الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تَبَعٌ لِلنَّفْسِ فَلَا يَكُونُ لَهَا أَرْشٌ إذَا تَلِفَتْ مَعَهَا، وَإِذَا انْفَرَدَتْ بِالْإِتْلَافِ كَانَ لَهَا أَرْشٌ وَمَنْ ضَرَبَ صُلْبَ رَجُلٍ فَانْقَطَعَ مَاؤُهُ تَجِبُ الدِّيَةُ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةِ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ لِأَنَّ جَمَالَ الْآدَمِيِّ فِي كَوْنِهِ مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ وَقِيلَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: ٤] وَلَوْ زَالَتْ الْحُدُوبَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِزَوَالِهَا لَا عَنْ أَثَرٍ وَلَوْ بَقِيَ أَثَرُ الضَّرْبَةِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِبَقَاءِ الشَّيْنِ بِبَقَاءِ أَثَرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ]
(فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ) الشِّجَاجُ عَشَرَةٌ الْخَارِصَةُ وَهِيَ الَّتِي تَخْرُصُ الْجِلْدَ أَيْ تَخْدِشُهُ وَلَا تُخْرِجُ الدَّمَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ خَرَصَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ إذَا شَقَّهُ فِي الدَّقِّ وَالدَّامِعَةُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الدَّمْعِ سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّ الدَّمَ يَخْرُجُ مِنْهَا بِقَدْرِ الدَّمْعِ مِنْ الْقِلَّةِ وَقِيلَ لِأَنَّ عَيْنَيْهِ تَدْمَعُ بِسَبَبِ أَلَمٍ يَحْصُلُ لَهُ مِنْهَا وَفِي الْمُحِيطِ الدَّامِعَةُ هِيَ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا مَا يُشْبِهُ الدَّمْعَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ دَمْعِ الْعَيْنِ وَالدَّامِيَةُ وَهِيَ الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ الدَّامِيَةَ هِيَ الَّتِي تُدْمِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسِيلَ مِنْهَا دَمٌ هُوَ الصَّحِيحُ يُرْوَى عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَالدَّامِعَةُ وَهِيَ الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ كَدَمْعِ الْعَيْنِ وَمَنْ قَالَ: إنَّ صَاحِبَهَا تَدْمَعُ عَيْنَاهُ مِنْ الْأَلَمِ فَقَدْ أَبْعَدَ وَالْبَاضِعَةُ وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ الْجِلْدَ أَيْ تَقْطَعُهُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْبَضْعِ وَهُوَ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ وَمِنْهُ مُبَضِّعُ الْفِصَادِ أَقُولُ: فِي تَفْسِيرِ الْبَاضِعَةِ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فُتُورٌ، وَإِنْ تَابَعَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيهِ لِأَنَّ قَطْعَ الْجِلْدِ مُتَحَقِّقٌ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مِنْهَا لَا سِيَّمَا فِي الدَّامِعَةِ وَالدَّامِيَةِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ شَيْئًا مِنْ إظْهَارِ الدَّمِ وَأَصَالَتِهِ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ قَطْعِ الْجِلْدِ وَقَدْ صَرَّحَ الشُّرَّاحُ بِتَحَقُّقِ قَطْعِ الْجِلْدِ فِي كُلِّ الْأَنْوَاعِ الْعَشَرَةِ لِلشَّجَّةِ فَكَانَ التَّفْسِيرُ الْمَذْكُورُ شَامِلًا لِلْكُلِّ غَيْرَ مُخْتَصٍّ بِالْبَاضِعَةِ فَالظَّاهِرُ فِي تَفْسِيرِ الْبَاضِعَةِ هُوَ مَا ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ الْبَاضِعَةُ وَهِيَ تُبْضِعُ اللَّحْمَ أَيْ تَقْطَعُهُ وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْبَاضِعَةُ هِيَ الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ أَيْ تَقْطَعُهُ. اهـ. وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي مُعْتَبَرَاتِ كُتُبِ اللُّغَةِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الشِّجَاجِ الْبَاضِعَةُ وَهِيَ الَّتِي جَرَحَتْ الْجِلْدَ وَشَقَّتْ اللَّحْمَ. اهـ.
وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ الْبَاضِعَةُ الشَّجَّةُ الَّتِي تَقْطَعُ الْجِلْدَ وَتَشُقُّ اللَّحْمَ وَتُدْمِي إلَّا أَنَّهَا لَا تُسِيلُ الدَّمَ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ وَالْبَاضِعَةُ الشَّجَّةُ الَّتِي تَقْطَعُ الْجِلْدَ وَتَشُقُّ اللَّحْمَ شَقًّا خَفِيفًا وَتُدْمِي إلَّا أَنَّهَا لَا تُسِيلُ الدَّمَ. اهـ.
لَا يُقَالُ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ تَشْبِيهُ الْبَاضِعَةِ بِالْمُتَلَاحِمَةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا وَالْمُتَلَاحِمَةُ هِيَ الَّتِي تَأْخُذُ فِي اللَّحْمِ وَهَذَا فِي الْمَآلِ غَيْرُ مَا نَقَلْته عَنْ الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ فِي تَفْسِيرِ الْبَاضِعَةِ لِأَنَّا نَقُولُ مَنْ فَسَّرَ الْبَاضِعَةَ بِمَا قُلْنَا مِنْ الْمَعْنَى الظَّاهِرِ لَا يَقُولُ بِتَفْسِيرِ الْمُتَلَاحِمَةِ بِمَا ذُكِرَ حَتَّى يَلْزَمَ الِاشْتِبَاهُ بَلْ يَزِيدُ عَلَيْهِ قَيْدًا وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ الْبَاضِعَةُ وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ أَيْ تَقْطَعُهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَلَا تَنْزِعُ شَيْئًا مِنْ اللَّحْمِ ثُمَّ الْمُتَلَاحِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تَقْطَعُ اللَّحْمَ وَتَنْزِعُ شَيْئًا مِنْ اللَّحْمِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُحِيطِ وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْبَاضِعَةُ وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ أَيْ تَقْطَعُهُ وَالْمُتَلَاحِمَةُ هِيَ الَّتِي تَذْهَبُ فِي اللَّحْمِ أَكْثَرُ مِمَّا تَذْهَبُ الْبَاضِعَةُ فِيهِ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ
وَالْمُتَلَاحِمَةُ مِنْ الشِّجَاجِ هِيَ الَّتِي تَشُقُّ اللَّحْمَ دُونَ الْعَظْمِ ثُمَّ تَتَلَاحَمُ بَعْدَ شَقِّهَا أَيْ تَتَلَاءَمُ. اهـ.
وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالْمُتَلَاحِمَةُ الشَّجَّةُ الَّتِي أَخَذَتْ فِي اللَّحْمِ دُونَ الْعَظْمِ ثُمَّ تَتَلَاحَمُ وَلَمْ تَبْلُغْ السِّمْحَاقَ. اهـ.
وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ وَشَجَّةٌ مُتَلَاحِمَةٌ أَخَذَتْ فِيهِ وَلَمْ تَبْلُغْ السِّمْحَاقَ وَالْمُتَلَاحِمُ وَهِيَ الَّتِي تَأْخُذُ فِي اللَّحْمِ كُلِّهِ ثُمَّ تَتَلَاحَمُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ تَلْتَئِمُ وَتَتَلَاصَقُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَفَاؤُلًا عَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُتَلَاحِمَةَ قَبْلَ الْبَاضِعَةِ لِأَنَّ الْمُتَلَاحِمَةَ مِنْ قَوْلِهِمْ الْتَحَمَ الشَّيْئَانِ إذَا اتَّصَلَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَالْمُتَلَاحِمَةُ هِيَ الَّتِي تُظْهِرُ اللَّحْمَ وَلَا تَقْطَعُهُ وَالْبَاضِعَةُ بَعْدَهَا لِأَنَّهَا تَقْطَعُهُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالْمُتَلَاحِمَةُ تَعْمَلُ فِي قَطْعِ أَكْثَرِ اللَّحْمِ وَهِيَ بَعْدَ الْبَاضِعَةِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ الْمُتَلَاحِمَةُ أَيْ الْقَاطِعَةُ لِلَّحْمِ وَالِاخْتِلَافُ الَّذِي وُجِدَ فِي الشِّجَاجِ رَاجِعٌ إلَى مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ لَا إلَى الْحُكْمِ وَالسِّمْحَاقُ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى السِّمْحَاقِ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ الَّتِي بَيْنَ اللَّحْمِ وَعَظْمِ الرَّأْسِ وَالْمُوضِحَةُ وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ أَيْ تُبَيِّنُهُ وَالْهَاشِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تَهْشِمُ الْعَظْمَ وَالْمُنَقِّلَةُ وَهِيَ الَّتِي تَنْقُلُ الْعَظْمَ بَعْدَ الْكَسْرِ أَيْ تُحَوِّلُهُ وَالْآمَّةُ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى أُمِّ الدِّمَاغِ وَأُمُّ الدِّمَاغِ هِيَ الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ الَّتِي تَجْمَعُ الدِّمَاغَ وَبَعْدَ الْآمَّةِ شَجَّةٌ تُسَمَّى الدَّامِغَةُ بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ لَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَبْقَى بَعْدَهَا عَادَةً فَتَكُونُ قَتْلًا وَلَا تَكُونُ مِنْ الشِّجَاجِ وَالْكَلَامُ فِي الشِّجَاجِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْخَارِصَةَ وَالدَّامِغَةَ لِأَنَّهَا لَا يَبْقَى لَهَا فِي الْغَالِبِ أَثَرٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute