للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظُّهْرَ أَرْبَعًا فَلَمَّا سَلَّمَ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْهَا سَاهِيًا ثُمَّ قَامَ وَاسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ وَصَلَّى أَرْبَعًا وَسَلَّمَ وَذَهَبَ فَسَدَ ظُهْرُهُ لِأَنَّ نِيَّةَ دُخُولِهِ فِي الظُّهْرِ ثَانِيًا وَقَعَ لَغْوًا فَإِذَا صَلَّى رَكْعَةً فَقَدْ خَلَطَ الْمَكْتُوبَةَ بِالنَّافِلَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ اهـ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَتَلَفَّظْ بِلِسَانِهِ فَإِنْ قَالَ نَوَيْت أَنْ أُصَلِّيَ إلَى آخِرِهِ فَسَدَتْ الْأُولَى وَصَارَ مُسْتَأْنِفًا لِلْمَنْوِيِّ ثَانِيًا مُطْلَقًا لِأَنَّ الْكَلَامَ مُفْسِدٌ وَقَيَّدَ بِالصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَوْ صَامَ قَضَاءَ رَمَضَانَ وَأَمْسَكَ بَعْدَ الْفَجْرِ ثُمَّ نَوَى بَعْدَهُ نَفْلًا لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ لِأَنَّ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ فِي الصَّلَاةِ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ لَا رُجْحَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي التَّحْرِيمَةِ وَهُمَا فِي الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ

(قَوْلُهُ وَقِرَاءَتُهُ مِنْ مُصْحَفٍ) أَيْ يُفْسِدُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا هِيَ تَامَّةٌ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ انْضَافَتْ إلَى عِبَادَةٍ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِصَنِيعِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ حَمْلَ الْمُصْحَفِ وَالنَّظَرَ فِيهِ وَتَقْلِيبَ الْأَوْرَاقِ عَمَلٌ كَثِيرٌ الثَّانِي أَنَّهُ تَلَقَّنَ مِنْ الْمُصْحَفِ فَصَارَ كَمَا إذَا تَلَقَّنَ مِنْ غَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا الثَّانِي لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْضُوعِ وَالْمَحْمُولِ عِنْدَهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَفْتَرِقَانِ وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي الثَّانِيَ وَقَالَ إنَّهَا تَفْسُدُ بِكُلِّ حَالٍ تَبَعًا لِمَا صَحَّحَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَرُبَّمَا يُسْتَدَلُّ لِأَبِي حَنِيفَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ نَهَانَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ نَؤُمَّ النَّاسَ فِي الْمُصْحَفِ فَإِنَّ الْأَصْلَ كَوْنُ النَّهْيِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَأَرَادَ بِالْمُصْحَفِ الْمَكْتُوبَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ مِنْ الْمِحْرَابِ فَسَدَتْ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْوَجْهِ الثَّانِي كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَافِظًا أَوْ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ وَهُوَ إطْلَاقُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا تَفْسُدُ إذَا قَرَأَ آيَةً وَبَعْضُهُمْ إذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَقَالَ الرَّازِيّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ الْقُرْآنَ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْرَأَ إلَّا مِنْ مُصْحَفٍ فَأَمَّا الْحَافِظُ فَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ السَّرَخْسِيُّ فِي جَامِعِهِ الصَّغِيرِ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَأَبُو نَصْرٍ الصَّفَّارُ عَلَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ مُضَافَةٌ إلَى حِفْظِهِ لَا إلَى تَلَقُّنِهِ مِنْ الْمُصْحَفِ

وَجَزَمَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالنِّهَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَهُوَ أَوْجَهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا إلَّا عَلَى الْقِرَاءَةِ مِنْ الْمُصْحَفِ فَصَلَّى بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ هَلْ تَجُوزُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ اهـ.

وَيُخَالِفُهُ مَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَكَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يَقُولُ فِي التَّعْلِيلِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ الْمُصْحَفِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى ظَهْرِ قَلْبِهِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ مِنْ الْمُصْحَفِ جَائِزَةً لَمَا أُبِيحَتْ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمَا لَا يُسَلِّمَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ. اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُتَفَرِّعٌ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الْفَسَادِ حَمْلُهُ وَالْعَمَلُ الْكَثِيرُ فَإِذَا لَمْ يَحْفَظْ شَيْئًا عَلَى ظَهْرِ قَلْبِهِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ الْمُصْحَفِ وَهُوَ مَوْضُوعٌ فَلَيْسَ أُمِّيًّا لِتَجُوزَ صَلَاتُهُ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْفَضْلِيُّ مُتَفَرِّعٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ عِلَّةَ الْفَسَادِ تَلَقُّنُهُ وَلَوْ كَانَ مَوْضُوعًا فَحِينَئِذٍ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْقِرَاءَةِ فَكَانَ أُمِّيًّا وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ تَصْحِيحَ الظَّهِيرِيَّةِ مُفَرَّعٌ عَلَى الضَّعِيفِ وَأَطْلَقَ فِي الْمُصَلِّي فَشَمِلَ الْإِمَامَ وَالْمُنْفَرِدَ فَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْإِمَامِ اتِّفَاقِيٌّ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّشْبِيهَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ لَا يُكْرَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَإِنَّا نَأْكُلُ وَنَشْرَبُ كَمَا يَفْعَلُونَ إنَّمَا الْحَرَامُ هُوَ التَّشَبُّهُ فِيمَا كَانَ مَذْمُومًا وَفِيمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّشْبِيهُ كَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ التَّشَبُّهَ لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُمَا

(قَوْلُهُ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ) أَيْ يُفْسِدَانِهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَمَلٌ كَثِيرٌ وَلَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَعَلَّلَ قَاضِي خَانْ وَجْهَ كَوْنِهِ كَثِيرًا بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ عَمَلُ الْيَدِ وَالْفَمِ وَاللِّسَانِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَهُوَ مُشْكِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا لَوْ أَخَذَ مِنْ خَارِجٍ سِمْسِمَةٍ فَابْتَلَعَهَا أَوْ وَقَعَ فِي فِيهِ قَطْرَةُ مَطَرٍ فَابْتَلَعَهَا فَإِنَّهُمْ نَصُّوا

ــ

[منحة الخالق]

الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي التَّبْيِينِ

[الْقِرَاءَة مِنْ مُصْحَفٍ فِي الصَّلَاة]

(قَوْلُهُ وَقَالَ الرَّازِيّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: إطْلَاقُ عَدَمِ الْفَسَادِ فِي الْحَافِظِ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ أَمَّا عَلَى الْأُولَى فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَافِظِ وَغَيْرِهِ وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ وَلَوْ كَانَ يَحْفَظُ وَقَرَأَ مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ قَالُوا لَا تَفْسُدُ لِعَدَمِ الْأَمْرَيْنِ وَفِي الْفَتْحِ وَلَوْ كَانَ يَحْفَظُ إلَّا أَنَّهُ نَظَرَ وَقَرَأَ لَا تَفْسُدُ وَهَاتَانِ الْعِبَارَتَانِ لَا غُبَارَ عَلَيْهِمَا اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ عَدَمِ الْفَسَادِ فِي الْحَافِظِ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ قُبَيْلَ كِتَابِ التَّحَرِّي قَالَ هِشَامٌ رَأَيْت عَلَى أَبِي يُوسُفَ نَعْلَيْنِ مَخْسُوفَيْنِ بِمَسَامِيرَ فَقُلْت أَتَرَى بِهَذَا الْحَدِيدِ بَأْسًا قَالَ لَا فَقُلْت إنَّ سُفْيَانَ وَثَوْرَ بْنَ يَزِيدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى كَرِهَا ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِالرُّهْبَانِ فَقَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَهَا شَعْرٌ وَأَنَّهَا مِنْ لِبَاسِ الرُّهْبَانِ» فَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّ صُورَةَ الْمُشَابَهَةِ فِيمَا تَعَلَّقَ بِهِ صَلَاحُ الْعِبَادِ لَا يَضُرُّ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْأَحْكَامِ صَلَاحُ الْعِبَادِ فَإِنَّ الْأَرْضَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ فِيهَا إلَّا بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْأَحْكَامِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>