للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ أَيْ إنْ رُجِمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالزِّنَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ثُمَّ تَبَيَّنَ حَالُ الشُّهُودِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَمْ أَرَ هَلْ تُؤْخَذُ الدِّيَةُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلَةً.

قَوْلُهُ (: وَإِنْ قَالَ شُهُودُ الزِّنَا تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ قَبْلَ شَهَادَتِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ لَهُمْ إلَى الْفَرْجِ ضَرُورَةَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ فَأَشْبَهَ الطَّبِيبَ، وَالْقَابِلَةَ، وَالْخَافِضَةَ، وَالْخَتَّانَ، وَالِاحْتِقَانَ، وَالْبَكَارَةَ فِي الْعُنَّةِ، وَالرَّدَّ بِالْعَيْبِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ: تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا: تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ لِلتَّلَذُّذِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إجْمَاعًا لِفِسْقِهِمْ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنْكَرَ الْإِحْصَانَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ زَوْجَتُهُ رُجِمَ) أَيْ لَوْ أَنْكَرَ الدُّخُولَ بَعْدَ وُجُودِ سَائِرِ الشُّرُوطِ أَمَّا إذَا وَلَدَتْ مِنْهُ فَلِأَنَّ الْحُكْمَ بِإِثْبَاتِ النَّسَبِ مِنْهُ حُكْمٌ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَهَا يُعْقِبُ الرَّجْعَةَ، وَالْإِحْصَانُ يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ، وَأَمَّا إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِالْإِحْصَانِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بَعْدَ مَا أَنْكَرَ بَعْضَ شَرَائِطِهِ كَالنِّكَاحِ، وَالدُّخُولِ، وَالْحُرِّيَّةِ، فَإِنَّهُ يُرْجَمُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ فَالشَّافِعِيُّ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ.

وَزُفَرُ يَقُولُ: إنَّهُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَغَلَّظُ عِنْدَهُ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ فَأَشْبَهَ حَقِيقَةَ الْعِلَّةِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيهِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ ذِمِّيَّانِ عَلَى ذِمِّيٍّ زَنَى عَبْدُهُ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الزِّنَا لَا تُقْبَلُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَنَا أَنَّ الْإِحْصَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ وَأَنَّهَا مَانِعَةٌ عَنْ الزِّنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ وَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدُوا بِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَا يَرِدُ أَنَّهُ يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِهِ فَدَلَّ أَنَّهُ كَالْحَدِّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا مُكَذِّبَ لَهُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ سَبْقُ التَّارِيخِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُهُ الْمُسْلِمُ وَيَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُسْلِمُ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ زَوْجَتِهِ وَلَدٌ قَبْلَ الزِّنَا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَدَلَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ إثْبَاتَ الْإِحْصَانِ لَيْسَ مِثْلَ إثْبَاتِ الْعُقُوبَاتِ كَالْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِدَلَالَةِ الظَّوَاهِرِ قَالُوا وَكَيْفِيَّةُ الشَّهَادَةِ بِالدُّخُولِ أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَجَامَعَهَا أَوْ بَاضَعَهَا وَلَوْ قَالُوا دَخَلَ بِهَا يَكْفِي عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكْفِي وَلَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ إحْصَانُهُ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَطْءِ، وَالزِّفَافِ، وَالْخَلْوَةِ، وَالزِّيَارَةِ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ كَلَفْظِ الْقُرْبَانِ، وَالْإِتْيَانِ وَلَهُمَا أَنَّهُ مَتَى أُضِيفَ إلَى الْمَرْأَةِ بِحَرْفِ الْبَاءِ يَتَعَيَّنُ لِلْجِمَاعِ بِخِلَافِ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ لِلزِّيَارَةِ، وَلَوْ خَلَا بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا، وَقَالَ: وَطِئْتهَا وَأَنْكَرَتْ صَارَ مُحْصَنًا دُونَهَا وَكَذَا لَوْ قَالَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ: كُنْت نَصْرَانِيَّةً وَقَالَ: كَانَتْ مُسْلِمَةً، وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الزَّانِيَيْنِ مُحْصَنًا يُحَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدَّهُ، وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ لَا يَضْمَنُونَ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ وَفِي الْمُحِيطِ امْرَأَةُ الرَّجُلِ إذَا أَقَرَّتْ أَنَّهَا أَمَةُ هَذَا الرَّجُلِ فَزَنَى الرَّجُلُ يُرْجَمُ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ثُمَّ زَنَى الرَّجُلُ لَا يُرْجَمُ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَدَخَلَ بِهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَكُونَانِ بِذَلِكَ مُحْصَنَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا النِّكَاحَ غَيْرُ صَحِيحٍ قَطْعًا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ، وَالْأَخْبَارِ فِيهِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ]

أَيْ الشُّرْبُ الْمُحَرَّمُ أَخَّرَهُ عَنْ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ أَقْبَحُ مِنْهُ وَأَغْلَظُ عُقُوبَةً وَقَدَّمَهُ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ لِتَيَقُّنِ الْحُرْمَةِ فِي الشَّارِبِ دُونَ الْقَاذِفِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ وَتَأْخِيرُ حَدِّ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّهُ لِصِيَانَةِ الْأَمْوَال التَّابِعَةِ لِلنُّفُوسِ (قَوْلُهُ: مَنْ شَرِبَ خَمْرًا وَأَخَذَ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ أَوْ كَانَ سَكْرَانَ وَلَوْ بِنَبِيذٍ وَشَهِدَ رَجُلَانِ أَوْ أَقَرَّ مَرَّةً حُدَّ إنْ عُلِمَ شُرْبُهُ طَوْعًا وَصَحَّا) لِلْحَدِيثِ «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ» أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ إلَّا النَّسَائِيّ ثُمَّ نُسِخَ الْقَتْلُ فِي الرَّابِعَةِ بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ أُتِيَ بِرَجُلٍ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الرَّابِعَةِ فَجَلَدَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ» وَزَادَ فِي لَفْظٍ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَأَشْبَهَ الطَّبِيبَ إلَخْ) ذَكَرَ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يُبَاحُ فِيهَا النَّظَرُ إلَى الْعَوْرَةِ عِنْدَ الْعُذْرِ وَقَدْ نَظَّمْتهَا بِقَوْلِي

وَلَا تُنْظَرْ لِعَوْرَةِ أَجْنَبِيٍّ ... بِلَا عُذْرٍ كَقَابِلَةٍ طَبِيبِ

وَخَتَّانٍ وَخَافِضَةٍ وَحَقْنٍ ... شُهُودِ زِنًا بِلَا قَصْدٍ مُرِيبِ

وَعِلْمِ بَكَارَةٍ فِي عُنَّةٍ أَوْ ... زِنًا أَوْ حِينَ رَدٍّ لِلْمَعِيبِ.

[أَنْكَرَ الزَّانِي الْإِحْصَانَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ]

(بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>