اللَّقِيطِ الْأَبُ إنْ ظَهَرَ لَهُ أَبٌ وَاللَّقِيطُ بَعْدَ بُلُوغِهِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَبٌ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمَالِكُهُ إنْ ظَهَرَ لَهُ سَيِّدٌ بِإِقْرَارِهِ كَمَا فِي الْحَاوِي وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّارِحِ أَنَّهُ جَعَلَهُ صَاحِبَهَا وَسَهَا عَنْ اللَّقِيطِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْمُلْتَقِطِ قَبْلَ إذْنِ الْقَاضِي وَشَرَطَهُ فِي الْأَصْلِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَصْبًا فِي يَدِهِ وَلَا يَأْمُرُ فِيهِ بِالْإِنْفَاقِ وَإِنَّمَا يَأْمُرُهُ فِي الْوَدِيعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ لِكَشْفِ الْحَالِ وَلَيْسَتْ تُقَامُ لِلْقَضَاءِ حَتَّى يُشْتَرَطَ لَهَا خَصْمٌ لَكِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ فِي اللُّقَطَةِ وَأَمَّا فِي اللَّقِيطِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ كَذَلِكَ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِنْ قَالَ الْمُلْتَقِطُ لَا بَيِّنَةَ لِي يَقُولُ لَهُ أَنْفِقْ عَلَيْهَا إنْ كُنْت صَادِقًا وَفِي الذَّخِيرَةِ يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ بَيْنَ يَدَيْ الثِّقَاتِ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ شَيْئًا يَخَافُ عَلَيْهِ الْهَلَاكَ مَتَى لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهِ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْقَاضِي لَوْ جَعَلَ وَلَاءَ اللَّقِيطِ لِلْمُلْتَقِطِ جَازَ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَإِنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ يُشْبِهُ الْمُعْتِقَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحْيَاهُ كَالْمُعْتِقِ فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالْإِنْفَاقِ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي إذَا أَشْهَدَ لِيَرْجِعَ كَالْوَصِيِّ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَهَا نَفْعٌ أَجَّرَهَا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا) أَيْ اللُّقَطَةِ وَالْمُرَادُ الضَّالَّةُ الْبَهِيمَةُ لِأَنَّ فِيهِ إبْقَاءَ الْعَيْنِ عَلَى مَالِكِهِ مِنْ غَيْرِ إلْزَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ قَيَّدَ بِاللُّقَطَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ لَا يُؤَجِّرُهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَأْبَقَ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَفِي الْهِدَايَةِ سَوَّى بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِالْعَبْدِ الْآبِقِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ اللَّقِيطِ إذَا صَارَ مُمَيِّزًا وَلَا مَالَ لَهُ هَلْ يُؤَجِّرُهُ الْقَاضِي لِلنَّفَقَةِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَإِلَّا بَاعَهَا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفْعٌ بَاعَهَا الْقَاضِي وَحَفِظَ ثَمَنَهَا لِصَاحِبِهَا إبْقَاءً لَهُ يَعْنِي عِنْدَ تَعَذُّرِ إبْقَائِهِ صُورَةً وَظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّ الْقَاضِي يَفْعَلُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْإِجَارَةِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَالْبَيْعُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْعٌ لَا بِإِذْنٍ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلَحُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا أَذِنَ فِي ذَلِكَ وَجَعَلَ النَّفَقَةَ دَيْنًا عَلَى مَالِكِهَا قَالُوا إنَّمَا يَأْمُرُ بِالْإِنْفَاقِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى رَجَاءَ أَنْ يَظْهَرَ مَالِكُهَا فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ يَأْمُرُ بِبَيْعِهَا لِأَنَّ دَارَّةَ النَّفَقَةِ مُسْتَأْصَلَةً فَلَا نَظَرَ فِي الْإِنْفَاقِ مُدَّةً مَدِيدَةً اهـ.
وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ لَا نَظَرَ إلَى آخِرِهِ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ مِنْ الْقَاضِي لِلتَّيَقُّنِ بِعَدَمِ النَّظَرِ وَقَدْ فَهِمَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ أَيْضًا وَإِذَا بِيعَتْ أَخَذَ الْمُلْتَقِطُ مَا أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا إذَا حَضَرَ الْمَالِكُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَمْ يُجِزْهُ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْبَيْعَ نَافِذٌ مِنْ الْقَاضِي مَوْقُوفٌ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى إجَازَتِهِ وَبَيْعُ الْمُلْتَقِطِ بِإِذْنِ الْقَاضِي كَبَيْعِ الْقَاضِي فَلَوْ كَانَ عَبْدًا بَاعَهُ الْقَاضِي فَلَمَّا جَاءَ الْمَوْلَى قَالَ هُوَ مُدَبَّرٌ أَوْ مُكَاتَبٌ لَا يُصَدَّقُ فِي نَقْضِ الْبَيْعِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ هُوَ مُدَبَّرٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ وَبَرْهَنَ قَبْلُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مُصَوِّرًا لَهُ فِي الْوَاهِبِ وَعَلَّلُوا لَهُ بِأَنَّ التَّنَاقُضَ فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ وَفُرُوعِهَا لَا يَمْنَعُ.
(قَوْلُهُ وَمَنَعَهَا مِنْ رَبِّهَا حَتَّى يَأْخُذَ النَّفَقَةَ) أَيْ مَنَعَ اللُّقَطَةَ لِأَنَّهُ حَيٌّ بِنَفَقَتِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ فَأَشْبَهَ الْمَبِيعَ وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ رَادُّ الْآبِقِ فَإِنَّ لَهُ الْحَبْسَ لِاسْتِيفَاءِ الْجُعْلِ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ لَا يَسْقُطُ دَيْنُ النَّفَقَةِ بِهَلَاكِهِ عِنْدَ الْمُلْتَقِطِ قَبْلَ حَبْسِهِ وَيَسْقُطُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْحَبْسِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْحَبْسِ شَبِيهَ الرَّهْنِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَانْدَفَعَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ مِنْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَفِي الْهِدَايَةِ سَوَّى بَيْنَهُمَا) قَالَ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ وَاعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْآبِقِ هَلْ يُؤَجَّرُ كَالضَّالِّ أَوْ لَا فَفِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي نَعَمْ قَالَ فِي الدُّرَرِ وَلَمْ أَجِدْهُ فِي غَيْرِهِمَا بَلْ وَجَدْت فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَالْخُلَاصَةِ خِلَافَهُ حَيْثُ قَالُوا لَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْآبِقِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَأْبَقَ وَوَفَّقَ بِحَمْلِ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ ذَا قُوَّةٍ وَمَنَعَةٍ لَا يَخَافُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَمَا فِي غَيْرِهِمَا عَلَى خِلَافِهِ أَوْ بِحَمْلِ كَلَامِهِمَا عَلَى الْإِيجَارِ مَعَ إعْلَامِ الْمُسْتَأْجِرِ بِحَالِهِ لِيَحْفَظَ غَايَةَ الْحِفْظِ وَمَا فِي غَيْرِهِمَا عَلَى الْإِيجَارِ مَعَ جَهْلِهِ بِحَالِهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ اللَّقِيطِ إذَا صَارَ مُمَيِّزًا إلَخْ) قَالَ أَبُو السُّعُودِ أَقُولُ: إذَا جَازَ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِتَكُونَ الْأُجْرَةُ لِلَّقِيطِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِمَّا سَبَقَ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ قَالَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِيَأْخُذَ الْأُجْرَةَ لِنَفْسِهِ فَكَذَا الْقَاضِي وَتَعْلِيلُهُمْ الْمَنْعَ بِإِتْلَافِ الْمَنَافِعِ يُشِيرُ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ مِنْ التَّقْيِيدِ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ قُلْتُ: مُرَادُهُمْ لَا يُقْبَلُ مُجَرَّدُ قَوْلِهِ وَمَا فِي الْفَتْحِ مُقَيَّدٌ بِالْبُرْهَانِ فَتَوَافَقَ الْقَوْلَانِ.
[مَنَعَ اللُّقَطَةَ مِنْ رَبِّهَا حَتَّى يَأْخُذَ النَّفَقَةَ]
(قَوْلُهُ فَانْدَفَعَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّ كَلَامَ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي يُفِيدُ أَنَّ السُّقُوطَ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا فَيَنْدَفِعُ بِهِ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ قَوْلُ زُفَرَ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قَوْلُهُ فَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ حَبْسِهِ سَقَطَتْ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الرَّهْنِ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ صَنَّفَ وَلَيْسَ بِمَذْهَبٍ لِأَحَدٍ مِنْ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَلَا يُسَاعِدُهُ الْوَجْهُ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي التَّقْرِيبِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ أَنْفَقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute