للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَزِمَهُ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ مِيقَاتَهُ فِيهِمَا وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِالْمَكِّيِّ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْحَرَمِ سَوَاءٌ كَانَ بِمَكَّةَ، أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ لَا وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِدَاخِلِ الْمَوَاقِيتِ مَنْ كَانَ سَاكِنًا فِي الْحِلِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(بَابُ الْإِحْرَامِ)

أَحْرَمَ الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ فِي حُرْمَةٍ لَا تُنْتَهَكُ مِنْ ذِمَّةٍ وَغَيْرِهَا، وَأَحْرَمَ لِلْحَجِّ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ مِنْ الصَّيْدِ وَالنِّسَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَحْرَمَ الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ فِي الْحَرَمِ أَوْ دَخَلَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَأَحْرَمَهُ لُغَة فِي حَرَمَهُ الْعَطِيَّةَ أَيْ مَنَعَهُ كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ مُخْتَصَرِ شَمْسِ الْعُلُومِ وَهُوَ فِي الشَّرِيعَةِ نِيَّةُ النُّسُكِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ مَعَ الذِّكْرِ أَوْ الْخُصُوصِيَّةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَهُوَ شَرْطُ صِحَّةِ النُّسُكِ كَتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فِي الصَّلَاةِ، فَالصَّلَاةُ وَالْحَجُّ لَهُمَا تَحْرِيمٌ وَتَحْلِيلٌ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ لَكِنَّ الْحَجَّ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ إذَا تَمَّ الْإِحْرَامُ لِلْحَجِّ أَوْ لِلْعُمْرَةِ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِعَمَلِ النُّسُكِ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ، وَإِنْ أَفْسَدَهُ إلَّا فِي الْفَوَاتِ فَبِعَمَلِ الْعُمْرَةِ وَإِلَّا الْإِحْصَارِ فَبِذَبْحِ الْهَدْيِ. الثَّانِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَضَائِهِ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ مَظْنُونًا فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ ظَهَرَ خِلَافُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِيهِ وَالْقَضَاءُ إنْ أَبْطَلَهُ بِخِلَافِ الْمَظْنُونِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ لَوْ أَفْسَدَهُ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا أَرَدْت أَنْ تُحْرِمَ فَتَوَضَّأْ وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ) قَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُهُ فِي الْغُسْلِ وَهُوَ لِلنَّظَافَةِ لَا لِلطَّهَارَةِ فَيُسْتَحَبُّ فِي حَقِّ الْحَائِضِ أَوْ النُّفَسَاءِ وَالصَّبِيِّ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أَسْمَاءَ قَدْ نُفِسَتْ فَقَالَ مُرْهَا فَلْتَغْتَسِلْ وَلْتُحْرِمْ بِالْحَجِّ» وَلِهَذَا لَا يُشْرَعُ التَّيَمُّمُ لَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ، قَالَ الشَّارِحُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ يَعْنِي أَنَّ الْغُسْلَ فِيهِمَا لِلطَّهَارَةِ لَا لِلتَّنْظِيفِ، وَلِهَذَا يُشْرَعُ التَّيَمُّمُ لَهُمَا عِنْدَ الْعَجْزِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَمْ يُشْرَعْ لَهُمَا عِنْدَ الْعَجْزِ إذَا كَانَ طَاهِرًا عَنْ الْجَنَابَةِ وَنَحْوِهَا وَالْكَلَامُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُلَوِّثٌ وَمُغَيِّرٌ لَكِنْ جُعِلَ طَهَارَةً ضَرُورَةَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِيهِمَا، وَلِهَذَا سَوَّى الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي بَيْنَ الْإِحْرَامِ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْمَكِّيِّ إلَخْ) فَسَّرَ فِي النَّهْرِ الْمَكِّيَّ بِسَاكِنِ مَكَّةَ وَقَالَ أَمَّا الْقَارُّ فِي حَرَمِهَا فَلَيْسَ بِمَكِّيٍّ وَإِنْ أُعْطِيَ حُكْمَهُ وَاعْتَرَضَ الْمُؤَلِّفُ بِأَنَّ مَا قَالَهُ مِنْ التَّعْمِيمِ عُدُولٌ عَنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِلَا دَلِيلٍ.

[بَابُ الْإِحْرَامِ]

(قَوْلُهُ وَهُوَ فِي الشَّرِيعَةِ نِيَّةُ النُّسُكِ إلَخْ)

قَالَ فِي النَّهْرِ هُوَ شَرْعًا الدُّخُولُ فِي حُرُمَاتٍ مَخْصُوصَةٍ أَيْ الْتِزَامُهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ شَرْعًا إلَّا بِالنِّيَّةِ مَعَ الذِّكْرِ وَالْخُصُوصِيَّةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ فَهُمَا شَرْطَانِ فِي تَحَقُّقِهِ لَا جُزْءَانِ لِمَاهِيَّتِهِ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ الْخُصُوصِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ الْإِتْيَانِ بِشَيْءٍ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ النُّسُكِ سَوَاءٌ كَانَ تَلْبِيَةً أَوْ ذِكْرًا يُقْصَدُ بِهِ التَّعْظِيمُ أَوْ سَوْقُ الْهَدْيِ أَوْ تَقْلِيدُ الْبَدَنَةِ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ) قَالَ الْمُرْشِدِيُّ فِي شَرْحِهِ وَهَذَا الْغُسْلُ أَحَدُ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ فِي الْحَجِّ ثَانِيهَا لِدُخُولِ مَكَّةَ ثَالِثُهَا لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ رَابِعُهَا لِلْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ خَامِسُهَا لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ سَادِسُهَا وَسَابِعُهَا وَثَامِنُهَا لِرَمْيِ الْجِمَارِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ تَاسِعُهَا لِطَوَافِ الصَّدْرِ عَاشِرُهَا لِدُخُولِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ وَلَا غُسْلَ لِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ اهـ.

كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ (قَوْلُهُ قَالَ الشَّارِحُ إلَخْ) وَعِبَارَتُهُ وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْغُسْلِ تَحْصِيلُ النَّظَافَةِ وَإِزَالَةُ الرَّائِحَةِ لَا الطَّهَارَةُ حَتَّى تُؤْمَرَ بِهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَلَا يُتَصَوَّرُ حُصُولُ الطَّهَارَةِ لَهَا وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ انْتَهَتْ. قَالَ فِي النَّهْرِ وَعَزَاهُ فِي الْمِعْرَاجِ إلَى شَرْحِ بَكْرٍ (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ إذْ مَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمُخَالَفَةَ رَاجِعَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ الْعَجْزِ، وَالظَّاهِرُ رُجُوعُهَا إلَى قَوْلِهِ وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْغُسْلِ تَحْصِيلُ النَّظَافَةِ لَا الطَّهَارَةُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فَإِنَّهُ يُلَاحَظُ فِيهِمَا مَعَ النَّظَافَةِ الطَّهَارَةُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِلصَّلَاةِ وَلِذَا لَمْ تُؤْمَرْ بِهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ بِأَنَّهُمَا يَحْضُرَانِ الْعِيدَيْنِ كَمَا مَرَّ نَعَمْ مَا فِي الْكَافِي هُوَ التَّحْقِيقُ اهـ.

قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَالْإِنْصَافُ أَنَّ أَصْلَ عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ مُوهِمَةٌ مَشْرُوعِيَّةَ التَّيَمُّمِ لَهُمَا وَالْمُرَادُ لَا يَدْفَعُ الْإِيرَادَ ثُمَّ عِبَارَةُ الْبَحْرِ مُوهِمَةٌ أَيْضًا حَيْثُ نُقِلَ عَنْ الْكَافِي التَّسْوِيَةُ وَظَاهِرُهَا بِالنَّظَرِ إلَى عَدَمِ التَّيَمُّمِ، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ مِنْ حَيْثُ قِيَامُ الْوُضُوءِ مَقَامَ الْغُسْلِ وَلَفْظُهَا فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الِاغْتِسَالَ لِلنَّظَافَةِ لِيَزُولَ مَا بِهِ مِنْ الدَّرَنِ وَالْوَسَخِ فَيَقُومَ الْوُضُوءُ مَقَامَهُ كَمَا فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ لَكِنَّ الْغُسْلَ أَحَبُّ؛ لِأَنَّ النَّظَافَةَ بِهِ أَتَمُّ. اهـ

وَالْإِقَامَةُ حَكَاهَا الشُّمُنِّيُّ عَنْ الْقُدُورِيِّ بِلَفْظِ قَالَ الْقُدُورِيُّ كُلُّ غُسْلٍ لِلنَّظَافَةِ فَالْوُضُوءُ يَقُومُ مَقَامَهُ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّسْوِيَةَ فِي عَدَمِ التَّيَمُّمِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَرِيحَةً لَكِنَّهَا مَعْلُومَةٌ مِنْ تَفْرِيعِهِ قِيَامَ الْوُضُوءِ مَقَامَ الْغُسْلِ عَلَى كَوْنِهِ لِلنَّظَافَةِ، وَإِذَا كَانَ لِلنَّظَافَةِ لَا يُعْتَبَرُ التَّيَمُّمُ لِعَدَمِهَا فِيهِ وَحَيْثُ سَوَّى بَيْنَ الْإِحْرَامِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فِي قِيَامِ الْوُضُوءِ مَقَامَهُ الْمُفَرَّعِ عَلَى مَا ذَكَرَ لَزِمَهُ التَّسْوِيَةُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>