للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَدَمِ السُّقُوطِ بِالْهَلَاكِ بَعْدَ الْحَبْسِ وَإِنَّمَا السُّقُوطُ هُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَهَكَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ بَيْعَ الْقَاضِي لَهَا بَعْدَ حُضُورِ مَالِكِهَا لِلْإِنْفَاقِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهِ لِلْمُلْتَقِطِ قَالَ فِي الْحَاوِي فَإِنْ امْتَنَعَ صَاحِبُهَا مِنْ أَدَاءِ مَا أَنْفَقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي بَاعَهَا الْقَاضِي وَأَعْطَى نَفَقَتَهُ مِنْ ثَمَنِهَا وَرَدَّ عَلَيْهِ الْبَاقِي اهـ.

وَلَا فَرْقَ فِي مَنْعِهَا مِنْ رَبِّهَا لِلْإِنْفَاقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُلْتَقِطُ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ أَوْ اسْتَدَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِيَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَاوِي لَكِنْ لَمْ أَرَ أَنَّ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يُحِيلَ الدَّائِنَ عَلَى صَاحِبِهَا بِدَيْنِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَقَدْ صَرَّحُوا فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ الْمُسْتَدَانَةِ بِإِذْنِ الْقَاضِي أَنَّ الْمَرْأَةَ تَتَمَكَّنُ مِنْ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَقِيَاسُهُ هُنَا كَذَلِكَ بِجَامِعِ إذْنِ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَدْفَعُهَا إلَى مُدَّعِيهَا بِلَا بَيِّنَةٍ) أَيْ اللُّقَطَةَ لِلْحَدِيثِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» وَلِأَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ حَتَّى وَجَبَ عَلَى الْغَاصِبِ الضَّمَانُ بِإِزَالَتِهِ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِهَا كَالْمِلْكِ وَلِذَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى غَاصِبِ الْمُدَبَّرِ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْمُلْتَقِطُ إذَا أَقَرَّ بِلُقَطَةٍ لِرَجُلٍ وَأَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ يُقْضَى بِهَا لِصَاحِبِ الْبَيِّنَةِ فَإِذَا أَقَرَّ بِهَا لِرَجُلٍ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَاسْتَهْلَكَهَا ثُمَّ أَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ فَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَانَ لِصَاحِبِ الْبَيِّنَةِ أَنْ يُضَمِّنَ الْقَابِضَ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ عَنْ اخْتِيَارٍ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ وَإِذَا ضَمِنَهُ صَاحِبُ الْبَيِّنَةِ لَا يَرْجِعُ هُوَ عَلَى الْمُقِرِّ كَالْغَاصِبِ الْغَاصِبُ إذَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ وَإِنْ اخْتَارَ صَاحِبُ الْبَيِّنَةِ تَضْمِينَ الدَّافِعِ فَإِنْ كَانَ الدَّفْعُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ وَإِنْ كَانَ الدَّفْعُ بِقَضَاءٍ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَهُ ذَلِكَ اهـ.

أَرَادَ بِعَدَمِ الدَّفْعِ عَدَمَ لُزُومِهِ لِأَنَّهُ لَوْ صَدَّقَ مُدَّعِيهَا بِلَا بَيَانٍ جَازَ الدَّفْعُ بِلَا جَبْرٍ وَأَرَادَ بِالْبَيِّنَةِ الْقَضَاءَ بِهَا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ فِي يَدِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فَادَّعَاهَا رَجُلٌ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَوْ أَقَرَّ الْمُلْتَقِطُ بِذَلِكَ وَلَكِنْ قَالَ لَا أَرُدُّهَا عَلَيْك إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ مَاتَ فِي يَدِهِ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اهـ.

وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ وَإِذَا كَانَتْ اللُّقَطَةُ فِي يَدِ مُسْلِمٍ فَادَّعَاهَا رَجُلٌ وَوَصَفَهَا فَأَبَى الَّذِي فِي يَدِهِ أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ كَافِرَيْنِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ مُسْلِمٌ فَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ كَافِرٍ فَكَذَلِكَ الْقِيَاسُ أَيْضًا لَعَلَّهَا لِمُسْلِمٍ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ فَاقْضِي لَهُ فَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْقِيَاسِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أُجِيزَهُ عَلَى مَا فِي يَدِ الْكَافِرِ مِنْهُمَا اهـ.

(قَوْلُهُ فَإِنَّ بَيَّنَ عَلَامَتَهَا حَلَّ الدَّفْعُ بِلَا جَبْرٍ) لِلْحَدِيثِ «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَعَرَّفَ عِفَاصَهَا وَعَدَدَهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ» وَهَذَا لِلْإِبَاحَةِ عَمَلًا بِالْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» الْحَدِيثَ وَلِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ كَالْمِلْكِ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَالْعَلَامَةُ مِثْلُ أَنْ يُسَمِّيَ وَزْنَ الدَّرَاهِمِ وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْعِفَاصُ كَكِتَابِ الْوِعَاءُ فِيهِ النَّفَقَةُ جِلْدًا أَوْ خِرْقَةً وَغِلَافُ الْقَارُورَةِ وَالْجِلْدُ يُغَطَّى بِهِ رَأْسُهَا وَالْوِكَاءُ كَكِسَاءِ رِبَاطُ الْقِرْبَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ وَكَأَهَا وَأَوْكَأَهَا وَعَلَيْهَا وَكُلُّ مَا شُدَّ رَأْسُهُ مِنْ وِعَاءٍ وَنَحْوِهِ وِكَاءٌ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَظَاهِرُ مَفْهُومِ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُبَيِّنْ عَلَامَتَهَا لَا يَحِلُّ الدَّفْعُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ حَلَّ الدَّفْعُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَإِنْ صَدَّقَهُ مَعَ الْعَلَامَةِ أَوْ لَا مَعَهَا فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ دَفْعِهِ إلَيْهِ لَكِنْ هَلْ يُجْبَرُ قِيلَ يُجْبَرُ كَمَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً وَقِيلَ لَا يُجْبَرُ كَالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ إذَا صَدَّقَهُ الْمُودِعُ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى دَفْعِهَا إلَيْهِ وَدَفَعَ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الْمَالِكَ هُنَا غَيْرُ ظَاهِرٍ أَيْ الْمَالِكُ الْآخَرُ وَالْمُودِعُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ ظَاهِرٌ اهـ.

وَقَدَّمْنَا حُكْمَ مَا إذَا دَفَعَهَا بِلَا بَيِّنَةٍ ثُمَّ أَثْبَتَهَا آخَرُ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ دَفْعِهَا بِالْعَلَامَةِ أَوْ بِالتَّصْدِيقِ فَقَطْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَخْذَ الْكَفِيلِ عِنْدَ دَفْعِهَا بِبَيَانِ الْعَلَامَةِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا إنْ كَانَ يَدْفَعُهَا

ــ

[منحة الخالق]

عَلَى اللُّقَطَةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَحَبَسَهَا بِالنَّفَقَةِ وَهَلَكَتْ لَمْ تَسْقُطْ النَّفَقَةُ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهَا دَيْنٌ غَيْرُ بَدَلٍ مِنْ الْعَيْنِ وَلَا عَنْ عَمَلٍ مِنْهُ فِيهَا وَلَا يَتَنَاوَلُهَا عَقْدٌ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَبِهَذَا الْقَيْدِ الْأَخِيرِ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِ زُفَرَ عَلَى الْمُرْتَهِن وَهُوَ الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ هُنَا وَفِي الْهِدَايَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ عَلَى اللُّقَطَةِ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ وَحَبَسَهَا لِيَأْخُذَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا فَهَلَكَتْ لَمْ تَسْقُطْ النَّفَقَةُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا خِلَافًا لِزُفَرَ اهـ.

مِنْ خَطِّ الشَّيْخِ قَاسِمٍ كَذَا بِخَطِّ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيَّ وَكَتَبَ بَعْدَهُ أَقُولُ: إنْ خَرَجَ الْجَوَابُ بِمَا ذُكِرَ عَنْ قِيَاسِهِ بِالرَّهْنِ لَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ بِجَعْلِ الْآبِقِ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَنَصَّ أَنَّهُ إلَيْهِ أَقْرَبُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَنْ عُلَمَائِنَا فِيهِ رِوَايَتَانِ أَوْ اخْتَارَ قَوْلَ زُفَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى إلَى هُنَا كَلَامُ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>