للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَاجِزَ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ عَبْدًا مَكَانَهُ جَازَ. اهـ.

وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَكَرَتُهُ دُونَ عَبِيدِهِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَبِيدَ إنَّمَا يَصِحُّ وَقْفُهُمْ تَبَعًا لِضَيْعَةٍ لِأَجْلِ زِرَاعَتِهَا وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ فِي تَحْصِيلِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ دَارًا فِيهَا عَبْدٌ وَجَعَلَ الْعَبْدَ تَبَعًا لَهَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلتَّبَعِيَّةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الدَّارِ سُكْنَاهَا وَهُوَ يَحْصُلُ بِدُونِ الْعَبْدِ بِخِلَافِ زِرَاعَةِ الْأَرْضِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْحِرَاثَةِ وَأَمَّا وَقْفُ الْعَبِيدِ تَبَعًا لِلْمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ فَسَيَأْتِي أَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ جَوَّزَهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رِبَاطٌ كَثُرَتْ دَوَابُّهُ وَعَظُمَتْ مُؤْنَاتُهَا هَلْ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْهَا وَيُنْفِقَ ثَمَنَهَا فِي عَلَفِهَا أَوْ مَرَمَّةِ الرِّبَاطِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ صَارَتْ الْبَعْضُ مِنْهَا إلَى حَدٍّ لَا يَصْلُحُ لِمَا رُبِطَ لَهُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إمْسَاكُهَا وَحِفْظُهَا وَإِنْ لَمْ تَصِرْ بِهَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يُمْسِكُ فِي هَذَا الرِّبَاطِ مِقْدَارَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَيَرْبِطُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فِي أَدْنَى الرِّبَاطِ. اهـ.

قَوْلُهُ (وَمُشَاعٍ قَضَى بِجَوَازِهِ) أَيْ وَصَحَّ وَقْفُ الْمُشَاعِ إذَا قَضَى بِصِحَّتِهِ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَطْلَقَ الْقَاضِي فَشَمَلَ الْحَنَفِيَّ وَغَيْرَهُ فَإِنَّ لِلْحَنَفِيِّ الْمُقَلِّدِ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ وَقْفِ الْمُشَاعِ وَبِبُطْلَانِهِ لِاخْتِلَافِ التَّرْجِيحِ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْقَضَاءُ وَالْإِفْتَاءُ بِأَحَدِهِمَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ.

[وَقْفُ الْمَنْقُولِ]

قَوْلُهُ (وَمَنْقُولٍ فِيهِ تَعَامُلٌ) أَيْ وَصَحَّ وَقْفُ الْمَنْقُولِ مَقْصُودًا إذَا تَعَامَلَ النَّاسُ وَقْفَهُ وَأَمَّا الْكُرَاعُ وَالسِّلَاحُ فَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ مِنْ أَنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطٌ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ الْآثَارُ الْمَشْهُورَةُ فِيهِ مِنْهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَأَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ حَبَسَ أَدْرُعًا لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَلْحَةُ حَبَسَ أَدْرُعًا لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى» وَيُرْوَى كُرَاعُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْمُرَادُ مِنْ الْكُرَاعِ الْخَيْلُ وَالْحَمِيرُ وَالْبِغَالُ وَالْإِبِلُ وَالثِّيرَانُ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا وَالْمُرَادُ مِنْ السِّلَاحِ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْحَرْبِ وَيَكُونُ مُعَدًّا لِلْقِتَالِ. اهـ.

وَفِي الْمِصْبَاحِ دِرْعُ الْحَدِيدِ مُؤَنَّثَةٌ فِي الْأَكْثَرِ وَيُصَغَّرُ عَلَى دُرَيْعٍ بِغَيْرِ هَاءٍ عَلَى قِيَاسٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّصْغِيرُ عَلَى لُغَةِ مَنْ ذَكَّرَ وَرُبَّمَا قِيلَ دُرَيْعَةٌ بِالْهَاءِ وَجَمْعُهَا أَدْرُعٌ وَدُرُوعٌ وَأَدْرَاعٌ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ هِيَ الزَّرَدِيَّةُ ذَكَرَهُ فِي الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَأَمَّا مَا سِوَى الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَقْفُهُ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا يُتْرَكُ بِالنَّصِّ وَالنَّصُّ وَرَدَ فِيهِمَا فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ وَقْفُ مَا فِيهِ تَعَامُلٌ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ قَدْ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ وَقَدْ حَكَى فِي الْمُجْتَبَى هَذَا الْخِلَافُ فِي الْمَنْقُولِ عَلَى خِلَافِ هَذَا وَعَزَاهُ إلَى السِّيَرِ فَنَقَلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِجَوَازِهِ مُطْلَقًا جَرَى التَّعَارُفُ بِهِ أَوْ لَا وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ بِجَوَازِهِ إنْ جَرَى فِيهِ تَعَامُلٌ اهـ.

وَمَثَّلَ فِي الْهِدَايَةِ مَا فِيهِ تَعَامُلٌ بِالْفَأْسِ وَالْمَرِّ وَالْمِنْشَارِ وَالْجِنَازَةِ وَثِيَابِهَا وَالْقُدُورِ وَالْمَرَاجِلِ وَالْمَصَاحِفِ قَالَ وَعَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى أَنَّهُ وَقَفَ كُتُبَهُ إلْحَاقًا لَهَا بِالْمَصَاحِفِ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُمْسَكُ لِلدِّينِ تَعْلِيمًا وَتَعَلُّمًا وَقِرَاءَةً. اهـ.

وَجَوَّزَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَقْفَ الْكُتُبِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا وَقَفَ مُصْحَفًا عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ إنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ جَازَ وَإِنْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَأَمَّا وَقْفُ الْعَبِيدِ تَبَعًا لِلْمَدْرَسَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي قَرِيبًا وَفِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا يَجُوزُ وَقْفُ الْغِلْمَانِ وَالْجَوَارِي عَلَى مَصَالِحِ الرِّبَاطِ وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِهِ أَصَالَةً فَلَعَلَّهُ أَيْ قَوْلَهُ: تَبَعًا سَهْوٌ وَلَوْ قَالَ عَلَى الْمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ لَكَانَ مُنَاسِبًا لِقَوْلِهِ فَسَيَأْتِي.

وَكَيْفَ يَصِحُّ مَعَ أَنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ وَصَحَّ وَقْفُ الْعَقَارِ بِبَقَرِهِ وَأَكَرَتِهِ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ وَقْفِهِمْ تَبَعًا إذْ الْعَقَارُ شَامِلٌ لِلْأَرْضِ الْمَبْنِيَّةِ وَغَيْرِ الْمَبْنِيَّةِ تَأَمَّلْ.

[وَقْفُ الْمُشَاعِ]

(قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ وَقْفُ مَا فِيهِ تَعَامُلٌ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ إلَخْ) وَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ وَقْفَ الْمَنْقُولِ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَاعَيْتَ الشُّرُوطَ الَّتِي اشْتَرَطَهَا فِي الْوَقْفِ فِيهَا أَيْضًا كَكَوْنِهِ مُقَوَّمًا غَيْرَ مُشَاعٍ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ مُسَلَّمًا إلَى مُتَوَلٍّ وَإِنْ سَقَطَ التَّأْبِيدُ لَكِنْ ذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ مَسْأَلَةً حَرَّرَ فِيهَا جَوَازَ الْوَقْفِ وَالْحُكْمَ بِهِ وَإِنْ كَانَ مُرَكَّبًا مِنْ مَذْهَبَيْنِ وَاسْتَشْهَدَ عَلَيْهَا بِكَلَامِ الْمُنْيَةِ وَسَنُشِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى النَّاظِرِ (قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا وَقَفَ مُصْحَفًا إلَخْ) تَقَدَّمَ قَبْلَ وَرَقَتَيْنِ تَفْسِيرُ مَا لَا يُحْصَى وَأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى تَفْوِيضِهِ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ وَفِي النَّهْرِ وَبِهَذَا عُرِفَ حُكْمُ نَقْلِ كُتُبِ الْأَوْقَافِ مِنْ مَحَالِّهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا وَالْفُقَهَاءُ بِذَلِكَ مُبْتَلُونَ فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ وَقَفَهَا عَلَى الْمُسْتَحَقِّينَ فِي وَقْفِهِ لَا يَجُوزُ نَقْلُهَا وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ النَّاقِلُ لَيْسَ مِنْهُمْ وَإِنْ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ وَجَعَلَ مَقَرَّهَا فِي خِزَانَتِهِ الَّتِي فِي مَكَانِ كَذَا فَفِي جَوَازِ النَّقْلِ تَرَدُّدٌ. اهـ.

قُلْتُ: وَفِي بِلَادِنَا يَشْتَرِطُ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُخْرَجَ مِنْ مَوْضِعِهِ إلَّا لِمُرَاجَعَةٍ فَلَا تَرَدُّدَ حِينَئِذٍ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ إلَّا لِلْمُرَاجَعَةِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الطَّالِبِ مِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>