وَقَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ جَازَ وَيُقْرَأُ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَا يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ. اهـ.
وَذَكَرَ فِي التَّحْرِيرِ فِي بَحْثِ الْحَقِيقَةِ التَّعَامُلُ هُوَ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا فَلِذَا اقْتَصَرَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَخَرَجَ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَوْ حُلِيًّا لِأَنَّ الْوَقْفَ فِيهِ لَا يَتَأَبَّدُ وَلَا بُدَّ مِنْهُ بِخِلَافِ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ لِوُرُودِ النَّصِّ بِهِمَا وَمَا ذَكَرْنَاهُ لِلتَّعَامُلِ فَبَقِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ.
وَقَدْ زَادَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَشْيَاءَ مِنْ الْمَنْقُولِ عَلَى مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ لَمَّا رَأَوْا مِنْ جَرَيَانِ التَّعَامُلِ بِهَا فَفِي الْخُلَاصَةِ وَقَفَ بَقَرَةً عَلَى أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ لَبَنِهَا وَسَمْنِهَا يُعْطَى لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ قَالَ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ غَلَبَ ذَلِكَ فِي أَوْقَافِهِمْ رَجَوْت أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ جَائِزًا وَعَنْ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ زُفَرَ فِي مَنْ وَقَفَ الدَّرَاهِمَ أَوْ الدَّنَانِيرَ أَوْ الطَّعَامَ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَيَجُوزُ قَالَ نَعَمْ قِيلَ وَكَيْفَ قَالَ تُدْفَعُ الدَّرَاهِمُ مُضَارَبَةً ثُمَّ يُتَصَدَّقُ بِهَا فِي الْوَجْهِ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ وَمَا يُكَالُ وَمَا يُوزَنُ يُبَاعُ وَيُدْفَعُ ثَمَنُهُ مُضَارَبَةً أَوْ بِضَاعَةً قَالَ فَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إذَا وَقَفَ هَذَا الْكُرَّ مِنْ الْحِنْطَةِ عَلَى شَرْطِ أَنْ يُقْرَضَ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا بَذْرَ لَهُمْ لِيَزْرَعُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ قَدْرُ الْقَرْضِ ثُمَّ يُقْرَضُ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ أَبَدًا عَلَى هَذَا السَّبِيلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا قَالَ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الرَّيِّ وَنَاحِيَةِ دوبناوند وَالْأَكْسِيَةُ أَسْتِرَةُ الْمَوْتَى إذَا وُقِفَتْ صَدَقَةً أَبَدًا جَازَ وَتُدْفَعُ الْأَكْسِيَةُ لِلْفُقَرَاءِ فَيَنْتَفِعُونَ بِهَا فِي أَوْقَاتِ لُبْسِهَا وَلَوْ وَقَفَ ثَوْرًا لِإِنْزَاءِ بَقَرِهِمْ لَا يَصِحُّ ثُمَّ إذَا عُرِفَ جَوَازُ وَقْفِ الْفَرَسِ وَالْجَمَلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى.
فَلَوْ وَقَفَهُ عَلَى أَنْ يُمْسِكَهُ مَا دَامَ حَيًّا إنْ أَمْسَكَهُ لِلْجِهَادِ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ لِجَاعِلِ فَرَسِ السَّبِيلِ أَنْ يُجَاهِدَ عَلَيْهِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَصَحَّ جَعْلُهُ لِلسَّبِيلِ يَعْنِي يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَصِحُّ وَقْفُهُ وَلَا يُؤَاجَرُ فَرَسُ السَّبِيلِ إلَّا إذَا اُحْتِيجَ إلَى نَفَقَتِهِ فَيُؤَاجَرُ بِقَدْرِ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا احْتَاجَ إلَى نَفَقَتِهِ تُؤَاجَرُ قِطْعَةٌ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ اهـ.
وَهَذَا عِنْدِي غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْقُبْحِ الَّذِي لِأَجْلِهِ اسْتَثْنَى أَبُو يُوسُفَ الْمَسْجِدَ مِنْ وَقْفِ الْمُشَاعِ وَهُوَ أَنْ يَتَّخِذَ مَسْجِدًا يُصَلَّى فِيهِ عَامًا وَإِصْطَبْلًا تُرْبَطُ فِيهِ الدَّوَابُّ عَامًا وَلَوْ قَالَ إنَّمَا يُؤَجَّرُ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَنَقُولُ غَايَةُ مَا يَكُونُ لِلسُّكْنَى وَيَسْتَلْزِمُ جَوَازَ الْمُجَامَعَةِ فِيهِ وَإِقَامَةَ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ فِيهِ وَلَوْ قَالَ لَا يُؤَاجَرُ لِذَلِكَ فَكُلُّ عَمَلٍ يُؤَاجَرُ لَهُ تَغْيِيرُ أَحْكَامِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ بِاحْتِيَاجِهِ إلَى النَّفَقَةِ لَا تَتَغَيَّرُ أَحْكَامُهُ الشَّرْعِيَّةُ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَسْجِدًا نَعَمْ إنْ خَرِبَ مَا حَوْلَهُ وَاسْتَغْنَى عَنْهُ فَحِينَئِذٍ لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَتَجِبُ عِمَارَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ مِنْ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا يَجُوزُ وَقْفُ الْغِلْمَانِ وَالْجَوَارِي عَلَى مَصَالِحِ الرِّبَاطِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَقْفَ السَّفِينَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَا وَلَا شَكَّ فِي دُخُولِهَا تَحْتَ الْمَنْقُولِ الَّذِي لَا تَعَامُلَ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ وَقْفُهَا وَقَدْ وَقَفَ بَعْضُهُمْ سَفِينَةً عَلَى مَقَامِ الشَّافِعِيِّ فَسَأَلَنِي عَنْهُ فَأَجَبْتُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ بِنَاءً عَلَى هَذَا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَقَفَ بُسْتَانًا بِمَا فِيهِ مِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ يَجُوزُ وَلَوْ وَقَفَ دَابَّةً عَلَى رِبَاطٍ فَخَرِبَ الرِّبَاطُ وَاسْتَغْنَى النَّاسُ عَنْهُ فَإِنَّهَا تُرْبَطُ فِي أَقْرَبِ الرِّبَاطَاتِ إلَيْهِ.
وَفِي الْقُنْيَةِ وَقْفُ الْأَدْوِيَةِ بالتيمارخانة لَا يَجُوزُ إذْ لَمْ يَذْكُرْ الْفُقَرَاءَ بَقِيَ مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى وَقْفُ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَرْضِ فَجَزَمَ هِلَالٌ بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَنَقَلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ الْأَصْلِ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَجُوزُ وَقْفُ الْبِنَاءِ فِي أَرْضٍ هِيَ عَارِيَّةٌ أَوْ إجَارَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا لِوَاقِفِ الْبِنَاءِ جَازَ عِنْدَ الْبَعْضِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ الْبِنَاءُ فِي أَرْضِ وَقْفٍ جَازَ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَكُونُ الْأَرْضُ وَقْفًا عَلَيْهَا. اهـ.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْإِجَارَةِ مَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ مِنْ أَنَّ الْأَرْضَ إذَا كَانَتْ مُتَقَرِّرَةً لِلِاحْتِكَارِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي وَقْفِ الْبِنَاءِ وَحْدَهُ
ــ
[منحة الخالق]
كُرَّاسَةً وَلَا جُزْءًا بِالْأَوْلَى مُرَاعَاةً لِشَرْطِ الْوَاقِفِ مَعَ أَنَّ الطَّلَبَةَ يَأْخُذُونَهُ إلَى بُيُوتِهِمْ وَيَقْرَءُونَ وَيُطَالِعُونَ فِيهِ مَعَ أَنَّ مُرَادَ الْوَقْفِ حِفْظُ الْكُتُبِ عَنْ الضَّيَاعِ وَلَمْ نَرَ مَنْ يَتَجَنَّبُ عَنْ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا وَلَعَلَّهُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِ ذَلِكَ الشَّرْطِ عَنْ الْوَاقِفِ عِنْدَهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْتُوبًا بِأَعْلَى ظَهْرِ الْكِتَابِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَةِ الْكَاتِبِ أَوْ لِيُجْعَلَ حِيلَةً لِمَنْعِ مَنْ يَخَافُ مِنْ الضَّيَاعِ كَمَا أَخْبَرَنِي بَعْضُ قُوَّامِ الْكُتُبِ أَنَّ وَاقِفَهَا كَتَبَ ذَلِكَ الشَّرْطَ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدِي غَيْرُ صَحِيحٍ إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ فَتْحِ الْقَدِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute