عَادَ رَبُّ الْمَالِ بَعْدَ اللُّحُوقِ مُسْلِمًا فَالْمُضَارِبُ عَلَى مُضَارَبَتِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَكِيلِ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ قُيِّدَ بِلُحُوقِ الْمَالِكِ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَوْ ارْتَدَّ وَلَمْ يَلْحَقْ فَتَصَرُّفُهُ مَوْقُوفٌ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ لَوْ ارْتَدَّ فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ اشْتَرَى وَبَاعَ وَرَبِحَ أَوْ خَسِرَ ثُمَّ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ جَائِزٌ وَالرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا، وَالْعُهْدَةُ فِي جَمِيعِ تَصَرُّفِهِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
قَوْلُهُ (وَيَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ إنْ عَلِمَ) أَيْ يَنْعَزِلُ الْمُضَارِبُ بِعَزْلِ رَبِّ الْمَالِ إنْ عَلِمَ بِهِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَا وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ خَبَرِ رَجُلَيْنِ مُطْلَقًا أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ إنْ كَانَ فُضُولِيًّا وَإِلَّا فَخَبَرِ مُمَيِّزٍ قَوْلُهُ (وَإِنْ عَلِمَ وَالْمَالُ عُرُوضٌ بَاعَهَا ثُمَّ لَا يَتَصَرَّفُ فِي ثَمَنِهَا وَلَا يَمْلِكُ الْمَالِكُ فَسْخَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) لِأَنَّ لِلْمُضَارِبِ حَقًّا فِي الرِّبْحِ قَيَّدَ بِالْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا فَسَخَ الشَّرِكَةَ وَمَالُهَا أَمْتِعَةٌ قَالُوا يَصِحُّ فَسْخُهُ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان مِنْ الشَّرِكَةِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْعَرْضِ هُنَا أَنْ يَكُونَ خِلَافَ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ جِنْسَانِ هُنَا فَإِذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ وَعَزَلَهُ وَمَعَهُ دَنَانِيرُ لَهُ بَيْعُهَا بِالدَّرَاهِمِ اسْتِحْسَانًا وَلَهُ بَيْعُ الْعُرُوضِ بَعْدَ الْعَزْلِ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ وَإِنْ نَهَاهُ رَبُّ الْمَالِ عَنْ النَّسِيئَةِ كَمَا لَا يَصِحُّ نَهْيُهُ عَنْ الْمُسَافَرَةِ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَكَمَا لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ لَا يَمْلِكُ تَخْصِيصَ الْإِذْنِ لِأَنَّهُ عَزْلٌ مِنْ وَجْهٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْعَزْلَ الْحُكْمِيَّ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ بَيْعُ الْعُرُوضِ بَعْدَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَلَا يَنْعَزِلُ فِي الْحُكْمِيِّ إلَّا بِالْعِلْمِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ حَيْثُ يَنْعَزِلُ فِي الْحُكْمِيِّ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ
قَوْلُهُ (وَلَوْ افْتَرَقَا وَفِي الْمَالِ دُيُونٌ وَرِبْحٌ أُجْبِرَ عَلَى اقْتِضَاءِ الدُّيُونِ) لِأَنَّهُ كَالْأَجِيرِ وَالرِّبْحُ كَالْأُجْرَةِ وَطَلَبُ الدَّيْنِ مِنْ تَمَامِ تَكْمِلَةِ الْعَمَلِ فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَإِلَّا لَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِضَاءُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لِكَوْنِهِ وَكِيلًا مُتَبَرِّعًا وَلَا جَبْرَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (يُوَكِّلُ الْمَالِكُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الِاقْتِضَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ إلَّا بِتَوْكِيلِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ عَاقِدٍ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالْمُسْتَبْضِعُ كَالْمُضَارِبِ يُجْبَرَانِ عَلَى التَّوْكِيلِ قَوْلُهُ (وَالسِّمْسَارُ يُجْبَرُ عَلَى التَّقَاضِي) وَهُوَ بِكَسْرِ الْأَوَّلِ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَجَمْعُهُ سَمَاسِرَةٌ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي لِلنَّاسِ بِأَجْرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ وَلَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِهَا أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ يَوْمًا لِلْخِدْمَةِ فَيَسْتَعْمِلَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إلَى آخِرِ الْمُدَّةِ وَلَوْ عَمِلَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَأَعْطَاهُ شَيْئًا لَا بَأْسَ بِهِ وَبِهِ جَرَتْ الْعَادَةُ وَإِنَّمَا أُجْبِرَ عَلَى طَلَبِ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَاسْتِيفَائِهِ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ عَمَلِهِ
قَوْلُهُ (وَمَا هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَمِنْ الرِّبْحِ فَإِنْ زَادَ الْهَالِكُ عَلَى الرِّبْحِ لَمْ يَضْمَنْ الْمُضَارِبُ) لِكَوْنِهِ أَمِينًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ عَمَلِهِ أَوْ لَا قَوْلُهُ (وَإِنْ قُسِّمَ الرِّبْحُ وَبَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ أَوْ بَعْضُهُ تَرَادَّا الرِّبْحَ لِيَأْخُذَ الْمَالِكُ رَأْسَ مَالِهِ وَمَا فَضَلَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ نَقَصَ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ قِسْمَةَ الرِّبْحِ قَبْلَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ مَوْقُوفَةٌ فَإِذَا قَبَضَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ نَفَذَتْ الْقِسْمَةُ وَإِنْ هَلَكَ مَا أَعَدَّ لِرَأْسِ الْمَالِ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بَاطِلَةً وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَقْسُومَ كَانَ رَأْسَ الْمَالِ قَوْلُهُ (وَإِنْ قُسِّمَ الرِّبْحُ وَفُسِخَتْ ثُمَّ عَقَدَاهَا فَهَلَكَ الْمَالُ لَمْ يَتَرَادَّا) وَهَذِهِ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَبَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ لِأَنَّ الْأُولَى قَدْ انْتَهَتْ بِالْفَسْخِ وَهِيَ الْحِيلَةُ النَّافِعَةُ لِلْمُضَارَبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[فَصْلٌ دَفْعِ مَالِ الْمُضَارَبَةُ إلَى الْمَالِكِ بِضَاعَةً]
(فَصْلٌ)
قَوْلُهُ (وَلَا تَفْسُدُ الْمُضَارَبَةُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى الْمَالِكِ بِضَاعَةً) لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ مُعَيَّنٌ لِلْمُضَارِبِ فِي إقَامَةِ الْعَمَلِ وَالْمَالُ فِي يَدِهِ عَلَى سَبِيلِ الْبِضَاعَةِ وَأَطْلَقَ الْمَالَ فَشَمِلَ الْكُلَّ وَالْبَعْضَ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ وَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْبَعْضِ فَاتِّفَاقِيٌّ صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَأَشَارَ بِالدَّفْعِ إلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ لَا بُدَّ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَالَ أَوَّلًا حَتَّى لَوْ جَعَلَ الْمَالَ بِضَاعَةً قَبْلَ أَنْ يَتَسَلَّمَهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ شَرْطٌ فِيهَا كَمَا لَوْ شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ ابْتِدَاءً وَقَيَّدَ بِدَفْعِهِ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ أَخَذَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِغَيْرِ أَمْر الْمُضَارِبِ وَبَاعَ وَاشْتَرَى فَإِنَّ الْمُضَارَبَةَ تَبْطُلُ إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ نَقْدًا وَإِنْ صَارَ عَرْضًا لَا لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ
ــ
[منحة الخالق]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute