للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ بِأَنَّهَا كَرَاهَةٌ تَنْزِيهِيَّةٌ وَفِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهَا إنَّمَا كَانَ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ فَلَا يُوصَفُ بِالْكَرَاهَةِ وَقَدْ أَطَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكَلَامَ هُنَا إطَالَةً حَسَنَةً كَمَا هُوَ دَأْبُهُ وَحِينَئِذٍ فَيُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُصَافَحَةِ وَالرَّدِّ بِالْيَدِ وَقَدْ عَلَّلَ الْوَلْوَالِجِيُّ لِفَسَادِهَا بِالْمُصَافَحَةِ بِأَنَّهَا سَلَامٌ وَهُوَ مُفْسِدٌ وَعَلَّلَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهَا كَلَامٌ مَعْنًى وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الرَّدَّ بِالْإِشَارَةِ كَلَامٌ مَعْنًى فَالظَّاهِرُ اسْتِوَاءُ حُكْمِهِمَا وَهُوَ عَدَمُ الْفَسَادِ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُصَلِّي وَالْقَارِئِ وَالْجَالِسِ لِلْقَضَاءِ أَوْ الْبَحْثِ فِي الْفِقْهِ أَوْ التَّخَلِّي وَلَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الرَّدُّ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَصَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ الْأَذَانِ أَنَّ السَّلَامَ عَلَى الْمُتَغَوِّطِ حَرَامٌ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ الدَّلِيلُ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

(قَوْلُهُ وَافْتِتَاحُ الْعَصْرِ أَوْ التَّطَوُّعِ لَا الظُّهْرِ بَعْدَ رَكْعَةِ الظُّهْرِ) أَيْ يُفْسِدُهَا انْتِقَالُهُ مِنْ صَلَاةٍ إلَى أُخْرَى مُغَايَرَةً لِلْأُولَى فَقَوْلُهُ بَعْدَ رَكْعَةِ الظُّهْرِ ظَرْفٌ لِلِافْتِتَاحِ وَصُورَتُهَا صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ ثُمَّ افْتَتَحَ الْعَصْرَ أَوْ التَّطَوُّعَ بِتَكْبِيرَةٍ فَقَدْ أَفْسَدَ الظُّهْرَ وَتَفْسِيرُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ لَا يَكُونَ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ بِأَنْ بَطَلَ عَنْهُ بِضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ فَالْمُنْتَقِلُ إلَى الْعَصْرِ مُتَطَوِّعٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الْوَصْفِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ عِنْدَهُمَا وَإِنْ انْتَقَلَ إلَى عَصْرٍ سَابِقٍ عَلَى الظُّهْرِ فَقَدْ اُنْتُقِضَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الْعَصْرِ لِلتَّرْتِيبِ وَإِنَّمَا انْتَقَلَ عَنْ تَطَوُّعٍ لَا فَرْضٍ كَذَا فِي الْكَافِي وَإِنَّمَا بَطَلَ ظُهْرُهُ لِأَنَّهُ صَحَّ شُرُوعُهُ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ نَوَى تَحْصِيلَ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ فَيَخْرُجُ عَنْهُ ضَرُورَةً لِمُنَافَاةٍ بَيْنَهُمَا فَمَنَاطُ الْخُرُوجِ عَنْ الْأُولَى صِحَّةُ الشُّرُوعِ فِي الْمُغَايِرِ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ فَلِذَا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا فِي فَرْضٍ فَكَبَّرَ يَنْوِي الِاقْتِدَاءَ أَوْ النَّفَلَ أَوْ الْوَاجِبَ أَوْ شَرَعَ فِي جِنَازَةٍ فَجِيءَ بِأُخْرَى فَكَبَّرَ يَنْوِيهِمَا أَوْ الثَّانِيَةَ يَصِيرُ مُسْتَأْنِفًا عَلَى الثَّانِيَةِ فَقَطْ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَلَوْ كَانَ مُقْتَدِيًا فَكَبَّرَ لِلِانْفِرَادِ يَفْسُدُ مَا أَدَّى قَبْلَهُ وَيَصِيرُ مُفْتَتِحًا مَا أَدَّاهُ ثَانِيًا وَقَوْلُهُ لَا الظُّهْرِ يَعْنِي لَوْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ فَكَبَّرَ يَنْوِي الِاسْتِئْنَافَ لِلظُّهْرِ بِعَيْنِهَا فَلَا يَفْسُدُ مَا أَدَّاهُ فَيَحْتَسِبُ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْعُدْ فِيمَا بَقِيَ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ بِاعْتِبَارِهَا فَسَدَتْ الصَّلَاةُ فَلَغَتْ النِّيَّةُ الثَّانِيَةُ وَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ إذَا صَلَّى

ــ

[منحة الخالق]

بَعْدَ ذِكْرِهِ لِحَاصِلِ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَقُولُ: وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَرُدُّ هَذَا لِأَنَّ الرَّدَّ مُشْتَرَكٌ يُرَادُ بِهِ عَدَمُ الْقَبُولِ وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَأَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ سَلَامَهُمْ وَيُعَلِّمُهُمْ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَيُرَادُ بِهِ الْمُكَافَأَةُ عَلَى السَّلَامِ الَّذِي هُوَ حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ وَلَيْسَ هَذَا بِمُرَادٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَبِهَذَا التَّوْفِيقِ يُسْتَغْنَى عَنْ التَّطْوِيلِ وَالتَّعَسُّفِ وَجَعْلُهُ مَكْرُوهًا تَنْزِيهًا لِوُقُوعِهِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الْمَيْلُ إلَى الْقَوْلِ بِالْفَسَادِ وَلَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا قِيلَ سَلَّمْت عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ سَلَامِي إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ الرَّدُّ فِيهِ بِمَعْنَى جَوَابِ التَّحِيَّةِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ وَالِاسْتِعْمَالِ وَلَوْ كَانَ بِمَعْنَى عَدَمِ الْقَبُولِ وَالنَّهْيِ عَنْ السَّلَامِ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ فَلَمْ يُجِبْ سَلَامِي أَوْ لَمْ يَقْبَلْ أَوْ نَهَانِي وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ وَحَمْلُ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْمُتَبَادِرِ مِنْهَا أَوْلَى وَغَيْرُهُ تَعَسُّفٌ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِمُلْجِئٍ (قَوْلُهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الرَّدَّ بِالْإِشَارَةِ كَلَامٌ مَعْنًى) قَالَ فِي النَّهْرِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلَّلَ الْفَسَادُ بِالْمُصَافَحَةِ بِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْيَدِ اهـ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيِّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ

(قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّلَامُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَزِيدَ عَلَيْهِ مَوَاضِعُ وَأَحْسَنُ مَنْ جَمَعَهَا الشَّيْخُ صَدْرُ الدِّينِ الْغَزِّيِّ فَقَالَ

سَلَامُك مَكْرُوهٌ عَلَى مَنْ سَتَسْمَعُ ... وَمِنْ بَعْدِ مَا أُبْدِيَ يُسَنُّ وَيُشْرَعُ

لِمُصَلٍّ وَتَالٍ ذَاكِرٍ وَمُحَدِّثٍ ... خَطِيبٍ وَمَنْ يَصْغَى إلَيْهِمْ وَيَسْمَعُ

مُكَرِّرِ فِقْهٍ جَالِسٍ لِقَضَائِهِ ... وَمَنْ بَحَثُوا فِي الْعِلْمِ دَعْهُمْ لِيَنْفَعُوا

مُؤَذِّنٍ أَيْضًا أَوْ مُقِيمٍ مُدَرِّسٍ ... كَذَا الْأَجْنَبِيَّاتُ الْفَتَيَاتُ تُمْنَعُ

وَلَعَّابُ شِطْرَنْجٍ وَشِبْهٌ بِخُلُقِهِمْ ... وَمَنْ هُوَ مَعَ أَهْلٍ لَهُ يَتَمَتَّعُ

وَدَعْ كَافِرًا وَمَكْشُوفَ عَوْرَةٍ ... وَمَنْ هُوَ فِي حَالِ التَّغَوُّطِ أَشْنَعُ

وَدَعْ آكِلًا إلَّا إذَا كُنْت جَائِعًا ... وَتَعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ يَمْنَعُ

وَقَدْ زِدْتُ عَلَيْهِ الْمُتَفَقِّهَ عَلَى أُسْتَاذِهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْمُغَنِّيَ وَمُطَيِّرَ الْحَمَامِ وَأَلْحَقْته فَقُلْت

كَذَلِكَ أُسْتَاذٌ مُغَنٍّ مُطَيِّرٌ ... فَهَذَا خِتَامٌ وَالزِّيَادَةُ تَنْفَعُ

اهـ.

(قَوْلُهُ فَقَدْ انْتَقَضَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الْعَصْرِ) هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا لِأَنَّ فَسَادَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى قَضَاءِ الْعَصْرِ قَبْلَ صَيْرُورَتِهَا سِتًّا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ يَصِيرُ مُسْتَأْنِفًا عَلَى الثَّانِيَةِ فَقَطْ) أَيْ عَلَى الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ أَيْ مَا نَوَاهُ ثَانِيًا فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ لَا فِي الْأَخِيرَةِ فَقَطْ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ فَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُسَلَّمٌ فِيمَا إذَا كَبَّرَ يَنْوِي الثَّانِيَةَ أَمَّا إذَا نَوَاهُمَا يَصِيرُ مُسْتَأْنِفًا عَلَيْهِمَا فَتَدَبَّرْ ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّهْرِ وَفِي النِّهَايَةِ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ وَفِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ لَوْ صَلَّى الرَّجُلُ عَلَى جِنَازَةٍ فَكَبَّرَ تَكْبِيرَةً ثُمَّ جِيءَ بِأُخْرَى فَوُضِعَتْ بِجَنْبِهَا فَإِنْ كَبَّرَ التَّكْبِيرَةَ الثَّانِيَةَ يَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى الْأُولَى أَوْ عَلَيْهِمَا أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى الْجِنَازَةِ الْأُولَى عَلَى حَالِهِ يُتِمُّهَا ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الصَّلَاةَ عَلَى الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ نَوَى اتِّحَادَ الْمَوْجُودِ وَهُوَ لَغْوٌ وَإِنْ كَبَّرَ يَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى الثَّانِيَةِ يَصِيرُ رَافِضًا لِلْأُولَى شَارِعًا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>