكَامُ الرِّقِّ) يَعْنِي إذَا عَجَزَ عَادَ إلَى أَحْكَامِ الرِّقِّ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ انْفَسَخَتْ وَفَكَّ الْحَجْرِ كَانَ لِأَجْلِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَبْقَى بِدُونِ الْعَقْدِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُؤَلِّفَ قَالَ وَعَادَ أَحْكَامُ وَلَمْ يَقُلْ عَادَ إلَى الرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ بَاقٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ إذَا كَانَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْمَوْلَى عَلَى تَقْدِيرِ الْأَدَاءِ كَانَ لَهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْعَجْزِ كَانَ لِلْمَوْلَى، وَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ فَكَانَ لِمَوْلَاهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَ وَلَهُ مَالٌ لَمْ تُفْسَخْ) ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ بِمَوْتِهِ وَبِهِ أَخَذَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ لَهُ أَنَّ الْعَقْدَ لَوْ بَقِيَ لَبَقِيَ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ.

وَقَدْ تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ فَبَطَلَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَخْلُوا إمَّا أَنْ يُثْبِتَ الْعِتْقَ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ بَعْدَهُ مُقْتَصِرًا أَوْ مُسْتَنِدًا لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْأَدَاءُ وَالشَّيْءُ لَا يَسْبِقُ شَرْطَهُ وَلَا إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِنُزُولِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إثْبَاتُ قُوَّةِ الْمَيِّتِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَالِكِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ، بَلْ عَاقِدٌ وَالْعَقْدُ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا بِمَوْتِ الْعَاقِدِ؛ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعْتِقًا بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا إذَا قَالَ أَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَلَنَا أَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الْمَوْلَى فَلَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْآخَرِ وَهُوَ الْعَبْدُ كَالْبَيْعِ؛ وَلِأَنَّ قَضِيَّةَ الْمُعَاوَضَةِ الْمُسَاوَاةُ فَإِذَا بَقِيَ الْعَقْدُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى لِحَاجَتِهِ إلَى الْوَلَاءِ وَغَيْرِهِ جَازَ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِ الْعَبْدِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْحُرِّيَّةِ لِيُتَوَصَّلَ إلَى حُرِّيَّةِ أَوْلَادِهِ، وَلَوْ مَاتَ عَاجِزًا تُفْسَخُ الْكِتَابَةُ، وَلَوْ قَذَفَهُ إنْسَانٌ بَعْدَ الْأَدَاءِ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ، وَقِيلَ الْأَدَاءُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ مُسْتَنِدًا إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَلَا يَظْهَرُ الِاسْتِنَادُ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُؤَدَّى كِتَابَتُهُ مِنْ مَالِهِ) يَعْنِي يُؤَدِّي مَنْ خَلْفَهُ فَيَكُونُ أَدَاءُ الْخَلِيفَةِ كَأَدَائِهِ بِنَفْسِهِ فَإِنْ قِيلَ الْأَدَاءُ فِعْلٌ وَالِاسْتِنَادُ يَكُونُ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنَّ فِعْلَ الثَّابِتِ مُضَافًا إلَى حِسِّيِّ الثُّبُوتِ وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ شَرْعِيَّةٌ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ رَمَى صَيْدًا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ، ثُمَّ أَصَابَهُ صَارَ مَالِكًا لَهُ حَتَّى يُورَثَ عَنْهُ وَالْمَالِكُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَكِنْ لَمَّا صَحَّ السَّبَبُ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ وَتَمَامُهُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَهُوَ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ ثَبَتَ الْمِلْكُ مِنْ حِينِ الْإِمْكَانِ وَهُوَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ.

فَكَذَا هُنَا وَفِي الْأَصْلِ إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ لِأَجْنَبِيٍّ سِوَى بَدِلِ الْكِتَابَةِ وَلَهُ مَالٌ يُوَفَّى وَلَهُ وَصَايَا يُبْدَأُ مِنْ تَرِكَتِهِ بِدَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ، ثُمَّ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَتَبْطُلُ وَصَايَاهُ وَمَا بَقِيَ يُقَسَّمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ شَيْءٌ يُبْدَأُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَا يُبْدَأُ بِالدَّيْنِ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا إلَّا دَيْنًا عَلَى النَّاسِ فَاسْتَسْعَى الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ فَعَجَزَ يُرَدُّ فِي الرِّقِّ فَإِذَا خَرَجَ الدَّيْنُ بَعْدَ ذَلِكَ فَذَلِكَ لِلْمَوْلَى اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَكَمَ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ) بِأَنْ يُقَامَ التَّرْكُ الْمَوْجُودُ مِنْهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ مَقَامَ التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمَالِ وَالْمَوْلَى وَهُوَ الْأَدَاءُ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ قَالَ فِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ الثَّانِي مَاتَ مُكَاتِبٌ عَنْ وَفَاءٍ وَلَهُ أَوْلَادٌ مِنْ أَمَتِهِ فَمَاتَ بَعْضٌ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَأَدَّى مَا عَلَيْهِ وَبَقِيَ مَالٌ فَهُوَ مِيرَاثٌ وَلَا يَرِثُ الِابْنُ الْمَيِّتُ وَمَا تَرَكَهُ الِابْنُ الْمَيِّتُ فَهُوَ لِأُمِّهِ وَإِخْوَتِهِ، وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ مَعَهُ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ أَبِيهِ، ثُمَّ أُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ لَمْ يَرِثْ أَبَاهُ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ مُكَاتَبٌ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا وَلَدًا لَهُ فِي الْكِتَابَةِ وَتَرَكَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ دَيْنًا عَلَى النَّاسِ فَاكْتَسَبَ الِابْنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَدَّاهَا فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ، ثُمَّ خَرَجَ دَيْنُ الْأَبِ وَلَهُ أَخٌ فَإِنَّ الْأَلْفَيْنِ مِيرَاثٌ بَيْنَهُمَا وَلَا يَرْجِعُ الِابْنُ بِمَا أَدَّى فِي الْأَلْفَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ الِابْنُ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْأَبِ وَفِي الْمُنْتَقَى مُكَاتَبٌ مَاتَ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ وَلَهُ مَوْلُودٌ وَلَدٌ فِي الْكِتَابَةِ يَسْعَى فِي الْكِتَابَةِ عَلَى نُجُومِهَا وَلَهُ ابْنَانِ حُرَّانِ أَيْضًا، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ الْحُرَّيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ مَا لِلْمُكَاتَبِ عَلَى النَّاسِ فَأَدَّيْت مِنْ ذَلِكَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَالْفَاضِلُ بَيْنَ الْوَلَدِ الْحُرِّ وَالْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ وَيَرِثُ الِابْنُ الْحُرُّ أَخَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>