للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقُمَاشُ، وَالْقِيَاسُ الْمَنْعُ إلَّا أَنَّا عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ ثُمَامَةَ أَنْ يَمِيرَ أَهْلَ مَكَّةَ وَهُمْ حَرْبٌ عَلَيْهِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا قَبْلَ الْمُوَادَعَةِ وَمَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهَا عَلَى شَرَفِ الِانْقِضَاءِ أَوْ النَّقْضِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا قَالُوا فِي بَيْعِ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَجْعَلُهُ خَمْرًا؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ لَيْسَ بِآلَةٍ لِلْمَعْصِيَةِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ آلَةً لَهَا بَعْدَمَا يَصِيرُ خَمْرًا وَأَمَّا هُنَا فَالسِّلَاحُ آلَةٌ لِلْفِتْنَةِ فِي الْحَالِ. اهـ.

وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ، فَإِنْ كَانَ الْحَرْبِيُّ جَاءَ بِسَيْفٍ فَاشْتَرَى مَكَانَهُ قَوْسًا أَوْ رُمْحًا أَوْ فَرَسًا لَمْ يُتْرَكْ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ مَكَانَ سَيْفِهِ وَكَذَا إذَا اسْتَبْدَلَ بِسَيْفِهِ سَيْفًا خَيْرًا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ شَرًّا مِنْهُ لَمْ يُمْنَعُ. اهـ.

فَمَا يُمْنَعُ الْمُسْلِمَ مِنْهُ يُمْنَعُ الْمُسْتَأْمَنُ مِنْهُمْ أَنْ يَدْخُلَ بِهِ دَارَهُمْ، وَإِنْ خَرَجَ هُوَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ بِهِ إلَّا إذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ

[وَلَا يُقْتَلُ مَنْ أَمَّنَهُ حُرٌّ أَوْ حُرَّةٌ فِي الْجِهَادِ]

(قَوْلُهُ: وَلَا يُقْتَلُ مَنْ أَمَّنَهُ حُرٌّ أَوْ حُرَّةٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» أَيْ أَقَلُّهُمْ وَهُوَ الْوَاحِدُ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ فَيَخَافُونَهُ إذْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَنَعَةِ فَيَتَحَقَّقُ الْأَمَانُ مِنْهُ لِمُلَاقَاتِهِ مَحَلَّهُ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّ سَبَبَهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْإِيمَانُ وَكَذَا الْأَمَانُ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَتَكَامَلُ كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ وَأَجَازَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَانَ أُمِّ هَانِئٍ رِجَالًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرُكْنُهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ وَإِشَارَةٌ فَالصَّرِيحُ كَقَوْلِهِ أَمَّنْت أَوْ وَادَعْت أَوْ لَا تَخَافُوا مِنَّا وَلَا تَذْهَلُوا لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ لَكُمْ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ ذِمَّتُهُ تَعَالَوْا فَاسْمَعُوا الْكَلَامَ وَيَصِحُّ بِأَيِّ لِسَانٍ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَهُ بَعْدَ أَنْ عَرَفَهُ الْمُسْلِمُونَ بِشَرْطِ سَمَاعِهِمْ لَهُ فَلَا أَمَانَ لَوْ كَانَ بِالْبُعْدِ مِنْهُمْ وَمِنْ الْكِنَايَاتِ قَوْلُ الْمُسْلِمِ لِلْمُشْرِكِ تَعَالَ إذَا ظَنَّ أَنَّهُ أَمَانٌ كَانَ أَمَانًا وَكَذَا إذَا أَشَارَ بِأُصْبُعِهِ إلَى السَّمَاءِ فِيهِ بَيَانٌ أَعْطَيْتُك ذِمَّةَ إلَهِ السَّمَاءِ، وَالْمُشْرِكُ إذَا نَادَى الْأَمَانَ فَهُوَ أَمِنٌ إذَا كَانَ مُمْتَنِعًا، وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ وَهُوَ مَادٌّ سَيْفَهُ وَرُمْحَهُ فَهُوَ فَيْءٌ وَلَوْ طَلَبَ الْأَمَانَ لِأَهْلِهِ لَا يَكُونُ هُوَ آمِنًا بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَبَ لِذَرَارِيِّهِ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْأَمَانِ وَفِي دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ رِوَايَتَانِ.

وَلَوْ طَلَبَهُ لِأَوْلَادِهِ دَخَلَ فِيهِ أَوْلَادُ الْأَبْنَاءِ دُونَ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَلَوْ طَلَبَهُ لِإِخْوَتِهِ دَخَلَ الْأَخَوَاتُ تَبَعًا دُونَ الْأَخَوَاتِ الْمُفْرَدَاتِ وَكَذَا لَوْ طَلَبَهُ لِأَبْنَائِهِ دَخَلَتْ بَنَاتُهُ كَالْآبَاءِ يَدْخُلُ فِيهِ الْآبَاءُ، وَالْأُمَّهَاتُ وَلَا يَدْخُلُ الْأَجْدَادُ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِمْ لِلتَّبَعِيَّةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ طَلَبَهُ لِقَرَابَتِهِ دَخَلَ الْوَالِدَانِ اسْتِحْسَانًا وَشَرَائِطُهُ الْعَقْلُ فَلَا يَجُوزُ أَمَانُ الْمَجْنُونِ، وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَالْبُلُوغُ فَلَا يَصِحُّ أَمَانُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، وَالْإِسْلَامُ فَلَا يَصِحُّ أَمَانُ الذِّمِّيِّ، وَإِنْ كَانَ مُقَاتِلًا، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَكَذَا السَّلَامَةُ عَنْ الْعَمَى، وَالزَّمَانَةِ، وَالْمَرَضِ، وَأَمَّا حُكْمُهُ فَهُوَ ثُبُوتُ الْأَمْنِ لِلْكَفَرَةِ عَنْ الْقَتْلِ، وَالسَّبْيِ، وَالِاسْتِغْنَامِ، وَأَمَّا إذَا وُجِدَ فِي أَيْدِيهِمْ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أَسِيرٌ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ كَمَا فِي

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَلَوْ طَلَبَ الْأَمَانَ لِأَهْلِهِ إلَخْ) فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلسَّرَخْسِيِّ، وَإِنْ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ أَمِّنُوا أَهْلِينَا فَقَالُوا نَعَمْ أَمَّنَّاهُمْ فَهُمْ فَيْءٌ وَأَهْلُهُمْ آمِنُونَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا أَنْفُسَهُمْ بِشَيْءٍ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً وَلَا دَلَالَةً، وَإِنْ قَالُوا أَمِّنُونَا عَلَى ذَرَارِيِّنَا فَأَمَّنُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَهُمْ آمِنُونَ وَأَوْلَادُهُمْ وَأَوْلَادُ أَوْلَادِهِمْ، وَإِنْ سَفَلُوا مِنْ أَوْلَادِ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الذُّرِّيَّةِ يَعُمُّ الْكُلَّ فَذُرِّيَّةُ الْمَرْءِ فَرْعُهُ الَّذِي هُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ وَهُوَ أَصْلٌ لِذُرِّيَّتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَنُوحٍ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - قَالَ تَعَالَى {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} [مريم: ٥٨] الْآيَةَ. اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّ الرَّجُلَ يَدْخُلُ فِي اسْمِ الذُّرِّيَّةِ دُونَ اسْمِ الْأَهْلِ لَكِنَّ الْمِثَالَ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ قَالُوا أَمِّنُونَا دَخَلَ فِيهِ الطَّالِبُونَ لِذِكْرِهِمْ أَنْفُسَهُمْ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ بِخِلَافِ مِثَالِ الْأَهْلِ السَّابِقِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ السَّرَخْسِيُّ أَيْضًا قَبْلَ ذَلِكَ وَإِذَا قَالُوا أَمِّنُونَا عَلَى أَهْلِينَا وَمَتَاعِنَا عَلَى أَنْ نَفْتَحَ لَكُمْ فَفَعَلُوا وَفَتَحُوا لَهُمْ فَالْقَوْمُ آمِنُونَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا أَنْفُسَهُمْ؛ لِأَنَّ النُّونَ وَالْأَلِفَ فِي أَمِّنُونَا كِنَايَةٌ وَكَلِمَةُ عَلَى لِلشَّرْطِ فَتَقْدِيرُ كَلَامِهِمْ نَحْنُ آمِنُونَ مَعَ أَهْلِينَا وَأَمْوَالِنَا إنْ فَتَحْنَا لَكُمْ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ لَوْ قَالَ رَئِيسُ الْحِصْنِ أَمِّنُونِي عَلَى عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحِصْنِ فَقَالُوا لَك ذَلِكَ فَهُوَ آمِنٌ وَعَشَرَةٌ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْمَنَ لِنَفْسِهِ نَصًّا بِقَوْلِهِ أَمِّنُونِي وَقَوْلُهُ عَلَى عَشَرَةٍ لِلشَّرْطِ، وَقَدْ شَرَطَ أَمَانَ عَشَرَةٍ مُنَكَّرَةٍ مَعَ أَمَانِ نَفْسِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْعَشَرَةَ سِوَاهُ وَالْخِيَارُ فِي تَعْيِينِهِمْ لَهُ وَلَوْ قَالَ أَمِّنُوا لِي عَشَرَةً فَلَهُ عَشَرَةٌ يَخْتَارُهُمْ، فَإِنْ اخْتَارَ عَشَرَةً هُوَ أَحَدُهُمْ جَازَ أَوْ عَشَرَةً سِوَاهُ فَهُوَ فَيْءٌ، وَإِنْ قَالَ أَمِّنُونِي وَعَشَرَةً فَالْأَمَانُ لَهُ وَلِعَشَرَةٍ سِوَاهُ وَالْخِيَارُ فِي تَعْيِينِهِمْ لِلْإِمَامِ وَكَذَا أَمِّنُونِي مَعَ عَشَرَةٍ، وَإِنْ قَالَ أَمِّنُونِي فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي أَوْ قَالَ مِنْ بَنِي أَبِي كَانَ هُوَ وَتِسْعَةٌ سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ بَيْتِهِ وَبَنِي أَبِيهِ وَالْبَيَانُ لِلْإِمَامِ وَلَوْ قَالَ فِي عَشَرَةٍ مِنْ إخْوَانِي فَهُوَ آمِنٌ وَعَشَرَةٌ سِوَاهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَكُونُ مِنْ إخْوَانِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُجْعَلَ حَرْفُ فِي بِمَعْنَى مَعَ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِحَقِيقَةِ الظَّرْفِ وَكَذَا لَوْ قَالَ فِي عَشَرَةٍ مِنْ وَلَدِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مِنْ وَلَدِ نَفْسِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>